نداء بوست- أخبار سورية- إدلب- محمد علي
أعلنت خمسة من كبرى ألوية حركة أحرار الشام، عزل قائد الحركة عامر الشيخ أبو عبيدة، وتعيين يوسف الحموي أبو سليمان بديلاً عنه، وذلك في انقسام جديد ضِمن الفصيل المُقسَّم أصلاً.
جاء ذلك في بيان مشترك حمل توقيع ألوية ”الإيمان، الخطاب، قوات النخبة في لواء العاديات، لواء الشام، كتيبة الحمزة”، التي تصف نفسها أنها ”جزء أصيل ورئيس” من أحرار الشام، منذ تأسيسها.
وأشارت تلك الألوية إلى أنها وقفت إلى جانب قيادة الحركة أثناء ”الانقلاب” الأخير قبل عامين، والذي أسفر عن ”تنصيب قيادة جديدة بالإكراه”، حسب وصفها.
وحول أسباب هذه الخطوة، قالت الألوية: إن القيادة الجديدة ”أخلَّت بالاتفاق الذي تم التفاهم عليه عقب تسلُّمها، ومساسها بثوابت الحركة ومنهجها الذي تأسست عليه، وتوجيهها البندقية من قتال النظام السوري إلى الفصائل الثورية”.
وأضافت أنها قررت ”عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب، ونزع الشرعية من القيادة الحالية التي لا تمثل أحرار الشام، وحل مجلس القيادة الحالي، وعزل عامر الشيخ من منصبه، وتعيين يوسف الحموي بديلاً عنه، والعمل على تشكيل مجلس قيادة جديد بالتعاون مع أبناء الحركة”.
والجدير بالذكر أن تلك الألوية وتحديداً لواءَي الإيمان والعاديات، يُعتبران من نواة أحرار الشام، ومن التشكيلات التي عملت في بادئ الأمر تحت قيادة حسان عبود القائد المؤسس لـ”كتائب أحرار الشام”.
تيار الشيخ يردّ
أصدرت القيادة المعزولة بياناً نشرته معرفاتها شِبه الرسمية، اتهمت فيه ”الجبهة الشامية” بالترتيب مع القادة السابقين في ”أحرار الشام”، والشخصيات ”المفصولة” و”مجموعات ميدانية معلقة عملها”، للعمل على تشكيل باسم حركة أحرار الشام، بحيث يظهر أنه ”انقلاب داخل الحركة، ويكون امتداداً ورديفاً للجبهة الشامية جغرافياً وعسكرياً”.
وقالت: ”أقبلت قيادة الشامية على خطواتها الدنيئة هذه، لحفظ ماء وجهها، وغررت ببعض المجموعات التي لا تملك قراراً عسكرياً، فضلاً عن أن يكون لها تواجُد عسكري على الجبهات، ليخرجوا علينا عن طريق شخص مقيم في إسطنبول تم فصله من الحركة ببيان إلكتروني على الموقع المسروق منذ مدة”.
حرب بيانات
جاءت هذه التطورات بعد أيام قليلة من إصدار الشيخ بياناً تبرأ فيه من ستة من كبار قيادات الحركة، وذلك في ضربة استباقية قُبيل إصدار أولئك القادة بياناً مشتركةً لإعلان خروجهم من ”أحرار الشام” بسبب ”انحراف مسارها” و”تحوُّلها إلى أداة بيد ”هيئة تحرير الشام” وزعيمها أبو محمد الجولاني.
وجاء في البيان: ”إنَّ الإخوة التالية أسماؤهم ليس لهم أي توصيف وظيفي في الحركة ولا تربطهم أيُّ صلةٍ تنظيمية بها، كما أن مواقفهم تعبر عن آرائهم الشخصية ولا تعبر عن الموقف الرسمي للحركة”.
والأسماء التي وردت في القائمة هي: جابر علي باشا (القائد السابق للحركة)، وعلي العمر (أيضاً سبق له أن قاد الحركة)، ومهند المصري الملقب بـ”أبي يحيى الحموي”، وهو ثاني شخص يتولى قيادة الحركة بعد اغتيال قائدها السابق ومؤسسها حسان عبود.
كما تضمنت القائمة قيادات من الرعيل الأول في الحركة وشخصيات شغلت عدة مناصب وعملت مع حسان عبود، وهم: محمد ربيع الصفدي الملقب بـ”أبي موسى كناكري”، وأبو حيدرة الرقة، وخالد أبو أنس الملقب بـ”أبي أنس سراقب”.
ماذا بقي من ”أحرار الشام”؟
منذ سنوات عدة وتحديداً بعد مقتل القادة المؤسسين لـ”أحرار الشام”، شهدت الحركات تصدعات وانقسامات داخلية كبيرة، كان أولها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، كإعلان عدد من أبرز قيادييها وهم هاشم الشيخ، وأبو صالح طحان، وأبو محمد الصادق، والدكتور أبو عبد الله، وأبو علي الشيخ، وأبو أيوب المهاجر، وأبو خزيمة، تعليق عضويتهم في مجلس الشورى، بسبب الفشل في انتخاب قائد جديد للحركة، وحل الأزمات داخلها، الناجمة عن وجود تنافر فكري بين تيارين؛ ”متشدّد ومعتدل”.
وبعد فترة بسيطة عينت الحركة علي العمر قائداً عاماً لها، ليرد القادة الذين علقوا عملهم بتشكيل تكتل داخل الحركة يضم 16 مجموعة تحت مسمى ”جيش الأحرار” بقيادة الزعيم الأسبق للحركة هاشم الشيخ أبو جابر.
وضم التشكيل كلاً من: ”لواء التمكين، لواء عمر الفاروق، لواء أحرار الجبل الوسطاني، لواء أجناد الشريعة، لواء أنصار الساحل، لواء أنصار حمص، لواء أبو طلحة الأنصاري، الجناح الكردي، كتائب حمزة بن عبد المطلب في الشمال، كتيبة قوافل الشهداء، كتيبة أحرار حارم، كتيبة شيخ الإسلام، كتيبة الطواقم، لواء المدفعية والصواريخ، لواء المدفعية الرديف، لواء المدرعات”.
ويعود سبب ذلك الانشقاق الداخلي إلى رفض التيار ”المتشدد” الذي كان يقوده هاشم الشيخ، خطوات المكتب السياسي في الحركة الذي كان يقوده لبيب نحاس آنذاك الذي أظهر انفتاحاً على الهيئة العليا للمفاوضات، والترويج للحركة على وسائل الإعلام الأجنبية بأنها تشكيل ”وسطي”.
وفي كانون الثاني/ يناير من عام 2017، أعلن أبو جابر الشيخ وأبو صالح طحان (القائد العسكري السابق للحركة) انشقاقهم مع ألويتهم وعتادها، والاندماج مع ”جبهة فتح الشام” (جبهة النصرة سابقاً) تحت مسمى ”هيئة تحرير الشام” بقيادة هاشم الشيخ.
وعقب أشهر قليلة، شنت هيئة تحرير الشام هجوماً كبيراً على حركة أحرار الشام، طال مواقع الأخيرة في مختلف أرياف إدلب وحماة وحلب، وتمكنت في تموز/ يوليو 2017 من فرض السيطرة على معبر باب الهوى الحدودي حيث ثقل الحركة ومقرات قيادتها.
ويعود سبب ذلك الهجوم إلى توجيه ”هيئة تحرير الشام” اتهامات لـ”أحرار الشام” بإدخال الجيش التركي إلى إدلب حيث كانت فترة الهجوم باكورة وضع نقاط المراقبة التركية في إدلب، ولقيام الحركة برفع علم الثورة السورية في ساحة باب الهوى وفي مدينة إدلب، الأمر الذي كانت ترفضه ”الهيئة”.
ومنذ تلك الفترة، وحتى كانون الثاني/ يناير شنت هيئة تحرير الشام عدة هجمات ضد أحرار الشام، انتهت بالقضاء شِبه الكامل على الحركة، والسيطرة على معقلها ومكان تأسيسها في منطقة سهل الغاب بريف حماة.
وبعد الانكسار الذي لحق بالحركة جراء خسارتها معبر باب الهوى، تم تعيين حسن صوفان قائداً لها خلفاً لعلي العمر، وبعد نحو عام من ذلك تمت إقالة صوفان وتكليف جابر علي باشا بقيادة الحركة.
وعاشت الحركة خلال الفترة الممتدة منذ تكليف علي باشا بقيادتها في آب/ أغسطس 2018، وحتى تشرين الأول/ أكتوبر 2020 فترة من الهدوء الداخلي (على الإعلام كأقل تقدير) حيث كانت المنطقة منشغلة بهجوم قوات النظام السوري وروسيا على إدلب.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2020، أعلنت كتائب في قطاع الساحل تمردها على جابر علي باشا، وذلك بدعم من مسؤول العمليات العسكرية في الحركة النقيب عناد درويش الملقب بـ”أبي المنذر”، ومن هيئة تحرير الشام التي أرسلت مؤازرات إلى المنطقة.
وجراء ذلك حدثت توترات كبيرة داخل الحركة، حيث اتهمت قيادتها ممثلة بجابر علي باشا ونائبه علاء فحام المقلب بـ”أبي العز أريحا”، حسن صوفان بالوقوف وراء ذلك التمرد، والتنسيق مع هيئة تحرير الشام لمنع المجموعات التابعة لقيادة الحركة بالتوجه إلى الساحل حيث كان فحام محاصراً.
بعد ذلك تم التوصل لاتفاق قضى بعزل جابر علي باشا، وتعيين عامر الشيخ بديلاً عنه، ويقول الجناح المحسوب على الأول: إن ذلك القرار جاء بضغط من صوفان ومن هيئة تحرير الشام، الأمر الذي لاقى رفضاً من قِبل عدة مجموعات ودفعها لترك صفوف الحركة.
ويقول المنشقون عن أحرار الشام: إن هيئة تحرير الشام باتت تسيطر بشكل كامل على الحركة، وباتت الأخيرة مجرد تشكيل يتبع الهيئة، وإن عامر الشيخ عمل على إقصاء القادة المؤثرين الذين وقفوا مع جابر علي باشا في وجه العملية الانقلابية التي حصلت.
وفي خضمّ ذلك انشق قياديون من الصف الأول وكتل كبيرة عن أحرار الشام، أبرزها كتلة حمص التي تشكل ثلث قوة الحركة، وانضموا إلى الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري، لتتوالى بعد ذلك الانشقاقات.