نداء بوست- محمد جميل خضر- عمان
يحمل السوري الدمشقي الحاج محمد صبري توفيق الطباع أحد مؤسسي الاقتصاد الأردني وبُناتِه، جواز السفر الأردني رقم واحد، وهو الجواز الصادر في الثاني من كانون الثاني/ يناير 1930.
في دمشق حاضرة الأمويين، وُلد عام 1892، الحاج صبري، وفي دمشق دخل الكتاتيب وختم القرآن، وفي دمشق حارب الفرنسيين، وكان أحد ثوار معركة "ميسلون"، وفي دمشق أصبح في سن مبكّرة من تُجّارها المعروفين، وفي دمشق كان الحاج من أوائل مُستقبِلي الملك فيصل بن الحسين بن علي، مبايعاً له ملكاً على الدولة العربية التي اتخذت من دمشق عاصمة لها.
في عام 1925، ونتيجة مواصلة ملاحقة الفرنسيين له، شدّ الرحال باتجاه جنوبي سورية، مستقراً في الأردن التي كانت قد أصبحت دولة للتوّ، برؤساء وزراء جميعهم في بدايات الإمارة من أبناء بلده.
ومع وصوله عمّان التي أصبحت عاصمة، بدأ مشوار الحاج وأبنائه من بعده مع النجاح التجاريّ الاقتصاديّ.
نجاح جعل الأمير/ الملك عبد الله الأول يجعله من بين دائرة أصدقائه الضيقة الخاصة، واضعاً فيه ثقة ناصعة البيان، مانحاً إياه كل الفرمانات التي يحتاجها ليشرع مع سوريين وفلسطينيين آخرين، في بناء الاقتصاد الأردني مِدْماكاً وراء مِدْماك.
في عمَّـان حيث له صداقات مع تُجّارها وشيوخها الذين كانوا يؤمُّون متجره في دمشق، افتتح الحاج صبري متجراً لتجارة الحبوب والمواد الغذائية.
وفي هذا السياق يذكر الدكتور رؤوف أبو جابر في كتابه "تاريخ شرقي الأردن واقتصاده" أن الحاج الطباع كان مع سلامة الطوال وفرح أبو جابر أشهر ثلاثة تجار للحبوب في عمَّان، وأن تُجَّار عمَّان انتخبوا الحاج الطبَّاع رئيساً لغرفة تجارة عمَّـان في 14 نيسان/ إبريل 1941، وهي الرئاسة التي تكررت عدة دورات.
توسّعت تجارته بعد ذلك، فافتتح متجراً لبيع الأسمنت والحديد، ثمَّ شارك حنا سلامة من القدس في إنشاء شركة للسيارات والشاحنات، كما قام بالمساهمة في تأسيس شركة مصانع الأسمنت الأردنية، وكان أول رئيس لمجلس إدارتها، كما أسهم في تأسيس شركة الدخان الأردنية، وبالإضافة إلى رئاسته غرفة تجارة عمّان لبضع دورات، ترأس اتحاد الغرف التجارية الأردنية، وكانت له صداقة وثيقة مع الملك الراحل عبدالله الأول بن الحسين استمرت طيلة حياته، وعُـيِّـن عضواً في مجلس الأعيان في أكثر من دورة، وهو في مجلس الأعيان يحمل الرقم تسعة، أي أنه تاسع مَن حمل لقب عين في الأردن من بين مئات من حملوه، كما انتخب عضواً في مجلس النواب.
لم ينسَ السياسة
لم يَحُل انشغال الحاج صبري الطبَّـاع بالنشاطات التجارية والاقتصادية، دون انخراطه في العمل السياسي، وخصوصاً أنه كان في بدايات شبابه متأثراً بطروحات الحركة الوطنية العربية ومشاركاً في نشاطاتها، فشارك بعد استقراره في عمَّـان في تأسيس حزب "الإخاء الأردني" في 25 أيلول/ سبتمبر 1937، وكان في طليعة أهداف الحزب، تحقيق استقلال شرقي الأردن استقلالاً كاملاً، وتوحيد المساعي القومية مع البلاد العربية الأخرى في سبيل تحقيق الوحدة العربية، وتحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في الإمارة.
وبعد حل الحزب شارك الحاج صبري في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1945، في تأسيس الفرع الأردني لحركة الوحدة العربية التي كان مقرها القاهرة، ومن أهم أهدافها السعي على الصعيد الرسمي والشعبي لتحقيق الوَحْدة العربية بين الأقطار الشامية والعراق "مشروع الهلال الخصيب".
العمل العامّ
على الصعيد الاجتماعي والعامّ، كان الحاج محمد صبري الطبَّاع من مؤسسي جمعية الثقافة الإسلامية التي أسَّـست الكلية العلمية الإسلامية في مطالع أربعينيات القرن الماضي، ومن أبرز داعمي القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمة الناشطين على صعيد تشكيل اللجان الشعبية لجمع التبرعات لدعم المجاهدين السوريين ضد الفرنسيين، ودعم المجاهدين الفلسطينيين ضدَّ المحتلين الإنجليز والعصابات اليهودية التي كانت مدعومة من الإنجليز، ودعم المجاهدين الجزائريين ضدَّ المحتلين الفرنسيين الذين أصدروا قانوناً جعلوا فيه الجزائر العربية المسلمة جزءاً من فرنسا، وقاموا باقتراف جرائم وحشية ضد الشعب الجزائري.
في هذا الصدد كان الحاج محمد صبري الطبَّـاع من أوائل الموقِّعين على البيان الذي نشرته صحيفة "الرائد" الأسبوعية التي كان يصدرها ويترأس تحريرها المحامي أمين أبو الشعر النمري، في عددها الصادر في 30 تموز/ يوليو 1945، الذي يؤكد وقوف الشعب الأردني إلى جانب الشعب العربي الجزائري الشقيق في مواجهة الفظائع التي كان يُوقعها بهم جيش الاحتلال الفرنسي.
الحاج صبري هو جدّ الأميرة عالية الطباع نجلة ابنه البكر الحاج توفيق، التي تزوجها الأمير فيصل بن الحسين شقيق العاهل الأردني عبد الله بن الحسين. وظلت تحمل اسم عالية الفيصل حتى انفصالها، لتعود وتحمل اسم العائلة الدمشقية العريقة.
ومما يجدر ذكره حول الحاج المؤسِّس محمد صبري توفيق الطباع، الملقب بـ"أبي الحسن"، أن الملك المؤسس قال فيه عبارة أصبحت بعد ذلك على مجرى الألسن: "ما يراه أبو الحسن، فهو الحسن".
في نهاية عام 1955، وتحديداً بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر من ذلك العام، انتقل الحاج محمد صبري الطباع إلى الرفيق الأعلى في مستشفى "السلط" إثر عملية جراحية، وشُيِّع جثمانه من الجامع الحسيني الكبير وسط العاصمة الأردنية عمّان، ثم نُقل إلى مقبرة العائلة بالمصدار في موكب مهيب شارك فيه رئيس الديوان الملكي مندوباً عن الملك الراحل الحسين بن طلال، كما اشتركت في تشييع الجثمان وفود حضرت من دمشق ونابلس وإربد والسلط وباقي أنحاء المملكة والعالم العربي.
لم تنقطع منجزات الحاج صبري برحيله، فأبناؤه توفيق وحمدي وباقي الأسرة، واصلوا من بعده، وهم وأولادهم اليوم من أركان الاقتصاد الأردني وأعمدته المتينة، تماماً كما كان والدهم وجدّهم ورئيس الجالية السورية في الأردن وشهبندر تجارها وتجار عمّان.
Author
-
روائي وإعلامي فلسطيني/أردني..مُعِدّ ومنتج تلفزيوني.. صدر له ثلاث روايات وأربع مجموعات قصصية