خاص – بيروت
رغم مرور أكثر من عشر سنوات على حفل تدشين المستشفى التركي التخصصي في مدينة "صيدا" جنوبي لبنان، لكن أبواب المستشفى لا تزال مغلقة، وتعود الأسباب إلى خلاف سياسي بين القوى المَعنِيّة في المدينة.
وأقيم حفل التدشين في شهر ديسمبر/ كانون الأول عام 2010 بحضور رئيس الوزراء اللبناني المكلف "سعد الحريري" ورئيس الوزراء التركي آنذاك "رجب طيب أردوغان"، إذ تبنّت الحكومة التركية مشروع إنشاء وتجهيز المستشفى "التخصصي" لعلاج الحروق والإصابات بمبلغ 20 مليون دولار أمريكي.
ويعد هذا المشروع من أبرز المشاريع الطبية الحديثة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، كونه الأول من نوعه المتخصص في علاج إصابات الحروق والإصابات الناتجة عن الحوادث والحروب.
وتبلغ مساحة المستشفى الإجمالية 16 ألف متر مربع، وتم بناؤه بأيدي عُمّال أتراك، تحت إشراف مهندسين أتراك أيضاً، ويضم مواقف للسيارات ومساحات خضراء واسعة من الحدائق داخله وخارجه، كما يضم مهبطاً خاصاً للمروحيات على أرض تجاور المستشفى لنقل الحالات الطارئة والمستعصية، كما تم تجهيز المستشفى بـ103 أسرّة، بما فيها العناية الفائقة، ويضم أربع غرف عمليات و16 غرفة عناية فائقة ووحدة مركزية لحالات الطوارئ الطبية.
تفشِّي وباء "كورونا" سلط الضوء من جديد على المشروع المجمَّد، حيث انتشرت شائعات حول إمكانية افتتاحه وتخصيصه للحجر الصحّي ومعالجة المرضى في حال تمدد الفيروس بشكل كبير، غير أنّ القوى السياسية في المدينة لم توافق، وأصرّت على إعادة تشغيله للهدف الذي أُنشِئ من أجله، وهو علاج الحروق والطوارئ.
المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في الجنوب الدكتور "بسام حمود" قال لموقع "نداء بوست": "إن فكرة بناء المستشفى التركي في صيدا أتت بمبادرة وتمويل من الدولة التركية على إثر العدوان الصهيوني على لبنان في تموز ٢٠٠٦، حيث كانت صيدا ملاذاً لأهلنا النازحين من جنوب لبنان على كل الصُّعُد الإنسانية والاجتماعية والإغاثية والطبية والمعيشية، وللتأكيد على عمق العلاقة بين الشعبين اللبناني والتركي، والاهتمام الذي تُوليه تركيا للبنان"، وأضاف حمود أن الحكومة التركية سارعت حينها إلى تقديم يد العون إلى الشعب اللبناني، فكانت قوافل الإغاثة التركية تصل بشكل متواصل؛ لأن التفكير الإستراتيجي الذي طبع عقلية الحكومة التركية في ظل وجود الرئيس رجب طيب أردوغان أدركت أهمية دعم صمود اللبنانيين في وجه العدوان الصهيوني المستمر، فكان لا بد من عمل يوازي ضراوة العدوان فكانت فكرة المستشفى المتخصص في علاج إصابات الحرب ومعالجة الحروق، وكان اختيار عاصمة الجنوب "صيدا" لأهمية موقعها الجغرافي والديمغرافي.
وأعرب "حمود" لموقعنا عن أسفه لتعرُّض المستشفى التركي لعدوى المحاصصة والمحسوبية ومحاولة السيطرة، كما هو الحال في كل المشاريع المهمة، وقال: "إن هذا المشروع لم يختلف عن غيره من المشاريع العامة حيث يُعتبر مستشفى حكوميّاً وَفْق الاتفاقية الموقَّعة بين الدولتين التركية واللبنانية من جهة وبين وزارة الصحة وبلدية "صيدا" من جهة ثانية، هذا فضلاً عن الكلفة التشغيلية التي لم تلحظ القدرة الاستيعابية للمستشفى على ضوء دراسة علمية شفّافة".
وأضاف "حمود": إن المستشفى بقي معطلاً لمدة تجاوزت العشر سنوات بسبب النكايات السياسية التي تخفت خلف الكلفة التشغيلية رغم العديد من المبادرات التي قُدمت لبلدية "صيدا" ومن خلالها لوزارة الصحة في الدولة اللبنانية من أجل تشغيل المستشفى من قبل بعض الجمعيات الطبية وعلى رأسها الجمعية الطبية الإسلامية التي تدير مستشفى في مدينة طرابلس، إلا أن طلبها قُوبل بالرفض بسبب الضغوطات السياسية لبعض القوى النافذة".
وحول كلام وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال "حمد حسن" عن قُرب فتح المستشفى، قال "حمود": إلا أن محاولة وزير الصحة ليست المحاولة الأولى لإطلاق سراح المستشفى وافتتاحه ليقوم بالدور المُهِمّ الذي أُنشِئ من أجله، إلا أنها اصطدمت كسابقاتها بنفس الأسباب المُعطِّلة، مضيفاً: "أكبر دليل على ذلك هو عدم التمكن من تشكيل مجلس إدارة يتمتع بالكفاءة والنزاهة المطلوبة لتشغيله حيث باءت عملية تشكيل مجلس الإدارة بالفشل لعدة مرات بسبب مبدأ المُحاصَصة وتقسيم المغانم بين الأطراف السياسية بعيداً عن المهنيّة والشفافيّة مما أُبقي الحال على ما هو عليه رغم كل ما قيل عن جدية القرار بتشغيله".
من جهته اعتبر المحامي اللبناني "طارق شندب" في حديث لموقع "نداء بوست" أن السبب الرئيسي لعدم تشغيل المشفى هو أن: "المستشفى الجامعي هذا يقع في مدينة صيدا السنية داخل محافظة الجنوب حيث يرى فيه السياسيون الشيعة خروجاً عن إرادتهم وسيطرتهم على المبنى والإدارة، لذلك فإن وزراء الصحة الشيعة الذين تعاقبوا على الوزارة منذ عام ٢٠١٠ وحتى اليوم يرفضون إعطاء التراخيص اللازمة لبدء العمل رغم سعي بلدية صيدا لإتمام كافة الأمور الإدارية والمالية، وكذلك فإن رؤساء الحكومات السنّة ونواب مدينة صيدا لم يقوموا بالواجب عليهم سياسياً لإطلاق المستشفى كونهم غير مهتمين بوضع المدينة خاصة، ولا يريدون المواجهة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أي أنهم لم يقوموا بالمطلوب منهم على المستوى السياسي لتشغيل المستشفى".
ويعاني لبنان مؤخراً واقعاً طبيّاً سيئاً، تمثَّل في فقدان الكثير من الأدوية وبيعها بالسوق السوداء، وسط مخاوف بأن يتخذ مصرف لبنان قراراً برفع الدعم الذي يقدمه للأدوية والمُستلزَمات الطبية نتيجة الواقع السيئ، والذي تفاقم أكثر على كافة الأصعدة بعد انفجار ميناء بيروت في آب/ أغسطس عام 2020.