قال محللون سياسيون وعسكريون عرب: إن روسيا، التي برزت كلاعب مهيمن في سورية بعد إنقاذ نظام بشار الأسد من الانهيار في 2015، لن تتخلى عن نفوذها المتزايد ومصالحها الإستراتيجية وسط غزوها لأوكرانيا.
فمع دخول الحرب أسبوعها السادس، تُعدّ الصور ومقاطع الفيديو للدمار الواسع النطاق وقصف المدنيين والمستشفيات والتهجير القسري في أوكرانيا بمثابة تذكير مؤلم بالتكتيكات المستخدمة في سورية.
ولكن قد لا ينجح مشروع روسيا الإستراتيجي في سورية نفسه في أوكرانيا، حيث أجبرت مقاومة شرسة غير متوقعة روسيا على تعديل خططها العسكرية، كما تواجه موسكو عزلة دولية بسبب غزوها الذي بدأ في 24 شباط/ فبراير.
مهما كانت النتيجة، يقول محللون عرب إن روسيا من غير المرجح أن تتخلى عن مكاسبها في سورية، فقد انتظرت موسكو فترة طويلة لتأمين وجود عسكري دائم في شرق البحر الأبيض المتوسط، مع قاعدتين عسكريتين في سورية – قاعدة حميميم الجوية بالقرب من اللاذقية والقاعدة البحرية في ميناء طرطوس- واتفاق للحفاظ على هذا الوجود ومدته 49 عاماً على الأقل.
قال عريب الرنتاوي، مؤسس ومدير مركز القدس للدراسات السياسية ومقره عمان، لموقع يونايتد برس إنترناشيونال: “يعتقد البعض أن روسيا، المتورطة من الرأس إلى أخمص القدمين في أوكرانيا، لن تتمكن من الحفاظ على دورها المتميز في سورية، لكنني أعتقد أنها لن تتخلى بسهولة عن مكاسبها بعد أن استثمرت الكثير لفرض وجودها”.
نهاية غير معروفة
بينما لا يزال من المبكر معرفة ما إذا كانت الحرب الأوكرانية ستكون لها تداعيات خطيرة على سورية، في ظل غياب التطورات العسكرية الكبرى أو التسوية السياسية، قال الرنتاوي إن موسكو “ستواصل طريقها” هناك، لكنها قد تُعدّل خططها.
وقال إنه من الصعب أن نتخيل أن الحرب الأوكرانية ستنتهي بخروج أحد الطرفين “منتصرًا وهزيمة الآخر، لكنها قد تكون “مواجهة طويلة الأمد”.
“إذا سجّل بوتين نقاطًا لصالحه في حرب أوكرانيا، فإن هذا سيعزز موقعه في سورية بأي شكل من الأشكال، وإذا خسر بطريقة أو بأخرى، فلن ينطبق هذا بالضرورة على سورية، حيث لا تشارك قواته بشكل مباشر هناك.
وأوضح الرنتاوي أن معظم المقاتلين في سورية ليسوا من الروس، بل من السوريين والميليشيات المتحالفة معهم.
وقال إن روسيا لن تقاتل تركيا في المنطقة الشمالية الغربية أو القوات الأمريكية في المناطق الشمالية الشرقية وستنتهي مشاكل سورية بالتسويات السياسية.
ولكن الرنتاوي حذّر من أن “هزيمة بوتين وإذلال روسيا يمكن أن يخلق أزمات لا يعرف أحد كيف ستنتهي”.
لن يتمكن بوتين من فرض إرادته على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي و “المخرج الوحيد هو تسوية لم تتشكل بعد”.
وقال رياض قهوجي، محلل الأمن والدفاع في الشرق الأوسط ومقره دبي ويرأس معهد الشرق الأدنى والتحليل العسكري في الخليج، إنه لا توجد مؤشرات على أن الوجود الروسي في سورية سيتغير.
وقال قهوجي لـ يونايتد برس إنترناشيونال: “لا أرى تغييرًا حقيقيًا في التورّط الروسي أو الموقف الروسي في سورية، لا أرى علاقة مباشرة بالتسبب في مثل هذا الشيء، باستثناء أن التركيز العسكري موجود الآن في أوكرانيا”.
وأوضح أن روسيا تحاول التعامل مع “مواجهتها مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والعقوبات الاقتصادية” التي فرضتها الدول المعارضة لغزوها للإضرار باقتصادها.
بلدان أخرى
لكن روسيا ليست وحدها في سورية فهناك أيضًا إيران وإسرائيل وتركيا والولايات المتحدة مع مصالح مختلفة وإستراتيجيات متغيرة، خاصة بعد اندلاع حرب أوكرانيا.
وقال قهوجي: “موسكو بحاجة إلى الدول العربية ولا يمكنها في الواقع التخلّي عن الإيرانيين أو طردهم من سورية؛ هذا لن يحدث، إنهم سوف يحتاجونهم أكثر الآن”.
لكن التحدّي سيكون العلاقات الروسية الإسرائيلية والهدف الإستراتيجي لإسرائيل المتمثل في منع خصمها اللدود إيران من تعزيز وجودها في سورية من خلال استهداف قواتها وحلفائها من الميليشيات باستمرار وعرقلة نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله.
“هذا هو المكان الذي يمكن أن نرى فيه بعض التغييرات، إذا قرر الإسرائيليون المُضي قدمًا في أي عمليات كبرى في سورية، فسيتعين على روسيا إعادة النظر في موقفها، حيث لا يمكنهم حقًا فتح جبهة جديدة في الوقت الذي يكونون فيه في أوكرانيا”.
تبدو إسرائيل مترددة أثناء محاولتها الحفاظ على التوازن وتجنّب تفضيل طرف على الآخر في حرب أوكرانيا.
يقول الخبراء إن ما تريده إسرائيل في الغالب من روسيا هو الحدّ من نفوذ إيران ووجودها في سورية.
وقال زياد ماجد، الأستاذ المساعد في دراسات الشرق الأوسط بالجامعة الأمريكية في باريس: إن إسرائيل تريد الحفاظ على “علاقاتها المتميزة والإستراتيجية للغاية” مع موسكو حتى تستمر قواتها الجوية في استهداف القوات الإيرانية والميليشيات المتحالفة معها في سورية.
وأضاف ماجد: “لكن في الوقت نفسه، لا يمكنهم استفزاز الولايات المتحدة، لقد تعرضوا بالفعل لانتقادات لأنهم سمحوا – على ما يبدو – لبعض الأوليغارشية الروسية بالفرار بأموالهم إلى إسرائيل أو على الأقل عدم احترام العقوبات التي تمّ فرضها”.
وقال الرنتاوي: “الميزان كان يتحول لصالح روسيا، ولا أعتقد أن ذلك سيتغير، بالنسبة للأسد، حان الوقت لردّ الجميل وإظهار ولائه ودعمه لبوتين”.
ومع ذلك، فإنه يخاطر “بمزيد من العزلة” من خلال تجنيد مقاتلين سوريين للقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا في وقت بدأت عزلته العربية تتلاشى.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قام الأسد بزيارة تاريخية إلى الإمارات العربية المتحدة في أحدث مؤشر على التقارب بينه وبعض الدول العربية.
وقال ماجد: “بوتين يريد أن يُظهر أن هناك متطوعين يدعمون القضية الروسية ويمكنه الاعتماد عليهم. بالنسبة للأسد، هذه طريقة لإظهار الولاء وإظهار أن لديه دوراً يلعبه، حتى لو لم يأخذ ذلك أحد على محمل الجد، ولكن هذا سيكلفه مزيداً من العزلة وربما مزيداً من العقوبات لاحقاً.