المصدر: وول ستريت جورنال
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: توماس غروف
في الوقت الذي تحاول فيه روسيا أخذ زمام المبادرة في شرق أوكرانيا، كان على موسكو أن تجد قوّة بشرية جديدة من بعض الأماكن غير المتوقعة لما يتشكّل ليكون مرحلة حاسمة من الحرب.
منذ بداية ما يسميه الكرملين عمليته العسكرية الخاصة، حاول مواصلة حملته بجيش يتمتع بقوّة عسكرية خاصة بوقت السلم. وقد كانت النتائج متفاوتة.
فعلى الرغم من أن القوات الروسية قد حقّقت مكاسب في شرق وجنوب البلاد، إلّا أنها تكبّدت خسائر ساحقة في محاولة موسكو الأولية للاستيلاء على كييف، من خلال بعض التُّهم المُوجّهة إليها بخسارة عدد من الجنود كما فعل الاتحاد السوفياتي قديماً في أفغانستان.
ومع ذلك، كانت القيادة الروسية مُتردّدة في اتخاذ خطوة إعلان الحرب، والتي من شأنها أن تسمح لها بإصدار أوامر بالتعبئة الكاملة للرجال الذين هم في سنّ القتال. ويرى المحللون أن هذا من شأنه أن يربط مصير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل وثيق للغاية بالنتيجة التي ستؤول إليها الحرب.
وبدلاً من ذلك، أدخلت موسكو عدداً من الإجراءات المؤقتة لتعزيز صفوفها المستنفدة في المعركة، من تقديم عقود مُجزية قصيرة الأجل إلى السماح لمن هم فوق الأربعين بالتسجيل، مما قد يجعل عشرات الآلاف من الجنود الآخرين متاحين للاشتراك في القتال ضمن صفوف الجيش الروسي.
قال فيليبس أوبراين، أستاذ الدراسات الإستراتيجية في جامعة سانت أندروز في أسكتلندا: “هناك مؤشرات على أن الروس يواجهون مشاكل كبيرة في توليد هذا النوع من القوى العاملة التي يحتاجون إليها، دون الذهاب إلى التعبئة الكاملة”.
يقول محللون: إن القوات الأوكرانية، بمساعدة المخابرات الأمريكية والمجهزة بشكل متزايد بالأسلحة الغربية، قتلت ما بين 10000 و 15000 جندي روسي، ومن المحتمل أن الكثير من الجنود الروس الآخرين قد أُصيبوا، مما أخرجهم من القتال. وقد قام القادة الروس بالردّ على ذلك بإبعاد القادة الرئيسيين من الميدان.
تم إيقاف الجنرال سيرجي كيسيل، قائد أول جيش دبابات الحرس، لفشله في الاستيلاء على مدينة خاركيف.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية: إن نائب الأدميرال إيغور أوسيبوف، قائد أسطول البحر الأسود الروسي، أُوقف عن العمل بعد غرق طراد الصواريخ الروسي الرائد، موسكفا، في نيسان/ إبريل.
وعانت معظم قوات الجيش الروسي من خسارة الجنود والإصابات في الهجوم الأولي على كييف، والذي صدّته القوات الأوكرانية في آذار/ مارس.
وقال المحللون: إنه تم سحب الوحدات التي تكبّدت خسائر فادحة ويتم الآن إعادة تشكيلها بجنود جدد أو دمجها مع وحدات أخرى قبل إعادتها إلى أوكرانيا لمواصلة القتال في الشرق.
وقد وضع ذلك عبئاً على الكرملين للعثور على قوة بشرية جديدة. فقد بدأ الجيش الروسي بتقديم عقود قصيرة الأجل لعدة أشهر في كل مرة للمساعدة في ملء وحداته القتالية، وبدأ ضباط التجنيد في إرسال طلبات إلى قدامى المحاربين للإبلاغ عن مكان وجودهم إذا تم إطلاق تعبئة أوسع، حسبما قال جاك واتلينج، وهو باحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن.
قرار مجلس الدوما بإزالة القيود المفروضة على عمر الجنود الذين يوقّعون عقوداً قصيرة الأجل يفتح أيضاً الإمكانية لضمّ مجموعة واسعة من المقاتلين المحتملين.
الآن يمكن للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 40 عاماً الانضمام، مما يفتح الباب أمام قدامى المحاربين من ذوي الخبرة في النزاعات التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك حربَا موسكو في الشيشان.
كما قال واتلينج: “هناك الكثير من الروس الذين شهدوا القتال في التسعينيات وهم أكبر سناً. من الناحية الديموغرافية، تعاني روسيا أيضاً من شيخوخة السكان”، “وبالنظر إلى مكان تواجُد السكان، فإن قانون الدوما مفهوم.”
في غضون ذلك، رفع الجيش الروسي الرواتب الشهرية للجنود المتعاقدين إلى ما يقرب من 4000 دولار شهرياً، أي حوالَيْ أربعة أضعاف متوسط الراتب في روسيا، إلى جانب مكافآت الطائرات والدبابات التي تم تدميرها. ويمكن للمجندين الاشتراك لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر. ويقول المحللون العسكريون إن هذا ليس مثالياً لتحقيق أهداف موسكو.
قال واتلينج: “هذا النوع من التعاقد قصير الأجل مع الأشخاص القادمين ومع الذين يغادرون بسرعة يُعطّل تماسُك الوحدات العسكرية”.
في التقاليد السوفياتية، لا تزال روسيا تُطبّق التجنيد الإجباري، على الرغم من وجود استثناءات مُختلفة. وكان من المتوقع أن يذهب حوالَيْ 135000 شاب إلى الخدمة لمدة عام في بداية نيسان/ إبريل.
ويقول محللون غربيون: إن روسيا استخدمت المجندين في الشهر الأول من الحرب لكنها قلّصت عددهم منذ ذلك الحين.
وهذا يجعل من المهم بشكل متزايد أن تتواصل روسيا مع قدامى المحاربين الذين تم اختبارهم في المعركة. في إحدى الحالات، قال محارب قديم يبلغ من العمر 44 عاماً في حرب الشيشان الثانية عام 2000 إنه تلقّى أمراً بالحضور إلى الوحدة العسكرية الأقرب إلى منزله. وفي إشارة إلى المقاومة التي قد تحتاج إلى تعبئة أوسع، قال إنه رفض.
وقام مُفتعلو الحرائق بإضرام النار في أكثر من عشرة مكاتب تجنيد عسكرية في جميع أنحاء البلاد منذ بداية الحرب، وفقاً لتقارير الصحف المحلية ووكالات الأنباء الحكومية.
ويبلغ عدد القوات المسلحة الروسية حوالَيْ مليون جندي. حوالَيْ 400000 فرد من القوات البرّية. ويعزو المؤرخون نجاح موسكو في الحرب العالمية الثانية إلى تسامُح الكرملين الشديد مع خسارة أعداد كبيرة من الجنود لكسب التفوّق. وقد تمّ الحفاظ على هيكل قتالي مماثل منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.
ولقد أدّت النجاحات الروسية الأخيرة في أوكرانيا، بالاستيلاء على بلدات مثل ليمان وبوباسنا، إلى جعل القوات الروسية أقرب إلى معاقل أوكرانيا في سلوفيانسك وكراماتورسك. ويقول محللون: إن بطء تقدُّمهم يرجع إلى مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك ندرة القوات لاختراق الخطوط الأوكرانية.
وبدلاً من ذلك، اختارت القوات الروسية الاعتماد على المدفعية لإضعاف الدفاعات الأوكرانية قبل القيام بالتقدّم. وقد تسبب ذلك في خسائر كبيرة على الجانب الأوكراني أيضاً، والذي يخسر ما بين 100-200 جندي يومياً حيث تتعرض هذه القوات لقوة نيران مدفعية الجيش الروسي، ولكن مع ذلك، تبدو النتائج التي تحققها روسيا مختلطة وغير واضحة.
قال بين باري، كبير الباحثين في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية: “ما نراه هو هجمات ضحلة محدودة للغاية تزيد من دعم المدفعية”. “هذا انعكاس لفهم نقاط ضعف قواتهم”.
تم إحباط التقدّم الروسي في نهر سيفرسكي دونيتس الأوكراني مراراً وتكراراً، مما دفع موسكو إلى التركيز أكثر على أهداف أصغر. كما أن الحذر الأوكراني من بَدْء الهجمات المضادة في جنوب البلاد، حيث تحتفظ روسيا بالسيطرة على امتداد الساحل الممتد، قد ساهم على الأرجح في حالة الجمود هناك، وأبقى كلاً من روسيا وأوكرانيا مُركّزةً على مدينة سيفيرودونتسك في منطقة لوهانسك.
عندما تتخذ القوات الأوكرانية موقفاً في أماكن قريبة -كما تفعل في سيفيرودونيتسك، بإرسال قوات خاصة لمنع احتلال روسيا للمدينة- يؤدي نقص القوة البشرية إلى جعل الانتصارات الحاسمة صعبة على الروس حيث تقاتل قواتهم لأيام للسيطرة على المدينة، بناءً على تحليل شامل في كل الأحيان.
وقال السيد باري: “كلما أجبر الأوكرانيون الروس لفترة أطول على القتال في المدن المنتشرة في شرق أوكرانيا، كلما زاد استنزافهم للقوات الروسية”.