بابتسامة عريضة تتنقل "أم سليم" بين خيام النازحين في مخيّم "الكردي" قرب بلدة "أرمناز" شمال غربي إدلب. تتفقّد أحوالهم وتتبادل أطراف الحديث معهم وتصغي إلى مطالبهم، قبل أن تعود إلى خيمتها لتدوين ما سمعته من شكاوى وطلبات من قِبل هؤلاء المشرَّدين. خديجة الشرقروق أم سليم، صاحبة الواحد والأربعين عاماً، نزحت من ريف إدلب الجنوبي قبل(8) سنوات، تقول لموقع "نداء بوست": إنّها خَبرت معنى التهجير ومرارته، وتشعر بمعاناة قاطني الخيام، ومن هذا المأساة انطلقت في عملها المخصَّص للرجال، وأصبحت أول مديرة لمخيّم في إدلب.
في بادئ الأمر لم يكن لمخيّم "الكردي" مدير، وكانت أرضيته بحاجة إلى رصف، فقامت أم سليم بالتواصل مع إحدى المنظّمات للقيام بهذه المهمّة، فطلبت منها تنظيم جدول للمخيّم ومعلومات عنه. وأضافت: "قمت بذلك خلال فترة قصيرة، أرسلت للمنظّمة، ولأنّ المخيّم بحاجة إلى مدير فقد تمّ وضع اسمي في الملفّ على أنّي مديرة المخيّم لأستمرّ بهذا العمل حتى الآن".
بطلة قصّتنا حائزة على إجازة في اللغة الإنجليزية، وهي أمّ لثمانية أولاد، وجدّة لتسعة أحفاد، ومع ذلك استطاعت فصل حياتها الأُسرية عن عملها في إدارة المخيّم. وفي هذا السياق، تقول: "أنا فخورة جداً بعائلتي التي كوّنتُها أنا وزوجي أبو سليم الذي يعتبر من أكثر الأشخاص الذين أيّدوا عملي وآمنوا به، وأحاول أن أنظّم وقتي ما بين عملي وعائلتي، ففي العمل أكون أم سليم مديرة المخيّم التي في عُهدتها خمسون عائلة يجب تلبية احتياجاتهم، وفي المنزل أكون خديجة التي يجب أن تعتني بزوجها و عائلتها".
لم تُخف مُحدّثتنا أنّها تعرّضت للانتقادات للكثير من الانتقادات؛ لأنّها أول سيدة تدير مخيّماً للنازحين، إلا أنّها -وبفضل نجاحها في عملها وثقتها بنفسها- استطاعت تجاوز هذه العقبات. وقالت: "لقد تعرّضت للكثير من التنمّر والتقليل من عملي ومن شأني الشخصي، حتى أنْ الأمر وصل إلى المنظّمات والجمعيات المانحة، فهم للوهلة الأولى تتشكّل لديهم فكرة أنّني لا أصلح لهذه الوظيفة، ولكنّني بالجدّ والمثابرة استطعت إقناع أغلب الناس التي أعرفها بعملي".
تُجسّد "أم سليم" مثالاً عن نساء الشمال السوري، فهي كغيرها تناضل في سبيل أسرتها، كما تكافح لإثبات نفسها في مجالات العمل التي كان يُنظر إليها على أنّها حكر على الرجال.