نداء بوست- تحقيقات ومتابعات- معاذ الناصر
تتواصل اليوم, العمليات القتالية في محيط العاصمة “كييف”، وسط إعلان القوات الأوكرانية مقتل أكثر من 4000 جندي روسي، وإسقاط عدد من الدبابات والمروحيات العسكرية الروسية، ومقاتلات من طراز “سوخوي 25” (Sukhoi 25), متزامنةً مع إعلان الرئيس الأوكراني فلادومير زيلينسكي عن تشكيل وحدة عسكرية جديدة باسم “الفيلق الدولي”
ومن جانبها، قالت وزارة الدفاع الروسية اليوم الإثنين: إن القوات المشرفة على الأسلحة النووية بدأت مناوبات معززة ضمن رفع حالات التأهب، وإن قوات الصواريخ الاستراتيجية وأسطولي الشمال والمحيط الهادئ والطيران الاستراتيجي في حالة استعداد. مضيفةً أنها استهدفت البنية التحتية العسكرية الأوكرانية بصواريخ دقيقة من الجو والبر والبحر.
ويتخلل ذلك بداية جلسات المفاوضات بين الوفدين الروسي والأوكراني في بيلاروسيا.
وفي ارتدادات المشهد, أعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، الخميس، عن فرض عقوبات اقتصادية على روسيا وصفتها بـ”القاسية”. وطالت العقوبات الرئيس ووزير خارجيته، وبنوكاً روسية وشركات كبرى ورجال أعمال وقطاعات حيوية تعمل في البنية التحتية وغيرها. وفيما يلي تفاصيل هذه العقوبات.
حيث فرضت واشنطن عقوبات على عدد من المؤسسات المالية في روسيا، على رأسها شركة الأسهم العامة (سبيربنك) وشركة VTB Bank العامة للأوراق المالية المشتركة, مستهدفةً بذلك ما يقرب من 80% من جميع الأصول المصرفية في روسيا، “سيكون لها تأثير عميق وطويل الأمد على الاقتصاد والنظام المالي الروسي”، بحسب بيان وزارة الخزانة الأمريكية..
ومن بين الشركات الروسية المُعاقبة، بنك للأوراق المالية، يعد ثالث أكبر مؤسسة مالية في روسيا وينتسب بشكل وثيق إلى قطاع الطاقة، إضافة إلى شركة الأسهم المشتركة “البنك الزراعي الروسي”، وهو خامس أكبر مؤسسة مالية في روسيا وينتمي بشكل وثيق إلى القطاع الزراعي.
وشُملت بالعقوبات أيضاً شركة “الروسا” أكبر شركة تعدين للألماس في العالم، وشركة Sovcomflot المساهمة، أكبر شركة شحن في روسيا، فضلاً عن شركة السكك الحديدية الروسية المفتوحة، وهي واحدة من أكبر شركات السكك الحديدية في العالم.
واستهدفت العقوبات رجال أعمال مقربين من بوتين، أبرزهم الممثل الرئاسي الخاص لحماية البيئة والنقل، وهو أحد أقرب حلفاء بوتين، وأمين مجلس الأمن في الاتحاد الروسي، و الرئيس التنفيذي لشركة روسنفت، وهي واحدة من أكبر شركات النفط المتداولة في البورصة في العالم. كما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوباتها على 24 شخصاً وكياناً في بيلاروسيا؛ رداً على دعمها للتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
وأقر الاتحاد الأوروبي بعد اجتماعه الخميس عقوبات مالية تستهدف 70% من البنوك الروسية لرفع تكلفة الاستدانة وتقييد وصول الأثرياء والشركات الكبيرة إلى السوق المالية الأوروبية، وسيجمِّد الاتحاد الأوروبي أصول روسيا في التكتل ويوقف وصول بنوكها إلى الأسواق المالية الأوروبية، ويفرض قيوداً على تصدير منتجات الطاقة الروسية وتقييد تطوير مصافي التكرير.
وفرض الاتحاد قيوداً أخرى تتعلق بقطع الغيار، وتكنولوجيا أشباه الموصلات وكافة أشكال التكنولوجيا الحساسة، وإلغاء حرية الوصول للجوازات الدبلوماسية ورجال الأعمال الروس للسفر بدون تأشيرات.
أما بريطانيا، التي سبقت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في تبني العقوبات، أعلنت الثلاثاء أنها فرضت “حزمة من العقوبات الاقتصادية هي الأكبر والأشد” على روسيا. شملت 5 بنوك روسية كبرى، وثلاثة رجال أعمال روس مع تجميد أصولهم في المملكة المتحدة، ومنع دخولهم أراضيها، وشركة إيروفلوت للطيران الروسية، واستهدفت القطاع المصرفي وصادرات التكنولوجيا وخمسة رجال أعمال.
وقالت بريطانيا: إنها ستصدر قوانين تحدد سقفاً للأموال الروسية التي يمكن إيداعها في حسابات في المصارف البريطانية.
وطرحت ورقة حظر روسيا من نظام سويفت العالمي، وهو ما يؤثر على حركتها المالية، ويحرمها من تحويل واستقبال الأموال، ويؤثر بالتالي على عمليات الاستيراد والتصدير ومختلف الأنشطة الاقتصادية.
وللحديث عن أثر العقوبات الاقتصادية وجدواها في عزل روسيا اقتصادياً، وعن البدائل المتاحة أمام روسيا لتجاوز هذه العقوبات والالتفاف عليها، كان لـ “نداء بوست” لقاء مع الدكتور معروف الخلف مدير “مركز ماري للأبحاث والدراسات”, والذي قلل من أهمية هذه العقوبات على المدى القصير والمتوسط قائلاً : “أثبتت التجارب أن العقوبات الاقتصادية لا تخرج عن كونها مجرد أداة لا تنهي الموقف وحالة الصراع السياسي، ويمكننا القول إنها عصا غليظة تستخدمها الدول للي ذراع الدول المعنية بهذا القرار، وفي الحالة الروسية تحديداً، نجد أن الأمر يختلف بعض الشيء كون الدور الروسي عميق ومتجذر في الاقتصاد العالمي”
مضيفاً: أنه “من الصعوبة بمكان أن تأتي العقوبات أُكلها على المدى القصير والمتوسط، وهي بالمحصلة أداة لجعل روسيا تذعن للقرارات التي تفرضها سواء أمريكا أو الاتحاد الأوروبي”.
وبخصوص جدوى هذه الأنواع من العقوبات، يرى الخلف أن العقوبات من جانب الديون السيادية أقوى تأثيراً منها في القطاع السلعي والخدمي، وخصوصاً إذا ما أُخذ بعين الاعتبار أن روسيا مصدّر رئيسي للغاز والقمح والنفط، ولمعدن صناعة الطائرات التي تستورد أوروبا منه ما يقارب 40 بالمئة من احتياجاتها. وهذا ما يقلل الأثر في هذا الجانب، ويمكّنها من تسوية المدفوعات بشكل نقدي بعيداً عن نظام “سويفت” المالي.
وفي معرض رده على الاستفسار المتعلق بالإجراءات والبدائل الروسية لمواجهة العقوبات، قال الخلف: إن روسيا اتخذت منذ العام 2014 -قبل أزمة القرم- إجراءات احترازية تساعدها على تجاوز إي سيناريو لعقوبات مستقبلية، وهي على المستوى الدولي تسعى لإنشاء بنك “البنية الأساسية” بالشراكة مع الصين, يوازي البنك الدولي.
وعن البدائل المتوفرة أمام روسيا في حال حرمانها من النظام المصرفي العالمي “سويفت”, يمضي الباحث الاقتصادي بالقول: “إن محاولات الغرب لعزل روسيا اقتصادياً، وحرمانها من نظام “سويفت” سيدفعها إلى المقايضة مع الصين، وإيجاد بدائل أخرى بعيداً عن الاتحاد الأوروبي، كأن تطور نظام المدفوعات والتسويات المالية الخاص بها (SPFS), أو تتجه لتطوير النظام الصيني (CIPS).
ويتابع: ” وفي حال فشل الخيارات السابقة، قد تتجه روسيا إلى خيار العملات المشفرة، والذي تستعيض به عن نظام “سويفت” وبالتالي توجِد أداة تستطيع من خلالها الالتفاف على العقوبات”