المصدر: ذا أتلانتيك كانسل
ترجمة: عبدالحميد فحام
بقلم: جواد حيران نيا (هو مدير مجموعة دراسات الخليج العربي في مركز البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط في إيران)
يرى الخبراء الإيرانيون في طهران نهج إدارة جو بايدن تجاه إيران وخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في سياق السياسة الخارجية الشاملة لحكومته ورغبتها في تخليص نفسها من الصراعات العسكرية في الخليج العربي.
إن النهج الحالي للولايات المتحدة يذكرنا بـ "متلازمة فيتنام" التي أثرت على الإدارات الأمريكية بعد الانسحاب الأمريكي من فيتنام في عام 1975 ويمكن القول إنها رد فعل على عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. و يبدو أن الولايات المتحدة مستعدة الآن لاستئناف نهج أكثر "تواضعًا" بعد النتائج السيئة لتدخلاتها بعد 11 سبتمبر في أفغانستان والعراق. كما أثر صعود الصين وتهديدات أخرى مثل روسيا على هذا التحوّل.
و يعتقد الدكتور محمود سرغلام، الأستاذ الإيراني المعروف في العلاقات الدولية بجامعة شهيد بهشتي، أن إجماعًا أمريكيًا جديدًا قد ظهر بشأن الصين وروسيا، متحوّلًا من سياسة "المنافسة" إلى سياسة "المواجهة المحسوبة". وبالتالي، ينبغي النظر إلى سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران في سياق "المحور الذي يتوجه نحو آسيا" لإدارة بايدن.
ومع ذلك، لا يزال الشرق الأوسط مهمًا بسبب موقعه الجغرافي الاستراتيجي عند مفترق طرق أوروبا وآسيا. و يعتمد الحلفاء العرب للولايات المتحدة والآن إسرائيل أيضًا – بسبب اتفاقيات أبراهام 2020 – على الولايات المتحدة بما يخص قضايا الأمن. والدول الفاشلة مثل سورية واليمن هي أرض خصبة محتملة للإرهابيين الذين يمكنهم مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على النفط من دول الخليج العربي، فإن أي اضطراب طويل الأجل هناك يمكن أن يؤدي إلى تآكل الاقتصاد العالمي. فهناك أيضًا مخاوف من أن التقدم النووي الإيراني قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي إقليمي.
ومع ذلك، فإن الشك وعدم اليقين بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط ربما يكون أفضل استراتيجية لتحقيق الاستقرار. فعلى أقل تقدير، أجبرت هذه الشكوك أكبر المنافسين في المنطقة على التحرك. و قد تسارعت وتيرة التحسن الأخير في العلاقات الإيرانية السعودية بفعل التصور الناشئ عن تراجع التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة.
و لتجنب العواقب المدمرة لتواجد أمريكي أقل في المنطقة، مثل صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بعد الانسحاب الأمريكي من العراق في عام 2011، تحتاج واشنطن إلى تشجيع الدبلوماسية الإقليمية، لا سيما بين إيران والسعودية.
و يمكن للمحادثات الأمنية الشاملة في الخليج العربي أن تساعد أيضًا في إبعاد العبء الأمني عن واشنطن. ويجب أن تستمر الولايات المتحدة في لعب دور داعم لتحقيق النجاح من خلال هذه الجهود.
في شهر أيار/ مايو 2020، دعا جيك سوليفان ودانييل بينيم إلى التركيز على الحوار بين الأقاليم قبل انتخاب بايدن. و بعد أن أصبح الآن مستشار الأمن القومي، أعطى سوليفان الأولوية لسياسة احتواء الصين. و قد أكد وزير الخارجية أنطوني بلينكين والممثل الأمريكي الخاص لإيران روب مالي على التعددية ويتطلع إلى الإحياء السريع لخطة العمل الشاملة المشتركة كوسيلة لتعزيز شعار بايدن بأن "الولايات المتحدة ستعود". فالاتفاق الذي يمكن الدفاع عنه من انتقادات الجمهوريين من شأنه أن يخفف من مخاوف الولايات المتحدة بشأن برنامج إيران النووي للعقد القادم ويسمح للولايات المتحدة بالتركيز على الصين.
و قد أعربت الولايات المتحدة عن رغبتها في خطة العمل الشاملة المشتركة "الأطول والأقوى" لكنها تقر بأن العودة إلى الامتثال للاتفاق الأصلي هي خطوة أولى مطلوبة. و يطلب معظم حلفاء الولايات المتحدة في الخليج الفارسي من الولايات المتحدة الاستمرار في احتواء ومواجهة إيران. فلطهران رؤية مختلفة للمنطقة لا مكان فيها للولايات المتحدة.
ومع ذلك، تريد إدارة بايدن من حلفائها الإقليميين التوقف عن معارضة الاتفاق النووي من خلال التفاعل مع إيران حتى لا تضطر الولايات المتحدة إلى دفع ثمن انخراط إيران في التزامات جديدة. وتستفيد الولايات المتحدة بشكل كبير من الدبلوماسية الحالية بين الرياض وطهران إذا أدت إلى انخفاض كبير في التوترات.
كما يعتقد سيد حسين موسويان، العضو السابق في فريق التفاوض النووي الإيراني، أن إيران تريد تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية مهما كان مصير خطة العمل الشاملة المشتركة، بينما تنتظر الرياض لترى ما إذا كان سيتم استعادة الاتفاق. و بالنسبة لطهران، فإن إعادة العلاقات الدبلوماسية وتحسين العلاقات الثنائية مع المملكة العربية السعودية أولوية، في حين أن الرياض مهتمة أكثر بالاتفاق النووي واليمن المجاور.
لقد أدرك حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بكل تأكيد، بما في ذلك السعودية، أن بايدن غير قادر على إضافة حوار إقليمي إلى المحادثات النووية، وهشاشة المناقشات تعني عدم وجود نطاق ترددي لمناقشة دور إيران في المنطقة. لهذا السبب بدأ الحلفاء العرب للولايات المتحدة الحوار مع إيران قبل رؤية أي تقدم في استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة.
و يؤدي الحد من التوترات بين إيران والمملكة العربية السعودية إلى زيادة احتمالية نجاح خطة العمل الشاملة المشتركة (إذا كان من الممكن إحياؤها) لأن معارضة وضغوط حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة كانا أحد أسباب فشل الصفقة الأصلية.