المصدر: الإندبندنت
ترجمة: عبدالحميد فحّام
بقلم: فريق التحرير
هل يمكن استعادة الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 بين إيران والقوى العالمية؟ يبدو أن الإجابة هي (لا) مع اجتماع إيران والقوى العالمية الست في "فيينا" يوم الإثنين لمناقشة المعاهدة المُمزَّقة.
فمنذ انسحاب الرئيس دونالد ترامب في ذلك الوقت من الاتفاقية في عام 2018، سارعت إيران إلى المُضِيّ في برنامجها النووي، مما يجعل من المستحيل تقريباً إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
وقد أدى انتخاب زعيم متشدد في إيران، إلى جانب إدارة أمريكية يُنظر إليها على أنها ضعيفة في المنطقة، إلى إضعاف آفاق تحقيق انفراجة. وتبدو التوقعات قاتمةً للغاية لدرجة أن الأصوات البارزة في إسرائيل، التي دفعت ترامب للانسحاب من الصفقة، تقول الآن: إن الخطوة كانت خطأً فادحاً.
كان وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه يعالون، الذي عارض بشدة الصفقة الأصلية، أحد الأصوات الإسرائيلية النادرة التي جادلت ضد الانسحاب في ذلك الوقت. ويقول الآن: إن انسحاب الولايات المتحدة تبين أنه "الخطأ الرئيسي" في المنطقة في العَقْد الماضي.
وقال في مؤتمر أمني الأسبوع الماضي: إن الصفقة المَعِيبة "ربما كانت أفضل من عدم الحصول على الاتفاق والسماح للإيرانيين باستخدام الانسحاب كذريعة للمضيّ قُدُماً في المشروع".
وقال: "إنهم الآن في أقرب مرحلة حيث قد أصبحوا دولةَ عَتَبَةٍ (نووية)". وفيما يلي نقوم بإلقاء نظرة فاحصة على الصفقة وما يمكن توقُّعه هذا الأسبوع:
لماذا انهارت الصفقة الأصلية؟
هدفت اتفاقية عام 2015 بين إيران والقوى العالمية -بقيادة الرئيس باراك أوباما- إلى منع إيران من امتلاك القدرة على صنع قنبلة نووية.
وعُرِض على إيران تخفيف العقوبات الاقتصادية المُشدّدة مُقابل قيود تتراوح بين 10 و 15 عاماً على أنشطتها النووية. وتقول إيران: إن برنامجها النووي مُخصّص للأغراض السلمية فقط.
وقد هاجم النُقّاد، بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، الصفقة؛ لأن القيود المفروضة على إيران كانت مؤقتة. كما اشتكوا من أنها لا تتطرق إلى النشاط العسكري الإيراني غير النووي- مثل دعمها للجماعات المسلحة المعادية وتطوير صواريخ بعيدة المدى.
وعندما انسحب ترامب، بإلحاح قوي من نتنياهو، وعد بشن حملة "الضغط الأقصى" على إيران ولكن مع ذلك يبدو أن هذا النهج قد أدى إلى نتائج عكسية. فعلى الرغم من العقوبات الأمريكية المتزايدة، إلا أنه لا تزال الحكومة الإيرانية التي تمسك بالسلطة تتمتع بقوة جيدة، وقد سارعت للمضيّ قُدُماً في البحوث النووية المحظورة بموجب الاتفاق الأصلي.
ألا يمكن إعادة الصفقة؟
بدأت إيران في تجاوُز حدود الاتفاقية بعد انسحاب الولايات المتحدة، وهي الآن تُخصّب كميات صغيرة من اليورانيوم تصل إلى 60٪ من النقاوة، وهي خطوة قصيرة من مستويات مطلوبة لصناعة الأسلحة البالغة 90%. كما تقوم إيران بتدوير أجهزة طرد مركزي متطورة كانت محظورة بموجب الاتفاق، ويتجاوز مخزونها من اليورانيوم الآن حدود الاتفاقية.
يقول الخبراء: إنه حتى لو أُجبرت إيران على التخلّي عن مخزونها من اليورانيوم أو وقف أبحاثها، فلا يمكن نزع الخبرة التي اكتسبتها.
ما التوقُّعات بالنسبة لمحادثات هذا الأسبوع؟
على المدى القصير، لا يبدو الأمر مشجعاً. فمع اقتراب المحادثات، قام الرئيس الإيراني المُتشدِّد، إبراهيم رئيسي، بتقديم مَطالِب مُتطرِّفة، من ضِمنها دعوات للولايات المتحدة لإلغاء تجميد أصول بقيمة 10 مليارات دولار كبادرة حسن نية أولية.
وقد يكون الخطاب المتشدِّد بمثابة مناورة أوّلية حيث لا يزال المفاوضون الأوروبيون واثقين من التوصّل إلى اتفاق على المدى القصير إلى المتوسط.
لكن المسؤولين الأمريكيين لا يبدون متفائلين فقد عقد الرئيس جو بايدن وكبار مستشاريه سلسلة من الاجتماعات في الأسابيع الأخيرة مع حلفاء رئيسيين وشركاء مفاوضين للتحضير لفشل محتمل في المحادثات.
وبسبب انسحاب ترامب، فلن يكون الأمريكيون حتى في غرفة المفاوضات. وبدلاً من ذلك، سيكونون في مكان قريب ويعملون من خلال وسطاء.
وفي مُقابَلة أُذيعت يوم الجمعة، قال كبير المفاوضين الأمريكيين روب مالي: إن الإشارات الواردة من إيران "ليست مُشجِّعة".
وفي حديثه إلى شبكة "إن بي آر" (NPR)، قال: إن الولايات المتحدة تُفضِّل الحلّ الدبلوماسي. ولكن إذا كان ذلك مستحيلاً، قال: إن الولايات المتحدة سَتَرُدّ وَفْقاً لذلك. وأضاف: "الخيارات الموجودة تحت تصرُّف أمريكا، كما تعلمون، مألوفة للجميع".
وبالنظر إلى الرد الأمريكي الفاتر على النشاط العسكري الإيراني المزعوم في المنطقة، بما في ذلك الهجمات على السفن المدنية في الخليج العربي وضرب قاعدة أمريكية في سورية، فلا يبدو أن العمل العسكري الأمريكي يمثل تهديداً خطيراً. فقد أدى الانسحاب الفاشل للولايات المتحدة من أفغانستان إلى مزيد من تآكُل المِصْداقيَّة الأمريكية في المنطقة.
وقال يوئيل جوزانسكي، المسؤول السابق في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي والذي يعمل الآن في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: "إنني متشائم للغاية". إيران تُظهر صبراً ومرونةً وتصميماً، ويؤسفني أن أقول: إن الأمريكيين لا يُظهرون ذلك، وليس لدينا الكثير من الوقت". ماذا تستطيع إسرائيل أن تفعل؟
إن إسرائيل ليست طرفاً في المحادثات، لكن لها مصلحة كبيرة في النتيجة فهي تعتبر إيران عَدُوَّها الأول، وتعتبر إيرانَ المسلحةَ نَووِيّاً تهديداً وُجودياً لها. ويُعتقد أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المُسلَّحة نَووِيّاً في المنطقة، رغم أنها لا تعترف عَلَناً بترسانتها الخاصة.
ولقد حرص خليفة نتنياهو، نفتالي بينيت، على عدم التصادُم مع بايدن في العلن، ولكن مواقفه مشابهة لمواقف نتنياهو، وقد أعرب عن أمله في ظهور اتفاق مُحسّن من المحادثات لكنه كرر تهديد إسرائيل الطويل الأمد باتخاذ إجراء أحاديّ الجانب إذا لزم الأمر.
وقال الأسبوع الماضي: "سنحافظ على حريتنا في التصرف". وأضاف: "إن إسرائيل منزعجة للغاية" مما يراه استعداداً من قِبل القوى العالمية لرفع العقوبات وإعادة "القيود غير الكافية في المجال النووي" وقال: إن إسرائيل تنقل هذه الرسالة إلى جميع الأطراف المعنية.
وعلى الرغم من هذه التهديدات، إلا أن اسرائيل قد تتردد، فلقد أمضت إيران العَقْد الماضي في نَشر مواقعها النووية وإخفائها في أعماق الأرض. وبالإضافة إلى ذلك، قد تكون إسرائيل مترددة في تخريب الجهود الدبلوماسية العالمية. هل إيران تُبالغ في العبث باستقرار المنطقة؟
قد ينفد صبر الصين وروسيا، وهما منفذان إيرانيان مهمان للتجارة وطرفان في الاتفاق، مع طهران، خاصة إذا انهار نظام التفتيش النووي الدولي المهتزّ الآن. ويستمر الضغط الاقتصادي في الضغط على الإيرانيين، الذين شهدوا مدخراتهم تتبخَّر مع السقوط الحر لعملة البلاد.
إذا استمرت المحادثات، فقد تلجأ الولايات المتحدة إلى عقوبات جديدة أو حتى عمل عسكري. كما أن هناك أيضاً خطر التدخل العسكري من قِبل إسرائيل.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس الأسبوع الماضي: "سنرى في الأيام المقبلة ما هو بالضبط" نهج إيران. "لكننا أوضحنا أيضاً أن هذه ليست عملية يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية".