نداء بوست- ريحانة نجم- بيروت
يُعتبر العام 2021 من أسوأ الأعوام التي مرّت على لبنان منذ عقود طويلة، حيث عانى لبنان خلالها من أكبر أزمة اقتصادية في تاريخه، وانهيار غير مسبوق للعملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي، وارتفاع خيالي للأسعار، ناهيك عن الأزمة السياسية وتعطُّل عمل الحكومة إضافة إلى الإشكالات الأمنية والقضائية.
وبدأت سنة 2021 مع دخول لبنان أزمة صحية صعبة نتيجة تفشي وباء كورونا بشكل كبير في معظم المناطق اللبنانية، ودقت المستشفيات جرس الإنذار بحيث لم تعد قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من الإصابات، مما دفع السلطات اللبنانية لإغلاق البلاد لفترة ليست قصيرة.
وعلى الصعيد الصحي أيضاً، اضطرت بعض المستشفيات إلى الإقفال بسبب الأزمة المالية التي شهدتها البلاد والضغط الذي تعرّضت له من قِبل المرضى والموظفين، وعدم قدرتها على تأمين المستلزمات الطبية والأدوية.
كما كان لرفع الدعم تأثير أساسي على الدواء بعد رفع الدعم جزئياً عن الأدوية المزمنة، وارتفاع أسعارها بشكل خيالي في الصيدليات.
كما شهد العام 2021 انهياراً غير مسبوق للعملة الوطنية، حيث تدنت قيمة العملة الوطنية وتخطى الدولار عتبة الثمانية والعشرين ألف ليرة لبنانية في شهر تشرين الثاني لأول مرة في تاريخ لبنان، وبالتالي فقد اللبنانيون قيمة رواتبهم التي ما زالت بالعملة المحلية وانخفضت قدرتهم الشرائية، وباتوا غير قادرين على تأمين مستلزمات الحياة اليومية مع ارتفاع أسعار السلع في الأسواق بشكل خيالي.
وفي شهر حزيران من العام 2021 دخل لبنان في أزمة محروقات لا مثيل لها، حيث تكدست طوابير السيارات أمام محطات الوقود لتعبئة مادة البنزين، وشهدت بعض المناطق إشكالات على المحطات أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، واستمرت هذه الأزمة لأسابع عدة، إلى حين اتخاذ قرار برفع الدعم عن البنزين ورفع سعره إلى حدود جنونية حيث باتت صفيحة البنزين اليوم تبلغ حوالَيْ 340 ألف ليرة لبنانية، وكذلك المازوت والغاز.
وفي الشهر نفسه، وصف البنك الدولي الأزمة في لبنان، بأنها "الأكثر حدة وقساوة في العالم"، وصنفها ضِمن أصعب ثلاث أزمات سُجلت في التّاريخ منذ أواسط القرن التاسع عشر.
وفي شهر تموز من عام الأزمات أعلن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الاعتذار عن تشكيل الحكومة، بعد نحو 9 أشهر من التكليف، وتم تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة في السادس والعشرين من الشهر نفسه بعد أن حاز تأييد 72 نائباً من أصل 115 نائباً، وبعد شهرين من تكليفه تمكن من تشكيل حكومته الحالية ونالت الثقة في البرلمان في العشرين من أيلول/ سبتمبر.
واستبشر اللبنانيون خيراً من تشكيل هذه الحكومة بعد جمود استمر لأكثر من عام، ولكن سرعان ما تعطل العمل الحكومي وعدنا إلى دوامة التعطيل وتوقف جلسات مجلس الوزراء بسبب اعتراض عدد من الوزراء على عدم اتخاذ الحكومة موقفاً يتعلق بالمحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت، فتوقفت الحكومة عن الاجتماع بعد عقدها جلستين فقط.
وفي الأول من آب/ أغسطس شهدت منطقة "خلدة" اشتباكات مسلحة بين أبناء المنطقة وعشائر العرب ومقربين من "حزب الله" أدت إلى مقتل خمسة أشخاص، وشهدت المنطقة على إثرها قطعاً للطرقات على خلفية ما جرى.
وفي 14 تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام، شهدت العاصمة بيروت مشهداً أعاد إلى ذهن اللبنانيين المشاهد الأليمة التي عاشوها أيام الحرب الأهلية، حيث شهدت منطقتَا "الطيونة" و"عين الرمانة" اشتباكات مسلحة بعد توافُد أنصار "حزب الله" و"حركة أمل" للمطالبة بعزل القاضي طارق البيطار، وسرعان ما وقعت مواجهات مسلحة بين منطقتَيْ "الطيونة" ذات الغالبية الشيعية و"عين الرمانة" ذات الغالبية المسيحية استُخدمت فيها الرشاشات الخفيفة وقذائف "آر بي جي" واستمرت نحو 5 ساعات، وأسفرت عن مقتل 6 أشخاص وعدد من الجرحى، وأدت إلى زعزعة الأوضاع الأمنية عدة أيام، عدا ارتفاع مستوى الجريمة والسرقات في البلاد خاصة في الأشهر الأخيرة. في التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر، شهد لبنان أزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع دول الخليج، حيث قطعت السعودية ومع بعض الدول الخليجية العلاقات البلوماسية مع لبنان على خلفية تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي قبل توليه منصبه عن الحرب في اليمن.
في الرابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر الجاري شهد السوق اللبناني ارتفاعاً غير مسبوق للدولار مقابل الليرة اللبنانية حيث سجل سعر الصرف في السوق السوداء 28 ألف ليرة للدولار الواحد، للمرة الأولى في تاريخ لبنان.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن نسبة الفقر ارتفعت في لبنان في هذا العام، على نحو كبير، وبحسب تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، يطال الفقر 74% تقريباً من مجموع السكان في لبنان، بعدما سجل 55% في عام 2020، و28% في 2019.
كما ارتفعت أعداد المهاجرين والمسافرين اللبنانيين بحثاً عن فرص عمل بشكل كبير خلال هذا العام، وذكرت "الدولية للمعلومات" أن عدد اللبنانيين المهاجرين والمسافرين، بداية عام 2021 حتّى نوفمبر 2021، وصل إلى 77 ألفاً و777 فرداً، مقارنة بـ17 ألفاً و721 فرداً في سنة 2020.
ويختتم العام 2021 أيامه ويستعد اللبنانيون لاستقبال العام الجديد 2022 من دون وجود أي أُفق أو بصيص أمل عن انفراجات متوقَّعة، خاصة في ظل التشنجات والخلافات القائمة بين القوى الحاكمة، وفي ظل استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حالها، وعدم قدرة الداخل اللبناني على إيجاد أي حل ينقذ ما تبقى من هذا البلد.