”نداء بوست“ – وجيه حداد – دمشق
منذ أسابيع مضت، لا يمر يوم واحد دون أن تَرد أخبار عن جرائم مروعة وعلنية يتم فيها استخدام القنابل اليدوية في مناطق النظام السوري، بالأخص المناطق الموالية، وغالباً ما تتصف تلك الجرائم بأنها عائلية أو اجتماعية، ويحال معظمها لأسباب تافهة لا يمُكن لها أن تُبرر هول الجريمة، ولا سلاحها المستخدم.
فخلال أيام معدودة قتل رجل زوجته بقنبلة يدوية في "نهر عيشة" وأصاب تسعة آخرين، وقتل ستيني طرطوسي بقنبلة يدوية، شقيقي طليقته أمام قصر العدل في طرطوس، ورمى طرطوسي آخر قنبلتين يدويتين على منزله إثر خلاف مع عائلته، ليتسبب بإصابات بعض أبنائه، كما قُتل طبيب في اللاذقية بعبوة ناسفة ضمن عيادته على يد غريمه العاطفي الذي يحمل رتبة مقدم في الجيش.
و فيما هددَ شاب طرطوسي منتقديه بقنبلة يدوية بعد أن تحرش بفتاة في احد كراجات المدينة، أقدم مراهق في احد أحياء اللاذقية على حرق منزل معلمته بعد أن هدد أسرتها بحزام نفسي ومسدس تبين لاحقا أنهما وهميين.
وفي الوقت الذي يشكل فيه استخدام القنابل في الجرائم الفردية نقلة نوعية في مستويات العنف، ويعد مؤشراً على مستوى الإنفلات الأمني العام في البلاد فإنه يحمل مؤشرات خطيرة ذات دلالات متعددة الأبعاد سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، فالجميع يعرف أن القنابل لا تباع على البسطات وأن مستخدميها ينتمون إلى شريحة قاتلت مع النظام وميليشياته خلال السنوات الماضية. وعلى نقيض السلاح الفردي الممثل بالسكاكين أو المسدسات، وحتى البنادق الآلية ، بوصفها أدوات جريمة يمكن توجيهها بشكل واع، و يتم استخدامها نحو آخر محدد، تشكل القنابل اليدوية سلاحا منفلتا ، يعبر عن نزعة تدميرية، وغير قابل لحصر الأضرار أو توجيهها بشكل دقيق.
كما أن استخدام القنابل اليدوية ، أو الأحزمة الناسفة، في الجرائم الفردية ، بالإضافة إلى كونه يمثل إفراطا في العنف، ينطوي، أيضاً، على نزعة انتحارية محمولة على اليأس والقنوط، وعلى انسداد منافذ الأمل لدى مالكي هذه القنابل ومستخدميها من الشبيحة السابقين.
وجاءت الخيبة الأولى لدى الشبيحة بعد استغناء النظام عن خدماتهم تدريجيا منذ العام 2018 ، مع تقليم صلاحيات من بقي منهم في الميليشيات، وتجفيف الكثير من مصادر نهبهم، وعائدات عنفهم المسكوت عنها سابقاً.
ومع تراكم إحساسهم بالذل والمهانة مع الانهيار الاقتصادي وتدني الواقع المعيشي وارتفاع تكاليف الحياة وعجزهم عن تأمين مستوى الرفاهية السابق، أو حتى العجز عن تأمين أبسط مستلزمات الحياة لدى بعضهم الأخر، تحول العنف النفسي والسلوكي الذي مارسوه طويلاً على الآخر إلى عنف مكبوت، لا يجد تصريفاً له إلا في دوائرهم المقربة، وفي بيئاتهم المحلية، وغالباً ما يتوجه نحو دائرة الإحتكاك اليومي المباشر ومن أهمها العائلة. توجيه عنف الشبيحة نحو بيئاتهم الحاضنة أو نحو عائلاتهم لا يمثل فقط الخيار الأوحد لتصريف عنفهم الداخلي الذي تربوا عليه، ومارسوه بشكل منفلت وبلا قيود طيلة السنوات الماضية، وهو أمر صحيح في العموم، فهم عاجزون بنيوياً عن توجيه هذا العنف نحو النظام الذي تخلى عنهم، وإنما يمثل من وجهة نظرهم استعادة للاحترام الذي نالوه في أوساطهم خلال أزمنة المجد المالي والمعنوي، وفقدوه لاحقاً، بعد أن أحِيلوا إلى الرف.
وكانت الصورة النمطية التي عبرت عنها التناقضة بين سلوك الجلاد الذي يعذب ضحاياه ثم يعود ليلاطف زوجته وأولاده بذات اليد التي كسرت عظام السجناء ، قد تأسست على قدرته تأمين متطلبات العائلة والتزاماتها المالية قبل المعنوية، لكنها لم تذهب إلى صورة الجلاد العاجز والمكشوف معنويا وماليا إلى حدّ المهانة، والتي يمثلها رماة القنابل حالياً، من الشبيحة السابقين.
وإن كانت أخبار الجرائم التي تم استخدم القنابل فيها قد حازت على صدارة المشهد الإعلامي، فان جرائم أخرى لا تقل عنفا وغرابة قد لفتت انتباه الرأي العام مؤخراً، فمن رجل يطعن أولاد أخيه بسبب دجاجة في دمشق، إلى شاب يقتل والده ببارودة صيد في ريف طرطوس بسبب خلافهما على الميراث ، وصولاً إلى رجل يقتل شقيقه، وأخت زوجة الشقيق المغدور بسبب خلاف على مرعى أغنام في ريف اللاذقية، كما ذكرت الأخبار الواردة.
وفي العموم، فإن جرائم الشبيحة ليست منفصلة عن ارتفاع معدلات الجريمة والعنف السائد في البلاد على خلفية الإنفلات الأمني والضيق الاقتصادي الشديد، وإن كانت هي الأبرز بسبب استخدامها للقنابل، فقد حازت سوريا المرتبة الأولى عربياً في معدلات الجريمة وفق التصنيف الأحدث لعام 2021، كما حازت المرتبة التاسعة عالميا بمؤشرات جريمة مرتفعة ضمن نشرات سنوية تصدر عن مواقع متخصصة.