المصدر: تشاتامهاوس
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: كيلسي دافنبورت
قد تكون الاستجابة لمطالب البلاد محفوفةً بالمخاطر بالنسبة للرئيس الأمريكي -لكن الاحتمال الوشيك لوجود طهران مسلّحة نوويا أسوأ بكثير.
توصّلت مجموعة من الدول المُكوّنة من بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة إلى اتفاق مُتعدّد الأطراف مع إيران في عام 2015، أنهى نزاعاً دام عقوداً بشأن برنامج طهران النووي وأغلق فعلياً كل الطرق أمامها لامتلاكها الأسلحة النووية. الآن، بعد ما يُقرُب من سبع سنوات من التوصّل إلى هذا الاتفاق التاريخي، يُشكّل برنامج إيران النووي تهديداً أكبر من أي وقت مضى لانتشار الأسلحة النووية.
ومع ذلك، يخاطر الرئيس جو بايدن بتصعيد هذه الأزمة النووية من خلال السماح للضغوط السياسية المحلية بدلاً من سياسة منع الانتشار الفعالة بتوجيه نهج أمريكا تجاه إيران.
تتصاعد الأزمة الحالية منذ أن انسحب سلفه دونالد ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، في شهر أيار/مايو عام 2018، على الرغم من امتثال طهران للاتفاق. ثم شرعت إدارة ترامب في حملة عدوانية تهدف إلى حرمان إيران من أي فوائد للبقاء في الاتفاق. وكجزء من هذه الحملة، صنّفت الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية.
ردّت إيران بالسعي لبناء نفوذ خاص بها لدفع واشنطن مرة أخرى إلى الاتفاق. ومنذ شهر أيار/مايو من عام 2019، دأبت طهران على بناء برنامجها النووي بشكل مُطّرِد في انتهاك للحدود التي يفرضها الاتفاق. للعودة إلى الامتثال، تطالب طهران الولايات المتحدة ليس فقط برفع العقوبات المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة، ولكن أيضاً رفع الإجراءات التي فرضها ترامب، بما في ذلك تصنيف الحرس الثوري.
إن وصولاً لصفقة لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة على وشك الحدوث، لكن بايدن يخاطر بهذه الفرصة الحاسمة لأنه لا يريد أن يواجه مجموعة من الانتقادات لرفع تصنيف الحرس الثوري، على الرغم من أنها رمزية إلى حدّ كبير وسيظل خاضعاً للعديد من العقوبات الأخرى.
في حين أن بايدن سيدفع بالتأكيد ثمناً سياسياً محلّياً إذا قام بتعديل التصنيف، فإن التكلفة تتضاءل مقارنة بالثمن الذي سيدفعه مقابل السماح لبرنامج إيران النووي بالاستمرار دون رادع.
إن حقيقة أن إيران لا تسعى صراحةً من أجل الحصول على قنبلة -وهو تقييم مشترك مع مجتمع الاستخبارات الأمريكية- قد يعطي الوهم بأن الوضع الراهن مستدام، وأن بايدن لديه الوقت الكافي لفرض العقوبات القاسية ضد الحرس الثوري.
لكن هذا سوء تقدير خطير. سيصل برنامج إيران النووي قريباً إلى النقطة التي لن يكون عندها المجتمع الدولي لديه الوقت لكشف وردع الوصول إلى صنع القنبلة. إذا لم تستطع الدبلوماسية ثني إيران عن برنامجها النووي قبل تلك النقطة، فإن خطر العمل العسكري يزداد بشكل كبير.
هناك مشكلتان تُقيّدان فرصة العمل لاستعادة خطة العمل المشتركة. أولاً، توسّع برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني بالقرب من النقطة التي تستطيع فيها طهران إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة لصنع قنبلة دون أن يكتشفها المفتشون الدوليون.
عندما تم تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة بالكامل، كان من الممكن أن تستغرق إيران 12 شهراً لإنتاج اليورانيوم اللازم لصنع قنبلة. تم تحقيق فترة الـ 12 شهراً، والمعروفة باسم الجدول الزمني للانفصال، من خلال الحدّ من عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة لتخصيب اليورانيوم ووضع حدّ أقصى لمستوى التخصيب والمخزون عند مستوى أقل بكثير مما هو مطلوب للأسلحة.
كما كان لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إمكانية الوصول اليومي إلى منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية ويمكنهم مراقبة مواقع معيّنة بشكل مستمر، مما يضمن الكشف الفوري تقريباً عن أي تحرّك نحو انتاج قنبلة.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، رفعت إيران مستويات تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المائة، وهي نسبة قريبة بشكل جاد من 90 في المائة المناسبة للأسلحة. كما عزّزت مخزونها من اليورانيوم المُخصّب ووسّعت بشكل كبير من قدرتها على الطرد المركزي. ونتيجة لذلك، انخفض وقت الاختراق البالغ 12 شهراً إلى حوالي أسبوعين أو ثلاثة أسابيع بحلول بداية أيار/ مايو 2022.
وبالنظر إلى أن إيران قد قيّدت بشكل كبير وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومراقبتها، فستصل طهران قريباً إلى النقطة التي يمكن أن تنتج فيها ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة خلال عمليات التفتيش. على الرغم من أن بناء رأس حربي نووي سيستغرق عاماً أو عامين آخرين، إلا أن إخفاء هذه الأنشطة أسهل بكثير.
من المستبعد جداً أن تكون الولايات المتحدة، وبالتأكيد إسرائيل، على استعداد للعيش مع خطر أن تكون إيران قادرة على إحداث اختراق نووي دون أن تُكتشف أو أن تقوم بتصنيع قنبلة سراً.
إذا لم يتم تقييد برنامج إيران النووي قريباً، فإن احتمالية العمل العسكري أو التخريب لمنع طهران من الوصول إلى عتبة اختراق غير قابل للكشف تزداد بشكل كبير. أي هجوم من هذا القبيل من شأنه أن يُهدّد بالتصعيد إلى صراع أوسع أو يدفع إيران إلى السعي علناً للحصول على أسلحة نووية لردع الهجمات المُستقبلية.
ثانياً، من الأهمية بمكان دحر البرنامج النووي الإيراني قبل أن تتوصّل طهران إلى قدرات جديدة من شأنها أن تُقلّل من فعالية خطّة العمل الشاملة المشتركة، مثل تشغيل أجهزة الطرد المركزي المُتقدّمة، والتخصيب إلى مستويات أعلى، والبحث عن معدن اليورانيوم، الذي له صلة بتطوير الأسلحة. فكلما اكتسبت إيران خبرة أكبر في هذه الأنشطة، زادت سرعة تطويرها لأسلحة نووية في المستقبل.
ففي حين لا يمكن محو هذه المعرفة حتى وإن تمت استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أنه يمكن إدارة المخاطر إذا كان برنامج إيران النووي محدوداً وخاضعاً للمراقبة والتحقق من قبل المراقبين وهما الأمران اللذان تتطلبهما الصفقة. مع تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة، سيكتشف المفتشون بسرعة أي انحراف عن الحدود التي تفرضها تلك الخطة، وسيكون لدى المجتمع الدولي الوقت للردّ دبلوماسياً لمنع إيران من أن تكون مُسلّحة نووياً.
ومع ذلك، إذا استمر البحث والتطوير دون رادع، فقد تقرر الولايات المتحدة وشركاؤها أنه يجب أن تكون هناك صفقة جديدة ضرورية لمراعاة البرنامج النووي الإيراني الموسّع. ضمن هذا السيناريو، تتمتع إيران بنفوذ أكبر بالنظر إلى تقدمها النووي.
لا يمكن قول الشيء نفسه عن الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين.
فمن غير المحتمل أن تتمكن هذه الدول من إعادة بناء الضغط الدولي الذي ساهم في المفاوضات بشأن خطة العمل المشتركة الشاملة بسرعة، نظراً للتوترات الحالية مع روسيا والإحباط الأوسع من سياسة العقوبات الأمريكية. من شأن ذلك أن يتركهم على طاولة المفاوضات ولديهم أوراق قليلة للضغط على إيران التي ستكون هي الأقوى.
رفع العقوبات عن الحرس الثوري سيُعرّض بايدن بلا شك للانتقاد. لكن ردّ الفعل المحلّي هو ثمن ضئيل يجب دفعه لإعادة فرض قيود فعّالة يمكن التحقق منها على برنامج إيران النووي. إذا فشل بايدن في استعادة تقييد برنامج إيران النووي من خلال إبرام اتفاق بشأن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن خطر تصعيد التوترات بشأن برنامج طهران النووي الذي يمتد إلى صراع أوسع يزداد بشكل كبير.
سوف يسجل التاريخ كرئيس سمح لإيران بالوصول إلى عتبة سلاح نووي، أو خاطر بالحرب في محاولة لإيقافه.