ترجمة – قسم الترجمة في "نداء بوست" – عبدالحميد فحام
ليست هذه هي المرة الأولى في الذاكرة الحديثة التي تريد إسرائيل فيها أن يعرف العالم أنها مستعدّة وراغبة في ضرب إيران عسكرياً، حتى لو كانت وحدها إذا تطلّب الأمر.
في الأسابيع الأخيرة، تحدّث وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس مرتين عن استعداد إسرائيل لضرب إيران عسكرياً لمنعها من التقدّم في برنامجها النووي. وقال في إيجاز لسفراء ومبعوثين أجانب: "لا أستبعد إمكانية أن تتّخذ إسرائيل إجراءات في المستقبل لمنع إيران من أن تكون دولة نوويّة". وكما لو أنه يضيف بنبرة المزاج التحذيري، زعم رئيس الأركان العامّة لجيش الدفاع الإسرائيلي أفيف كوخافي أن "التقدّم في البرنامج النووي الإيراني دفع الجيش الإسرائيلي إلى تسريع خططه العملياتية" لشنّ هجوم على إيران، وأن "ميزانية الدفاع التي تمّت الموافقة عليها مؤخراً تهدف إلى التعامل مع هذا". وقد تفاخر بأن فريقاً مُخَصّصاً قد تمّ تجميعه لتعزيز الاستعداد لضربة على المنشآت النووية الإيرانية إذا أمرت القيادة السياسية الإسرائيلية بمثل هذه الضربة. ومن جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت: إنّ بلاده مُستعدّة "للعمل بمفردها" ضد إيران إذا شعرت بالحاجة إلى القيام بذلك. وقد صرّح بذلك بعد هجوم على ناقلة تديرها إسرائيل قبالة سواحل عُمان، حمّلت تل أبيب وحلفاؤها في تلك الحادثة إيران المسؤولية عن ذلك الهجوم.
من المؤكد أن إسرائيل نفّذت في الماضي عمليات محدودة نسبياً ضد إيران، مثل الغارات على حلفاء إيران في سورية والتخريب النووي، وقد تستمر في القيام بذلك في المستقبل. ولكن إلى أي مدى ينبغي أن نعتقد أنّ تل أبيب مستعدّة حقاً وراغبة في توجيه ضربة إلى إيران بسبب التقدّم في البرنامج النووي الإيراني، مع العلم جيداً أن هذا من المُرجّح أن يدفع بالبلدين وحلفائهما إلى الحرب؟ وتشير القيود السياسية والعسكرية على صانعي القرار الإسرائيليين إلى أن مثل هذه المواجهة العسكرية غير مُرجّحة إلى حدٍّ كبير.
إنّ الحديث عن ضربة وشيكة وغير مَخفية للجيش الإسرائيلي في عمق الأراضي الإيرانية يعني التغاضي عن قاعدة راسخة منذ عقود تحكم العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل: لا يمكن لإسرائيل ببساطة تجاهل رغبات ومخاوف راعيها الرئيسي، خاصة عندما تكون السياسة الخارجية الأمريكية ذات الأولويات الأساسية على المحكّ.
تم التعبير عن هذا المعيار بعبارات واضحة من قِبَل شخصية لا تقلّ عن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ووزير الدفاع إيهود باراك في سيرته الذاتية "بلادي، حياتي". وفيها أوضح باراك النموذج الذي شُكّلُ، ومن المُرجّح أن يستمر في تشكيل ملامح العمل الإسرائيلي ضد إيران. وأوضح: "كانت هناك طريقتان فقط"، حيث يمكن لإسرائيل منع الإيرانيين من الحصول على سلاح نووي، لأن باراك يتجاهل عن عمد تقييمات الاستخبارات الأمريكية بأن إيران قد أوقفت مساعيها للحصول على أسلحة نووية في عام 2003.
إحدى الطرق كانت "أن يتصرّف الأمريكيون" حيال ذلك، وكان الخيار الآخر الوحيد هو "ألا تُعيق الولايات المتحدة إسرائيل بالقيام بذلك."
ولكن وفقاً لباراك، فإن "العرقلة" هو بالضبط ما فعلته الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ولا يزال من المرجح أن تفعله.
حتى أثناء التدخل العسكري أثناء رئاسة جورج دبليو بوش، لم يكن لدى إسرائيل شيك على بياض لتفعل ما يحلو لها. كما يشير باراك في مذكراته، عندما عَلِمَ بوش في عام 2008 بالجهود الإسرائيلية لشراء ذخائر ثقيلة من الولايات المتحدة، واجه باراك ورئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت. وحذّر بوش: "أريد أن أقول لكما الآن، كرئيس، إننا نعارض تماماً أي إجراء تتخذانه لشن هجوم على المحطّات النووية الإيرانية".
وأوضح بوش: "أكرّر من أجل تَجنُّب أي سوء تفاهم. نَتَوقَّع منكما ألا تفعلا ذلك. ولن نفعل ذلك أيضاً ما دمت رئيساً. أتمنى أن يكون ذلك واضحاً". وتجدر الإشارة إلى أن بوش، بحسب باراك، أصدر هذا التحذير رغم علمه أن إسرائيل لم تكن تمتلك حتى القدرة العسكرية على مهاجمة إيران في ذلك الوقت.
ووفقاً لباراك، فإن هذه المعارضة الشديدة لتنفيذ ضربة على إيران كان لها تأثير "دراماتيكي" فيه وفي أولمرت منذ أن دعمت إدارة بوش قصف إسرائيل عام 2007 لبرنامج سورية النووي الناشئ قبل عام واحد فقط. في كلتا الحالتين، كان من الواضح أن موافقة واشنطن، أو عدم الموافقة عليها، كانت عبارة عن تَبَعيّة.
وتُظهِر مُذكّرات باراك أن نفس الديناميكية استمرّت في التحكم في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل خلال رئاسة أوباما، حيث يتذكر باراك كيف أن وزير دفاع الولايات المتحدة آنذاك ليون بانيتا "لم يُخفِ حقيقة أنه لا يريد منّا توجيه ضربة عسكرية"، في وقت كانت إدارة أوباما تركّز على ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي الدولي على إيران.
وكتب باراك "حثّني بانيتا على التفكير مرّتين وحتى ثلاث مرات قبل السير في ذلك الطريق"، ورأى أنه من المسلَّم به أن تل أبيب ستُبقي واشنطن على اطّلاع بقراراتها "إذا قررت مهاجمة المنشآت الإيرانية، لكن في أي وقت سنعرف؟" يُزعم أنه سأل باراك.
ووفقاً لرواية باراك، فقد تم ثني إسرائيل عن المضي قدماً في توجيه ضربة مفترضة لمنشآت إيران النووية في صيف 2012 "بسبب الضرر الذي ستلحقه بعلاقاتنا مع الولايات المتحدة". واستمرت مطالب واشنطن لثني تل أبيب بعد الانتهاء من الاتفاق النووي في عام 2015. وحتى في ذلك الوقت، يتذكر باراك، لم يكن بإمكان الإسرائيليين ببساطة العمل ضد إيران دون الضوء الأخضر من إدارة أوباما "كنا بحاجة إلى التوصّل إلى اتفاق مع الأمريكيين حول ما نوع الضربة العسكرية التي قد نضطر، أو هُم يضطرون، إلى القيام بها إذا تحرك الإيرانيون مرة أخرى للحصول على أسلحة نووية ".
وكما يتضح من السيرة الذاتية لباراك، فإن رؤساء الولايات المتحدة ليسوا صغاراً في التعبير عن آرائهم ورغباتهم للمسؤولين الإسرائيليين، خاصةً عندما يتعلّق الأمر بأهداف السياسة الخارجية الأمريكية الأساسية. ولا يمكن لتل أبيب أن تتجاهل مطالب واشنطن الصريحة ومخاوفها بشأن مثل هذه الأمور. واليوم، فإن أي انتهاك إسرائيلي صارخ للسيادة الإيرانية سيتعارض على الفور مع هدفين يعزز كل منهما الآخر والذي جاء لتحديد السياسة الخارجية لإدارة بايدن: كبح البرنامج النووي الإيراني من خلال وسائل غير عسكرية (تركز الجهود حالياً على إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015)، وإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط.
هذه الحقائق السياسية تجعل من غير المرجح أن تقوم إسرائيل بشن هجوم علني على إيران، لكن القيود العسكرية التي تواجهها إسرائيل لا تقل أهمية.
لا شك أن إسرائيل قادرة على توجيه ضربات سريعة ومدمّرة للقوات المسلحة الإيرانية، جوّاً وبحراً، حتى بدون رؤوسها النووية الجاهزة للإطلاق. يمكن لأسطولها من الطائرات المقاتلة والقاذفات الأمريكية وحده أن يهزم الدفاعات الجوية الإيرانية وقواتها الجوّية المتداعية بشكل لا يمكن إصلاحه. حتى أنظمة الصواريخ والطائرات بدون طيار التي تتمتع بقوة متزايدة ودقة وبعيدة المدى لا تغيّر بشكل جذري ميزان القوى في الجو. باختصار، فيما يتعلق بالمعدات العسكرية، فإن تفوّق الجيش الإسرائيلي على القوّات المسلّحة الإيرانية لا جدال فيه، ناهيك عن العالم الآخر.
لكن هذا التفوّق الهائل سيصبح أقل أهمية بكثير في حالة اندلاع حرب شاملة تجذب القوات البرية للجيش الإسرائيلي إلى ساحة المعركة. وهنا يبرز السؤال التالي: لماذا التفوّق سيصبح عديم الأهمية في حال وجود قتال برّي؟
للإجابة، يجب النظر إلى الهزيمة المحرجة للجيش الإسرائيلي خلال حرب عام 2006 مع حزب الله، فمنذ ذلك الحين أصبح كبار الضباط العسكريين في إسرائيل مدركين تماماً أن القوات البرية في البلاد ليست مستعدة لخوض حرب شاملة مع قوة قتالية قادرة حتى بشكل معتدل على الحشد.
كما يتضح من تحقيق إسرائيل القاسي في حرب عام 2006، الإضافة إلى تقارير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والجيش الأمريكي، أظهرت الحرب التي استمرت 33 يوماً مع حزب الله أن القوات البرية للجيش الإسرائيلي كانت غير مستعدة للقتال ولخوض حرب حقيقية مع عدو هائل.
المصدر: فورين بوليسي