بذريعة وجود "هيئة تحرير الشام" المصنفة على قوائم الإرهاب، وبذريعة عدم تنفيذ استحقاقات سوتشي 2019، ومنها فتح المعابر بين النظام والمعارضة؛ يستمر القصف الروسي لمختلف مناطق المعارضة السورية، لا سيما في منطقة إدلب التي ازدادت عليها غارات الطيران الحربي الروسي وباتت توقع ضحايا في مناطق لم تكن ضمن خريطة الخروقات سابقاً.
وزير الخارجية الروسي أكد في تصريحاته أثناء المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الإسرائيلي في 9 أيلول/سبتمبر الجاري أن روسيا تأسف لعدم تمكن تركيا من فصل المعارضة العقلانية عن الإرهابيين، وهو عنوان التوتر الجديد في العلاقات الروسية التركية في سورية، حيث يتجلى هذا التوتر بتوسيع القصف في إدلب، وبأن يطال القصف الروسي للمرة الأولى عفرين شمال غرب حلب، وذلك منذ سيطرة المعارضة السورية عليها ربيع 2018.
لكن مع متابعة أعمق للمعلومات يتضح أنَّ التصعيد الروسي المستمر ضد المعارضة المدعومة من تركيا يوازيه مباحثات نشِطة جداً بين روسيا وبين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" لإيجاد تحالفات شاملة وإستراتيجية بينهما، قُبيل أن تتوفر فرصة لنجاح التفاهمات الأمريكية التركية لحل جملة من الخلافات بين المعارضة السورية و"قسد"، الأمر الكفيل بإغلاق باب عظيم من المكاسب التي يرجوها النظام وتيسرها روسيا من شرق الفرات.
المراقب للضوء الأخضر الأمريكي لتركيا باستهداف الأخيرة للقيادات الإرهابية بحسب تصنيفها يخلق ربما فوضى داخلية ضمن "قسد" تراهن الولايات المتحدة على قدرة ضبطها والاستفادة منها لصالح المشروع الأمريكي القديم الجديد الذي لا تزال تحاوله، وهو إيجاد تحالفات حقيقية بين المعارضة و"قسد" ضمن مسار أمريكي تركي، وذلك بعد النجاح الصعب في ضمان الأمن التركي والمصالح التركية في المنطقة، ولعل الضوء الأخضر الأمريكي يأتي في سياق هذه الضمانات، حيث وعلى مدىً زمني واسع سيتاح لتركيا التعامل المباشر مع الأهداف الأمنية والعسكرية المقلقة والخطرة بالنسبة لأمنها.
النجاح أخيراً في تأمين قنوات الاتصال، ثم الوصول لحل الخلافات وبناء الشراكات بين المعارضة و"قسد" هو مشروع بالنسبة للجانب الأمريكي، وهو أمر محفوف بالمخاطر، لكنه ممكن بالنسبة لتركيا، بينما هو السيناريو الأخطر بالنسبة لروسيا التي تستعجل التصعيد العسكري ضد المعارضة للضغط على تركيا وإيصال رسائل ترقى إلى التهديد بانهيار وقف إطلاق النار المستمر منذ (آذار/مارس 2020).
وفي المقابل تنقل روسيا معلومات "لقسد" بتأكيد الانسحاب الأمريكي من سورية وترك "قسد" عرضة للاستهداف التركي، بل تنقل روسيا معلومات "لقسد" عن تنسيق أمريكي تركي لمعارك من المفترض أن تبادر بها تركيا في عين العرب وعين عيسى ومنبج، وتسوق روسيا ضمن مفاوضاتها مع "قسد" التصعيد العسكري في إدلب على أنّه رد روسي على التصعيد التركي الأخير شرق الفرات، الأمر الذي يعني "لقسد" حرص روسيا على استقرار الخريطة واستعداد روسيا لضمانات تتعلق بعدم المركزية مجدداً وبالحماية العسكرية والأمنية في حال نجح ما تصبو إليه روسيا من تحقيق تفاهم شامل بينها وبين "قسد" يصب في مصلحة النظام ولا يؤثر سلباً في "قسد".
بالمحصلة: فإنَّ صراع الأجنحة داخل "قسد" ربما في طريقه إلى ما تريده الولايات المتحدة ويرضي تركيا، ويبدّد التخويفات الروسية "لقسد" المسارات التي تبنيها الولايات المتحدة وتدعمها بالتنسيق مع تركيا لحل المشكلات الكردية الكردية، أولاً ثم بين "قسد" والمعارضة لاحقاً.
ويبقى أمام روسيا عقبة كبيرة جداً تتعلق بالمصداقية، والتي كان آخر مسمار في نعشها هو تخلّيها عن جميع الضمانات التي قدمتها جنوب سورية للأطراف المحلية أو للأطراف الخارجية وتنصّلها منها، والمشهد الأخير في درعا أثبتت فيه روسيا مجدداً أنَّها سوف تنسِّق وتستثمر الوجود الإيراني في مختلف مناطق سورية، سواء بالاستثمار الداخلي على مستوى الفاعلين المحليين، أو بالاستثمار الخارجي على مستوى المفاوضات الإقليمية والدولية، وهذا ربما ما ستحسب حسابه "قسد"، وتُبقي أرجلها ثابتة بدلاً من محاولات القفز في الهواء.