تشترك المعارضة السورية بشقيها العربي والكردي بعدائها للنظام السوري، الذي لم ينظر يوماً إلى قومية مشعل تمو ولا غياث مطر عند اغتيالهما، بل نظر إلى مدى تشكيلهما للخطر على بقائه في السلطة.
شهدت سورية في الآونة الأخيرة سيولة من حيث المشاريع السياسية لإيجاد حل شامل، حيث أُطلق في نهاية شهر آب/ أغسطس، 2021 مبادرتان في إطار تحريك العملية السياسية بعد جمود مستمر منذ بداية العام الجاري، الأولى كانت من دمشق أطلقتها "بيروين إبراهيم" الأمين العامّ لحزب الشباب للبناء والتغيير "الكردي" ، وثانية أطلقها الإعلامي "سمير متيني" والذي يعتبر من أكراد دمشق.
أتى في أجندة مؤتمر الحوار الوطني في دمشق، التركيز على فتح مسارات سياسية جديدة وتعزيز الحوار والبحث عن مخرج من الأزمة الراهنة، بينما أتت مبادرة الإنقاذ الوطني لذات الغايات ولكن مع فارق كبير من حيث الانتماءات والمشاريع السياسية، ولكن هذا لا يعني عدم وجود محددات مشتركة فيما يتعلق بالمطالبات المتكررة للاعتراف بالحقوق الثقافية لأكراد سورية.
في النظر إلى مدى الخلافات بين المشروعين/ المبادرتين فإنّ مبادرة الإنقاذ تنطلق من خطاب الانتفاضة السورية (2011) فيما يتعلق بالدعوة لإنهاء حكم النظام السوري وتطبيق القرارات الدولية سيما القرار الأممي 2254 (2015).
مع التأكيد على ضرورة حل القضية الكردية عبر الحوار "السوري-السوري" بين المعارضة السورية في شمال غربي سورية والإدارة الذاتية شمال شرقي سورية في مواجهة النظام السوري وصولاً لإنضاج مشروع وطني في إطار سورية موحدة لا مركزية فيدرالية أو موسعة.
بينما يدعو مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقِد في دمشق وفي مناطق النظام السوري إلى إنجاز مشروع يقوم في المقام الأول على فتح مسارات للحوار بين المعارضة السورية "الوطنية" والنظام السوري، وأخرى للحوار بين الإدارة الذاتية والنظام السوري دون الدعوة لرحيل رأس النظام السوري أو تطبيق القرارات الدولية فيما يتعلق بالعملية الانتقالية، وسط دعوات بالاعتراف الثقافي بالحقوق الثقافية لأكراد سورية.
تعكس هذه المشاريع الاختلافات الكبيرة في الشارع الكردي في سورية حول النظام في صورة يُعتقد أنّها مشابهة لحد كبير بل وجزء من مشهد كامل في سورية. لذلك، يُمكن القول إنّ الانطلاق من نظرية واحدة صلبة خشبية للحكم على المشروع الكردي في سورية -على أنّه موالٍ للنظام أو معارضٌ له- لا يعبر ولا يعكس الواقع الحقيقي، فما زال هناك انقسامات حادة على مستوى الموقف السياسي من النظام السوري كحال الشارع السوري بالمجمل.
كذلك، لا يمكن إغفال الإجماع شِبه الكامل حول ضرورة الاعتراف بالمكون الكردي كمكون أصيل من الهوية السورية عَبْر الاعتراف بالحقوق الدستورية والقانونية لهم.
ولكن في النظر إلى القوى المحلية السورية المتنافسة مع الإدارة الذاتية سواء النظام السوري أو المعارضة السورية، يُرى أن نظام دمشق غير جادّ في مسألة الاعتراف لاعتبارات مختلفة ولكن أبرزها هوية الدولة وعلاقة سلطته السيادية/ السياسية بالعروبة التي تعتبر علاقة عضوية لا يمكن تجاوزها، بالرغم الإجراءات التجميلية/ الشكلية الطفيفة بعدما منح بعض الأحزاب الكردية ترخيصاً بموجب قانون الأحزاب (2011).
بينما خيارات المعارضة السورية التي لم تقم بعد ببلورة مشروعها السياسي يُعتقد أنّها أكبر في فتح مسارات للحوار وبناء المشروع السياسي المشترك، ولا سيما في ظل تمثيل المجلس الوطني الكردي ضمن وفود المعارضة في جنيف ما يعني وجود أرضية ممكنة وقابلة للتطوير والبناء عليها.
وبكل تأكيد هذا لا يلغي التحديات الكبيرة بين الإدارة الذاتية والمعارضة فيما يتعلق بحركة العمال الكردستاني التي تسيطر على مناطق ذات غالبية عربية كما المعارضة السورية التي تسيطر على مناطق تعتبر ذات غالبية كردية.
بالعموم لا يمكن التقليل من أهمية هذه المبادرات والمساعي والأهداف المختلفة، ولكن يُمكن القول إنّ إمكانية إيجاد أيّ صيغة حل تقاربية بين شتى التيارات الكردية في سورية وخاصةً الإدارة الذاتية مع المعارضة السورية مرتبطة بشكل أساسي بمدى التقارب بين الفاعلين الدوليين على الأخص تركيا والولايات المتحدة.
في المقابل تبقى فرص النظام السوري في هذا الإطار صعبة نوعاً ما، بالرغم من المساعي الروسية المتكررة لإيجاد صيغة حوار بين الإدارة الذاتية والنظام التي كان آخِرها مؤتمر الحوار الوطني في دمشق.