عواد علي- "نداء بوست"- بغداد
نعى الاتحاد العامّ للأدباء والكتّاب في العراق الشاعر سلمان داود محمد، الذي فارق الحياة أمس الأحد بعد صراع طويل مع المرض.
وذكر الاتحاد في بيان أن "الشاعر سلمان داود محمد تُوفي يوم الأحد بعد معاناة مريرة مع المرض الخبيث، الرحمة لروحه الطاهرة، وخالص العزاء للوسط الثقافي، والتضامن والمواساة لعائلته الكريمة، وللأهل والمحبّين الصبر والسلوان".
وكتب وزير الثقافة الناقد الدكتور حسن ناظم في صفحته على الفيسبوك قائلاً: "رحل الشاعر سلمان داود محمد الشعر والخلق واللطف. تعازيّ الحارة لأسرته ولمبدعي العراق".
ونشر الشاعر علي تويتر قصيدة عنه بعنوان: "رحل الشاعر… ولم يرحلوا":
"كلّهم سيرحلون: وكلاء الآلهة، أعوانها، خزنتها، حرّاسها، سعاة بريدها، سحرتها، غلمانها، حَواريُّوها، مشارقها، مغاربها، أعاليها، أسافلها… وأنا
ولكنك يا سلمان داود محمد رحلت.. ولم يرحلوا،
رحلتَ عن "غيومنا الأرضية" مثل "دمعةٍ في صندوق بريد" أميراً آخرَ من "أمراء الكلام، وسعفته الفارقة"
وداعاً يا صديقي الشاعر
تصحبك دعوات المُحبّين
وابتهالات "واو الجماعة " وهي تذكّر مريديك بـ"ازدهارات المفعول به" في عراق ما بين القهرين.
لروحك السلام… ولحرفك الخلود".
يُذكر أن الشاعر سلمان داود محمد من مواليد بغداد، صدرت أولى مجاميعه الشعرية عام 1995، وكانت بعنوان "غيوم أرضية"، بعدها أصدر مجموعته الثانية "علامتي الفارقة" عام 1996، ثم مجموعته الثالثة "ازدهارات المفعول به" عام 2007. وأصدر الناقد ياسين النصير كتاباً نقدياً عنه بعنوان "مملكة الضلال: دراسة في تجربة الشاعر سلمان داود محمد". كما صدرت عنه دراسات أكاديمية ونقدية عديدة، وطبعت أعماله الشعرية أكثر من مرة.
يمثّل الشاعر سلمان داود محمد تجربةً مهمةً من التجارب الشعرية التي اتخذت الحداثة طريقاً لها، فنصوصه من البصمات المعروفة في قصيدة النثر، تنتهج بأسلوبها المبني على المفارقة محاور عديدة تباغت ذائقة القارئ بشحنتها الإبداعية، وتنفتح على المسرح والسينما والأجناس الفنية المجاورة، فسلمان من مبتكري الموقف الشعري لغوياً وأدائياً، وما لا ينساه له الجمهور المحب له، مواقفه وهو يطلق الحمائم من صدره في أحد المهرجانات، فضلاً عن إحراقه قميصه احتجاجاً على الانفجار الآثم الذي أودى بحياة الناس في شارع المتنبي ببغداد، وغير ذلك كثير.
نصوص للشاعر
عندما حذفت من سوق السراي دورية هولاكو
لأنكِ في "ساحة النسور" تقترحين البلابل،
ولأني لست "ابن فرناس" وريشي قليل..
ألملمُ ما تبقّى من انفلاقي في ضحى الناسفات
وأصعدُ عسى أن أجيد الانضمام إليّ
وأستودع اكتمالي تحت جفنيك لأرى، فرأيتني:
• خسائر من قمح تصدَّتْ لها بومات غامضة وطواحين…
• طفلاً لا حصر له ومشيعين لأعياد…
• كاتيوشا تدغدغ السقوف وشبابيك تكركر…
• آمالاً مؤكسدة تتسرّبُ من "حيّ الصفيح"…
• ومدينة تكفكفُ دمع الرصاص بأكفان مزركشة …
وماذا بعد؟
– نعم.. أحبك
وأقبـّـل الصافرة لأنها رئة عند اختناق المرور
وضمان لعشٍّ يزقزق من أعلى خسفة
في "خوذة الرصافي" يوم قال:
– سأفتديك بهذا (مشيرا إليَّ)،
أي لك وحدك هذا الشريد الفضفاض كحافلة،
الذي أدمنته الدروب والمتأخرون عن الوظيفة والشتائم
ثم مضى يحبك
ويبجـّـل ما تساقط من سوسن على رهافة الوسن،
فما كان على (صقر قريش) إلا التورط بالسكارى
حين استعان بـ"ساحة الأندلس" على ضياع الأندلس،
وما كان على ساعة "القشلة"
إلا الرنين في غبش "المتحاصصين" تماماً
حين أشارت إليّ بناقوسها المشطور بعدئذٍ:
– قشٌ.. لك.
– قشٌ.. لك.
القشُ لك.
ولاذ الفرقاء ببيض اللقالق،
ما جعل الغريق يناصبني الزفير
وأنا أنفخ في جثمان المزمار
مقاصد الرعاة
وأخيّبُ كمائن الذئاب بعيد الأضحى.
ها هو ذا ربيعي بهيئة نائب للخريف،
وهذا مطري لا يصلح
لشرب العائدين من دول السراب المعقم؛
حتى أن المناخ تناسى غيومي في مصيف المخالب
وأزاهيري مرهونة بالنعوش…،
ربما ارتبك الأريج بالقرب من شاهدة
واحتجبتْ "ليلة القدر" عن أدعية العازبات،
حيث احتشاد أقمار التلصص
والدخان الذي لا يكفّ عن الأعالي ….،
وماذا بعد…؟
نعم..
أحبك.. ألا تنظرين..؟
كيف مشطتُ حياتي بأصابعك
وغرستُ عفش الحنان في خطر للسكن..، كيف خبأتُ مفاتن المحنة عن شبق المروحيات وصحتُ بالسماء: كفى خرساً يا خالة… كيف رسمتُ على وجهي: ممنوع الممات، وطردتُ الجنة من غايتي، كيف ورثتُ عن الورّاقين فصاحة العثّ والعبارة المحصورة بين سيفين، كيف حذفتُ من "سوق السراي" دورية هولاكو وأثـقلتُ كاهلك بـ"مروج الذهب"، كيف ازدهر المتفرجون على خرائبي وتجمهرتُ في رحابك..، فهل من برهان أشمس من هذا لكي أحتفي برفاة وردتي فقط في مكحلة لا تقصد تمرير السواد على وجهات النظر…؟ أريدُ جواباً… *** من يوميات سائق الـتك تك تك.. تك.. تك.. هذه نبرة الساعة الصفرية لبدء الختام، فـثمة في الحوض الخلفي بقايا طماطة فائتة امتزجت مع دم الذين آثروا حمرة القربان على رمادية اللغة، فكان رقم تكتكي قانياً كـلون الأصيل.. هكذا: من 1 / 10 / 2019 وحتى الخلاص يزول الرماد وتبقى البلاد *** ولد تائه في جيبه أغنية حريق يمدُّ لسانهُ ساخراً من رجالِ الإطفاء.. هكذا الحب *** هل تتذكرين روحي حين لملمتْ الزقزقات ريشة ريشة حتى لا تصاب بالوحشة أقفاصك… هل تتذكرين روحي عندما قلتُ لإله البحر: – أنا الغريق الذي عكّر صفو مياهكَ كي لا يتهم زوارقكِ الراحلة خلسة بالبهتان هل تتذكرين روحي وهي تسابقُ دندنة القلب في مباراة: (من يدقُ من أجلكِ أكثر..) حتى فازت الروح على نفسها بلا جائزة هل تتذكرين روحي عندما صحتُ في حفلة تقسيم الإرث: -أنا ابن اللقالق النازل مثل طفل زنجي من مدخنة بيتكِ المنيف كجرح فقط من أجل التشابه لا غير مع العسل الأسود الذائب في مرارة وقتك أشكُّ بأنكِ ستذكرين فهذا الرماد الفذّ هو كل ما تبقى من اشتعال ذاكرتي في ظلمة نسيانك فكيف إذن لا تكون وحوش الأسى "أمهاتي"؟ وهذا الموت أب. *** ما إن أعدد سنواتي على أصابعكِ قبلة.. قبلة.. حتى تنطق الشفاه بالفراشات والشمس مرآتك هكذا أحبكِ وأشتعلُ كي لا يتهمني الآخرون بالظلام ***
يا ما قلتُ لكِ: إن الانتظار على أرصفة الموانئ يؤذيني يحْشدُ غوغاء أحزاني عليَّ فأضطرُ إلى الانفلاق مثل قنبلة مسيِّلة للدموع كي تتفرَّق الآلام عندئذٍ بنجاح دامع تاركةً رايتها وحيدةً رايتها التي على هيئة سعفة منزوعة من نخلتها إيييييييييييييييييييييه كم سيتهافتُ على أناقة جثّتها اليابسة جوع المواقد وكم سيكون اسمها كالمعتاد: أنا…. *** كما هي الريح أطردُ الوحشة عن مصطبة لشخصين فارغةً وأنعى ضجيج المارّة مثل حظر للتجوال وكما القميص المشنوق بحبل الغسيل أتقاطرُ بكل نداي على سطح أيامكِ وأشتمُّ الغيوم.. تلك الواقفة (!!) في طابور الوضوء ثم أكرهُ:
الموسيقى والسدنة والقانون والزي الجامعي ورواد الفضاء.. ولا أحبّ حياتي .. .. يحدثُ هذا في الذكرى المئوية لذبولي وسط حفل من ميليشيات ودفوف وهم يباركون تشييع قناديلي في "دَرَابِين" غيابكِ.