نداء بوست – ترجمات – إم إي إن آي أفيرز
كان التوسع الثقافي الإيراني في عهد بشار الأسد أكبر بعشر مرات مما كان عليه في عهد والده، نابعاً من ضعف شخصية بشار وسياساته مقارنة بوالده.
لقد شهدت سورية العديد من التدخلات الخارجية في السنوات الأخيرة حيث إن مدى التدخل يختلف من دولة إلى أخرى، وذلك بحسب المصالح الدولية والسياسية التي ينطوي عليها ذلك التدخل.
ففي بداية "الصراع السوري"، اقتصرت تدخلات بعض الدول على المجالين العسكري والأمني، بينما تجاوزت تدخلات الدول الأخرى المجال العسكري والأمني وامتدت إلى المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية، بل وتدخلت في المجال الأمني وحتى أنها تدخلت في هيكلة المجتمع السوري، مثل تدخل إيران في سورية.
ولم يكن هذا التكتيك من قِبل إيران مجموعة جديدة من الأدوات التي تم إنشاؤها خصيصاً لسورية، حيث تم استخدام تلك المجموعات من أدوات القوة الناعمة أو تكتيكاتها من قبل إيران في بلدان أخرى مثل العراق ولبنان.
ومع ذلك، فإنه حتى قبل "الصراع السوري"، تمكنت إيران من التأثير على المجتمع السوري باستخدام أدوات قوتها الناعمة. ففي الماضي، كان التدخل الإيراني في سورية في عهد حافظ الأسد محدوداً نوعاً ما من خلال الأنشطة الثقافية البسيطة مثل النوادي الخيرية وإدخال المناهج الشيعية في بعض مدارس الشريعة في دمشق، ولكن التوسع الثقافي في عهد بشار الأسد كان أكبر بعشر مرات من التوسع الثقافي الإيراني في عهد والده وذلك لضعف شخصية بشار الأسد وسياسته مقارنة بوالده.
كيف بدأت إيران في استخدام أدوات القوة الناعمة في سورية وكيف قاموا بتطويرها؟
لقد عملت إيران على تنفيذ إستراتيجية الجهات المحلية التي استخدمها قاسم سليماني في سورية وحتى في مختلف الدول العربية، حيث كان إنشاء ميليشيات محلية لخدمة إيران والمصالح الإيرانية أقل تكلفة وخسارة، وكان من الصعب استهدافها من قِبل جهات فاعلة أخرى؛ لأن بعضهم كان متخفياً، ولم يتم الكشف لا عن اعتمادهم على إيران ولا عن استخدام إيران لتلك الميليشيات.
إن نشر العقائد والأفكار والأهداف الإيرانية أصبح يُمارس على الملأ. فقد عملت إيران على إنشاء هذه الميليشيات في جميع المحافظات السورية التي يمكن أن تسيطر عليها.
ومن الأسباب التي ساعدت إيران في جهودها الوضع الاقتصادي السيئ والبطالة المرتفعة ونقص فرص العمل في المناطق المدمرة بشكل شِبه كامل.
ومن الأساليب التي استخدمتها إيران الجمعياتُ الخيرية التي انتشرت في هذه المناطق والتي من خلالها تمكنت إيران من التأثير وجذب المجتمع في هذه المناطق، وكذلك الحسينيات والحوزات التي تم إنشاؤها في فترة زمنية قصيرة جداً.
حيث إن اللطف الذي استخدمته إيران في دير الزور فيما يتعلق بالتقدم العسكري والأمني الإيراني كان واضحاً في كِلا القطاعين التربوي والديني، حيث استخدمت إيران أذرعها المحلية لتنفيذ العديد من المشاريع في القطاعات التربوية والدينية، منها:
تم افتتاح المدرسة الشيعية الأولى في سورية رسمياً عام 2014 بمرسوم رئاسي. وكانت المدرسة تقع في مدينة "جبلة" وسميت "مدرسة الشريعة الجعفرية الكبرى"، وتم تسهيل شروط القبول لهذه المدرسة.
وفي المقابل، سبقت هذه المدرسة 40 مدرسة شيعية ولكن ليس بشكل رسمي. فبعد عام 2015، اعترف النظام رسمياً بعشر مدارس ثانوية شيعية في دمشق ودير الزور واللاذقية وحلب وتم تعيين عبد الله الظاهر مشرفاً عليها.
كما فتحت إيران فروعاً لجامعات تابعة لها مثل جامعة المصطفى وجامعة الفارابي، وقال عميد جامعة حماة محمد زياد سلطان، في 2018 بعد زيارته لإيران، إنه تم التوصل إلى اتفاق مع ثلاث جامعات إيرانية، وهي جامعة الفردوس، وجامعة الأمير الأعظم، وجامعة الزهراء للبنات، ونتيجة لذلك، افتتحت آزاد الإسلامية وجامعة التعاليم الإسلامية.
وقد افتتحت إيران فروعاً لتعليم اللغة الفارسية في دمشق وتشرين وجامعة الفرات، وأنشأ الحرس الثوري أول مركز ثقافي إيراني في دير الزور عام 2018 لنشر وترسيخ الفكر والأيديولوجية الإيرانية.
وقد أقامت إيران العديد من المعاهد الدينية التي تهدف إلى نشر المعرفة وجمع الطلاب الراغبين في التعلم، ولكن مهمتها الأساسية هي نشر الفكر الشيعي ونشر أيديولوجية الانتماء والمشاركة في تكوين ميليشيات محلية لاستخدامها في تحقيق أهداف السياسة الإيرانية.
وقد أحيت إيران مراسم زيارة الأضرحة الشيعية، خاصة في دمشق، بالرغم من الخلافات على تواجُد مرقد السيدة زينب حيث يدعي بعض علماء الشيعة أنها دُفنت في المدينة المنورة، بينما يدعي الجزء الآخر أنها دفنت في دمشق، وكذلك مرقد السيدة رقية التي يعتقدون أن ضريحها يقع بجوار الجامع الأموي في دمشق.
بدأت إيران ببناء الحسينيات في كل محافظة من المحافظات التي تسيطر عليها، مثل دير الزور وحمص وأطراف دمشق وأطراف إدلب وحتى على الساحل السوري. وتشير التقديرات إلى أن عدد الحسينيات في سورية وصل إلى ما يقرب من 500، بما في ذلك مدرسة أكاديمية واحدة، بدعم من رجال الدين الشيعة وأصحاب الأموال في الخليج العربي.
لن يكون القضاء على أدوات القوة الناعمة الإيرانية أولوية دولية
على صعيد التعامل مع القضاء على أدوات القوة الناعمة الإيرانية في سورية، فلم يكن هناك اهتمام دولي أو إقليمي حتى قبل عام 2011، رغم أن تهديداتها كانت واضحة في دول أخرى مثل العراق ولبنان. فنفوذ إيران العسكري ووجودها مؤقت وقد لا يبقى في سورية لفترة طويلة، لكن آثار أدواتها وقوتها الناعمة قد تبقى لفترة زمنية غير معروفة.
وتشكل أدوات القوة الناعمة لإيران ونفوذها في العراق وسورية ولبنان الخطر الأكبر على دول الخليج لأن غالبيتها من السُّنة، ويرجع ذلك أساساً إلى ضم سورية إلى جانب لبنان والعراق في المحور الشيعي، الذي كانت إيران تسعى إلى تنفيذه لفترة طويلة.
وبسبب القوة الناعمة الإيرانية، فإن تطبيق التوازن القديم المعروف بين الطائفتين السُّنية والشيعية في المنطقة سيتأثر سلباً خلال فترة وجيزة، وسيتكرر السيناريو العراقي في سورية.
لم تُظهر إسرائيل والمجتمع الدولي اهتماماً كبيراً بالقوة الإيرانية الناعمة، بل إن هدفهم الرئيسي يتركز على عدم السماح لإيران بإنشاء كيان مماثل لحزب الله على حدود إسرائيل مع سورية.
وبشكل عامّ، لم تدرك دول الجوار بعد حجم الخطر الذي تشكله القوة الناعمة الإيرانية وما يخبئها لها في المستقبل القريب. كما لم تتخذ أي دولة من دول المنطقة، أو غيرها، أي إجراء لمنع الأنشطة الإيرانية ضد الشعب السوري من التغيير ديموغرافياً وأيديولوجياً. وقد يتسبب هذا التغيير في خلل كبير في التركيبة السكانية في المنطقة، وحتى على المستوى الإقليمي. كما أنه قد يتسبب في اختلاف كبير في التوازن الطائفي في المنطقة.
أما على الصعيد الدولي، فالجانب العسكري هو الأهم والأخطر بالنسبة لهم. لهذا السبب كانت هناك هجمات عسكرية دولية على القواعد العسكرية الإيرانية والميليشيات المرتبطة بها.