تسبب غزو موسكو لأوكرانيا في توحُّد الاتحاد الأوروبي لمواجهة الأجندة التوسعية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومحاولته إعادة تقسيم القارة العجوز بالقوة، وفقاً لتقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات واسعة النطاق على روسيا لغزوها الأراضي الأوكرانية في 24 شباط الماضي، وأرسلت مليارات الدولارات لمساعدة الحكومة الأوكرانية.
ومنذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير، تراجعت هذه الاختلافات مقارنة بالحس العام للهدف بين الديمقراطيات الأوروبية بأن أوكرانيا يجب أن تكون مسلحة لصد محاولة روسيا “إعادة رسم حدود القارة بالقوة”، حسب “وول ستريت جورنال”.
ورغم الإجماع الأوروبي الواسع، فإن الحلفاء الأوروبيين جميعاً يتفاعلون مع المسار الذي حددته إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، التي بعثت مؤخراً بـ”رسائل متضاربة” حول ما إذا كان الوقت قد حان لدفع كييف إلى المفاوضات، حسب الصحيفة.
ومن المتوقع أن يوقع بايدن على مشروع قانون للإنفاق في الأيام المقبلة يتضمن ما يقرب من 45 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا وحلفاء منظمة حلف شمال الأطلسي، مما يؤكد مرة أخرى على “الدور المهيمن” للولايات المتحدة في توفير الأسلحة والتمويل لدعم كييف وكبح جماح عدوان بوتين.
والأسبوع الماضي، غادر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بلاده لأول مرة منذ بدء النزاع متوجها إلى واشنطن حيث وعده نظيره الأمريكي جو بايدن بتسليمه نظام دفاع باتريوت ومساعدة مالية جديدة بقيمة 45 مليار دولار، وفقاً لـ”فرانس برس”.
وفي 22 ديسمبر، أعلن وزراء مالية مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في بيان مشترك أن دول المجموعة جمعت نحو 32 مليار دولار لتمويل ودعم أوكرانيا اقتصادياً العام المقبل، وأضافوا أنهم مستعدون لتقديم المزيد إذا لزم الأمر.
وقال الوزراء: “ما زلنا ملتزمين بقوة بمعالجة احتياجات التمويل العاجلة لأوكرانيا”، وشجع الوزراء المانحين الآخرين على زيادة مساهماتهم في الدولة التي مزقتها الحرب.
وجاء في البيان: إن تعهُّد مجموعة السبع البالغ 32 مليار دولار يشمل 19 ملياراً من الاتحاد الأوروبي، حسب “رويترز” .
على الرغم من أن قادة الاتحاد الأوروبي تعهدوا مؤخراً بالمليارات لإبقاء كييف واقفة على قدميها، لكنهم ما زالوا يقرؤون “إشارات واشنطن” حول الأسئلة الإستراتيجية المركزية للأشهر المقبلة، حسب “وول ستريت جورنال”.
وعن الأسئلة الاستراتيجية تقول “وول ستريت جورنال”: إنها تتعلق بـ” مقدار القوة النارية التي يجب أن تتلقاها أوكرانيا في سعيها لاستعادة الأراضي المحتلة من قوات الغزو الروسية، وحجم الأسلحة الغربية التي قد تخاطر بتصعيد غير منضبط للحرب، نوع التسويات التي يجب أن تفكر فيها أوكرانيا إذا لم تستطع طرد القوات الروسية من أراضيها بالكامل”.
وقالت روزا بلفور، مديرة مؤسسة كارنيغي أوروبا ومقرها بروكسل: “كانت الجهود الحربية برمتها أوركسترا معقدة، لكنها أجريت من واشنطن”، مضيفة “لقد أكد الصراع أن الأمن الأوروبي داخل الناتو، ولا يوجد بديل”.
ولم يأتِ رهان بوتين على أنه “من خلال خنق إمدادات الطاقة للكتلة، يمكن أن يضعف التزام الدول الأوروبية بمساعدة أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا بـ”ثماره”.
ودفع هجوم بوتين الشامل على أوكرانيا، بما في ذلك محاولة غزو العاصمة كييف، والتقارير العديدة عن جرائم الحرب والهجمات الصاروخية المنتظمة على المدن الأوكرانية، جميع الدول الأوروبية تقريبا إلى تبني عقوبات على موسكو.
قال السفير الأمريكي السابق لدى بيلاروس، دانييل سبيكارد، إن التعاطف السابق لليمين المتطرف في أوروبا مع بوتين قد “اختفى إلى حد كبير”.
وتمثل حرب روسيا على أوكرانيا أحدث صدمة في أوروبا في السنوات الـ 15 الماضية، من الأزمة المالية العالمية إلى تحديات الهجرة الجماعية، وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ووباء كوفيد -19.
وغالباً ما كانت دول الاتحاد الأوروبي منقسمة بشدة خلال الأزمات السابقة، مما دفع العديد من المراقبين إلى التساؤل عن “استقرار الكتلة”.
وأسفرت الحرب في أوكرانيا عن انخفاض الموارد العسكرية الأوروبية إلى أدنى مستوياتها بعد ثلاثة عقود من التخفيضات منذ نهاية الحرب الباردة.
وتعتمد أوكرانيا بشكل كبير على الولايات المتحدة للحصول على المساعدة العسكرية بسبب تراجُع مخزونات الدول الأوروبية المحدودة نسبياً من الأسلحة والذخيرة، وهو ما انعكس في اختيار، زيلينسكي، لواشنطن في أول رحلة خارجية له منذ الغزو الروسي في فبراير، وفقاً لـ”وول ستريت جورنال”.
وتعطلت مليارات اليورو من المساعدات المالية الموعودة من الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا بعد النزاع بين ألمانيا والمدير التنفيذي للاتحاد الأوروبي حول كيفية دفع ثمنها، مما جعل كييف تعتمد على الولايات المتحدة في دعمها.
خلال الحرب، تمتلك أوكرانيا الزخم، حيث استعادت الكثير من الأراضي التي احتلتها روسيا في وقت مبكر من الحرب، لكن القوات الروسية لا تزال تحتل أجزاء كبيرة من الشرق والجنوب.
وفي الخريف، تمكن الجيش الأوكراني الذي تسلم شحنات من الأسلحة الغربية من شن هجمات مضادة كبرى مكنته من استعادة أراضٍ، خصوصاً مدينة خيرسون، عاصمة المنطقة التي تحمل الاسم نفسه، ما شكل نكسة كبرى لموسكو، وفقاً لـ”فرانس برس”.
ويأمل زيلينسكي، في استعادة حدود أوكرانيا المعترف بها دولياً بالكامل، لكنه يجب أن يقلق قبل كل شيء بشأن استمرارية الدعم الأمريكي، حسب “وول ستريت جورنال”.
ولا يزال العديد من المسؤولين الأمريكيين، مثل نظرائهم الفرنسيين والألمان، متشككين في قدرة أوكرانيا على طرد الجيش الروسي بالكامل، دون مستوى الدعم العسكري لحلف شمال الأطلسي الذي من شأنه أن يزيد من خطر اندلاع حرب مباشرة مع روسيا، حسب الصحيفة.
والاثنين، جدد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، خطته للسلام المكونة من 10 نقاط والتي قدمها في منتصف نوفمبر وتتناول استعادة وحدة الأراضي ومصير السجناء والأمن الغذائي، وفقاً لـ”فرانس برس”.