نداء بوست – ترجمات – جيروزاليم بوست
بدأت أطراف الاتفاق النووي العالمي مع إيران -بما في ذلك إيران نفسها- جولة جديدة من المناقشات السابعة منذ نيسان/ إبريل 2021، عندما بدأ الرئيس الأمريكي المنتخب حديثاً جو بايدن اجتماعات تهدف إلى إعادة دخول أمريكا في اتفاق مُحدّث. إن المحادثات -هذا إذا كان بإمكاننا تسميتها كذلك لأنها عبارة عن اجتماع لا تتحدث خلاله الولايات المتحدة وإيران وجهاً لوجه ولكن فقط من خلال وسطاء- استُؤنفت في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر في فيينا.
في عام 2015، وفي محاولة لتقييد برنامج إيران النووي، توصل الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى جانب ألمانيا إلى اتفاقية مع إيران تُعرف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).
لا شك في أن جميع المنخرطين في تلك الاتفاقية -بمن فيهم الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما- كانت لديهم نوايا حسنة. فلقد كانوا مقتنعين أنه من خلال هذه الصفقة، التي تضمنت دفعة مالية كبيرة لإيران، قاموا بتعليق طموحات النظام النووية لمدة 15 عاماً على الأقل، مما يجعل العالم مكاناً أكثر أماناً، وكانوا يعتقدون أيضاً أنهم اتخذوا خطوة مهمة نحو تطبيع العلاقات مع إيران -وهي التي أثبتت أنها دولة مارقة وكانت وراء الأعمال الإرهابية في جميع أنحاء العالم منذ تأسيسها في عام 1979 – وإعادتها إلى مجتمع الدول.
لكن السيد دونالد ترامب -والذي كان على وشك تسلُّم منصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية- اختلف مع ذلك. فكان يعتقد أن الصفقة كانت معيبة ومنحت إيران في الواقع الضوء الأخضر لامتلاك ترسانة نووية في المستقبل القريب نسبياً. وفي شهر أيار/ مايو من عام 2018، قام ترامب بسحب الولايات المتحدة من الصفقة، واعتمد بدلاً من ذلك سياسة الضغط الأقصى، وفرض عقوبات على إيران.
وفي حديثه في 8 كانون الثاني (يناير) 2020، قال: لقد "هتفوا" الموت لأمريكا "يوم توقيع الاتفاقية. ثم انطلقت إيران في فورة إرهابية، بتمويل من الصفقة، وأشعلت نيران الحروب في اليمن وسورية ولبنان وأفغانستان والعراق، كما أن الصواريخ التي أُطلقت الليلة الماضية علينا وعلى حلفائنا تم دفع ثمنها بالأموال التي وفّرتها الإدارة السابقة".
ولقد عارض الكثير من دول العالم، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والأطراف الأخرى في الاتفاق، انسحاب ترامب كما أن بايدن فعل ذلك بالتأكيد، فخلال حملته الرئاسية وعد في حال انتخابه، بالتحرك بسرعة للانضمام إلى الاتفاق النووي، بشرط أن تعود إيران أيضاً إلى الامتثال. في الحقيقة لا يزال هذا هو الموقف الأمريكي من حيث الجوهر، حيث إنها تستأنف جولات المحادثات التي لا نهاية لها على ما يبدو مع نظام أكثر تشدداً بشكل ملحوظ في أعقاب الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة. واستخدم النظام الإيراني الفجوة الحاصلة في السلطة نتيجة الانتخابات منذ شهر حزيران/ يونيو لفرض قيود جديدة على مفتشي الأمم المتحدة التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولذلك فإن الاستنتاج البسيط يشير إلى أن إيران كانت تمضي بخُطًى سريعة في برنامجها النووي في تحدٍّ للاتفاق.
وقد أشارت إيران في عهد رئيسها الجديد إبراهيم رئيسي إلى أنها لا ترغب في استئناف المحادثات من حيث توقفت بالضبط. وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في تشرين الأول/ أكتوبر: "لا نريد الدخول في مفاوضات فيينا من نقطة الجمود الحاصلة في مفاوضات فيينا".
إن موقف إيران المُعلَن بالفعل -والذي لا يبشر بالخير- هو أنه يجب على الولايات المتحدة تعويض إيران عن انسحابها من الصفقة، ورفع جميع العقوبات المفروضة منذ عام 2015 دفعة واحدة، وليس على مراحل، وتقديم تأكيدات بأنه لن تدعم أي إدارة أمريكية مستقبلية الخروج من الصفقة. وبالنظر إلى قائمة المطالب هذه، يبدو من الواضح أن إيران عازمة على تأجيل عملية التفاوض.
وفي 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، سافر رئيس إسرائيل إسحاق هرتسوغ إلى المملكة المتحدة في زيارة رسمية لمدة 3 أيام. وكتب هرتسوغ في بيان قبل رحلته: "من القضايا التي تتطلب الحوار البريطاني الإسرائيلي سباق إيران نحو التسلح النووي والهيمنة الإقليمية، فإيران لا تريد الحوار وإنما تستغل رغبة العالم في التفاوض لكسب الوقت. فلا يمكن لإسرائيل أن تسمح للأصوليين في طهران بامتلاك قنبلة نووية. ونحتاج في الشرق الأوسط إلى حلفائنا، بما في ذلك بريطانيا، من أجل مناقشة عاجلة حول كيفية إيقاف إيران بدلاً من إضاعة الوقت في ألعابها ".
لقد كان قادة العالم لمدة 42 عاماً غير قادرين، أو ربما غير راغبين ، في الاعتراف بما يحفز النظام الإيراني- أي الفلسفة الكامنة وراء ثورته الإسلامية عام 1979.
فقد أكد المرشد الأعلى لإيران، آية الله روح الله الخميني، مراراً وتكراراً أنه مقتنع بأن الهدف من ثورته كان تدمير الديمقراطية على النمط الغربي وفرض الإسلام الشيعي على العالم بأسره وقام بتحديد الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى جانب الاتحاد السوفيتي، كأهداف رئيسية لنظامه.
وقد قال الخميني: "نريد أن نتسبب في ذبول الجذور الفاسدة للصهيونية والرأسمالية والشيوعية في جميع أنحاء العالم". "نرغب في أن نهدم الأنظمة التي تقوم على هذه الأسس الثلاثة". وبهذا كان يقصد تفسيره الشيعي المتشدد للإسلام، لأنه أعلن في أماكن أخرى أن مدينة مكة المكرمة، الواقعة في قلب المملكة العربية السعودية السُّنية، كانت في أيدي "عصابة من الزنادقة".
ومنذ عام 1979، كان بإمكان العالم أن يدرك -إذا كان لديه عقل- أن النظام الإيراني كان منخرطاً في سعي مركَّز لتحقيق هذه الأهداف، بمنأى تماماً عن أي اعتبارات أخرى. وبدلاً من ذلك، سيطر التفكير القائم على التمني على نهج العديد من قادة العالم تجاه إيران، ولا يزال الأمر كذلك.
وقد أعلن الخميني سابقاً: "سنقوم بتصدير ثورتنا إلى العالم أجمع". حيث إن السعي لتحقيق هذا الهدف الأساسي للثورة الإيرانية أدى إلى إشراك الدولة -بالعمل إما بشكل مباشر أو من خلال هيئات مسلحة بالوكالة مثل حزب الله أو الحوثيين- في سلسلة من الأعمال الإرهابية الموجهة ليس فقط ضد أهداف غربية، ولكن ضد المسلمين غير الشيعة أيضاً. فعلى مدى عقود، بذلت إيران أيضاً جهوداً حازمة لتطوير الطاقة النووية، بهدف -لم يتم الاعتراف به علناً- هو إنتاج أسلحة نووية كوسيلة حيوية لتحقيق أهدافها.
ويعرف العالم العربي السُّني أن عدوه الرئيسي هو إيران، وتشهد تصرُّفات إيران على ذلك. وإذا أراد القادة الغربيون الإيمان بالتوافق مع النظام الإيراني، فإن نظرة واضحة على الحقائق تُظهر أن هذا ببساطة غير ممكن. فهذا النظام الإيراني لم -ولن- يكون لديه أي نية أن يصبح واحداً من الدول المتحضرة؛ لأن القيام بذلك سيعني إبطال الأغراض الأساسية للثورة، وهي الأغراض التي يظل آيات الله ملتزمين بها بثَباتٍ.