نداء بوست -أخبار عربية- الرياض
قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال مقابلة طويلة مع مجلة “أتلانتيك” الأمريكية: إن المملكة تغيرت عما كانت عليه قبل 7 سنوات، لافتاً إلى أن التطور الاجتماعي في المملكة يسير بالاتجاه الصحيح، وفق معايير الشعب ومعتقداته.
وأكّد أنّ الإصلاحات الخاصة بالمرأة السعودية أتت من أجل البلاد، و”ليست استرضاء لأحد”.
وأوضح ولي العهد في رده على سؤال المجلة، فيما إذا ما كانت السعودية مشابهة لدبي أو أمريكا لحد ما، بقوله: “إننا لا نحاول أن نكون مثل دبي أو أمريكا، بل نسعى إلى أن نتطور بناءً على ما لدينا من مقومات اقتصادية وثقافية، وقبل ذلك الشعب السعودي وتاريخنا. نحن نحاول أن نتطور بهذه الطريقة، ولذا لا نريد أن نقدم مشاريع منسوخة من أماكن أخرى، بل نريد أن نضيف شيئاً جديداً للعالم، فالكثير من المشاريع التي تقام في المملكة تعد فريدة من نوعها، إنها مشاريع ذات طابع سعودي، فإذا أخذنا “العلا” على سبيل المثال، فهي موجودة في السعودية فقط، لا يوجد أي نموذج مثلها على هذا الكوكب”.
وأضاف في معرض رده على السؤال المتعلق بإمكانية تحديث البلاد إلى الدرجة التي تُصبح فيها هوية السعودية الإسلامية أكثر ضعفاً، بالقول إن “جميع الدول في العالم قائمة على معتقدات، فعلى سبيل المثال، أمريكا قائمة على أساس المعتقدات التالية: الديمقراطية، والحرية، والاقتصاد الحر وغيرها، والشعب يكون متحداً بناء على هذه المعتقدات، فإذا طرحت السؤال التالي: هل جميع الديمقراطيات جيدة؟ وهل جميع الديمقراطيات مجدية؟ بالتأكيد لا. إن دولتنا قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة السعودية، وعلى معتقداتها، وهذه هي روحنا، وإذا تخلصنا منها، فإن هذا الأمر يعني أن البلد سينهار”.
وقال بن سلمان في جملة ردوده: “إن السعودية دولة ملكية، أقيمت وتأسست على هذا النموذج، ولقد أخبرتكم أنه تحت هذه الملكية هناك نظام معقد يتكون من أنظمة قبلية من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر، وقد كنت أريد أن أوضح لكم مثالاً كيف تبدو الملكية في السعودية”.
وأجاب عن الاستفسار المتعلق فيما إذا كانت التغيرات في السعودية تتحرك بوتيرة سريعة، قائلاً: “إنني لا أستطيع تغيير السعودية من ملكية إلى نظام مختلف، وذلك لأن الأمر مرتبط بملكية قائمة منذ ثلاث مئة سنة، وقد عاشت هذه الأنظمة القبلية والحضرية التي يصل عددها إلى 1000 بهذا الأسلوب طيلة السنوات الماضية، وكانوا جزءاً من استمرار السعودية دولة ملكية”.
وأضاف: “إذا قلت لكم: إنني أرى خط النهاية، فهذا الأمر يعني أنني قائد سيئ، فخط النهاية يعتبر شيئاً بعيداً، كل ما عليك القيام به هو الركض، والاستمرار بالركض بسرعة أعلى، والمواصلة في خلق المزيد من خطوط النهاية، والاستمرار في الركض”.
وفيما يخص القوانين التي تعتمد عليها السعودية, والمستقاة من الشرع ، يجيب ولي العهد السعودي: “في الإسلام هناك بعض الأمور المُحرمة على المسلمين، وقد حدد الله عقوبتها، وهناك أمور أخرى لم يضع الله لها عقوبة، وهذه الأمور حسابها بينهم وبين الله، أما إذا كنت أجنبيًّا، فلا يمكن تطبيق تعاليم الإسلام عليك، فإن كنت أجنبيًّا يعيش في السعودية أو مسافراً فيها، فلك الحق في فعل ما تريد، بناءً على معتقداتك، أيًّا كانت هذه المعتقدات، ولكن وفق الأنظمة، وهذا ما حدث في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وزمن الخلفاء الراشدين الأربعة. فلم يُطبقوا القوانين الاجتماعية على غير المسلمين، بغض النظر عمَّا إذا كانوا مواطنين أو مسافرين عبر بلادهم”.
وتابع: “في الشريعة الإسلامية، رأس المؤسسة الإسلامية هو ولي الأمر، أي الحاكم. لذلك، فإن القرار النهائي بشأن الفتاوى لا يأتي من المفتي، بل يتخذ القرار النهائي من الملك، وبهذا فإن المفتي وهيئة الإفتاء يقدمون المشورة للملك، لكن في التعاليم الإسلامية للحاكم القرار النهائي، وقد بُويع على ذلك، وكلمة الفصل هي لملك المملكة العربية السعودية؛ إنهم يعلمون أن باستطاعتهم النقاش، فعليك أن تناقش، وعليك أن تشرح، وعليك أن تستند على الأدلة من تعاليم الإسلام، ومن زمن الرسول، ومن زمن الخلفاء، وعليك أن تتدبر القرآن، وعليك أن تتأمل الحديث حتى توضِّح مقصدك، ومن ثَمّ عليك أن تكون متأكداً من أن الشعب مستعد لهذه الفتوى ويؤمن بها، وعندئذ يتخذ الملك القرار، ولكن إذا استخدمت السلطة بصفتك الملك واتخذت القرار، دون المرور بمراحل هذه العملية، فإن ذلك قد يخلق صدمة في الشارع، وصدمة للشعب”.
وعند سؤال “أتلانتيك” عن مدى حاجة ولي العهد إلى مفتٍ، وهو عارف بالأمور الشرعية وأنواع الحديث الشريف، بيّن بن سلمان أن “مهمة المفتي هي الإجابة على الأسئلة اليومية للناس، فمثلًا: إذا أكل شخص في نهار رمضان وأراد أن يعرف ماذا يفعل، هل أذنب أم لا، ثم أراد الاتصال بمن يجيبه على ذلك، فهذا مهمة المفتي، وهذا يستدعي التنظيم، وأن يكون لديك تفويض من الحكومة، ولهذا فإن هدف الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء هو الإجابة على أسئلة الناس بشأن احتياجاتهم”.
وعن الاستمرارية في عقوبات الإعدام وقطع اليد المفروضة في الشريعة الإسلامية، أجاب: “فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، لقد تخلصنا منها جميعاً ما عدا فئة واحدة، وهذه الفئة مذكورة في القرآن، ولا يُمكننا فعل أي شيء حيالها، حتى لو رغبنا في فعل شيء ما؛ لأن فيها قولاً صريحاً، فإذا قتل أحدٌ شخصاً آخر، فإن لعائلة المقتول الحق -بعد الذهاب للمحكمة- في المطالبة بقتله، ما لم يعفوا عنه. أو إذا كان شخص يُهدد حياة كثير من الناس، فهذا يعني أنه يجب أن يُعاقب بالإعدام، وهذا نصَّ عليه القرآن، بغض النظر عمَّا إذا كنت أحب ذلك أم لا، فليس لدي القدرة على تغييره”.
وأضاف “إذا كان هناك عقوبة إعدام، فلن تُنفَّذ في اليوم التالي، بل بعد ستة أشهر أو حتى عام؛ لإعطاء العائلة التي فقدت فرداً مقتولًا الوقت ليهدأوا، ويتفكروا بتمعن، ونسبة عالية من الإعدامات يتم إلغاؤها بناءً على هذه الأنواع من التسويات؛ لذلك نحن نبذل قصارى جهدنا في هذا الشأن، وسنبذل المزيد حيال ذلك، أما عقوبة الجلد التعزيرية فقد تم إلغاؤها تماماً في المملكة العربية السعودية، ولم يعد هناك أي عقوبة للجلد، فقد أُلغيت 100%، والمشكلة الوحيدة التي نحاول حلها هي التأكد من عدم وجود عقوبة إلا بقانون، وهذا ما نعمل عليه.
وفي ضوء ذلك، استفسرت “أتلانتيك” عن حادثة مقتل الصحفي الخاشقجي بقولها: “تقول وكالة المخابرات الأمريكية: إنه بناءً على ما يعتقدون ودراستهم للحالة، أنك أمرت بقتل خاشقجي أو اعتقاله، ما هو ردُّك على هذا الاستنتاج؟
ليجيب ولي العهد: “من المؤلم رؤية أي شخص يُقتل دون وجه حق، لذلك، حتى لو كان الشخص يستحق عقوبة الإعدام أكثر من أي شخصٍ آخر في العالم، فيجب أن يخضع للنظام القضائي، ويجب أن يكون له الحق في الدفاع عن نفسه، إن ما حدث يُعد أمراً مؤلماً، ونتمنى ألَّا يحدث لمواطن سعودي أو لأي مواطن في العالم بأسره، وذلك كان فشلًا ذريعاً في النظام، وقد بذلنا قصارى جهدنا لإصلاح النظام، والتأكد من عدم حدوث مثل ذلك مرة أخرى، كما اتخذنا إجراءات مشابهة لما قد تتخذه أي حكومة منصفة، حيث أحلنا أولئك الأشخاص إلى التحقيق، ومن ثم إلى المحكمة، وبعد ذلك قررت المحكمة عقوبات مختلفة عليهم، وهم يواجهون تِلك العقوبات، وهذا ما حدث عندما ارتكب الأمريكيون أخطاء في العراق أو أفغانستان أو غوانتنامو، فأنتم اتخذتم الخطوات الصحيحة، وكذلك فعلنا نحن”. مضيفاً “لقد آلمتني كثيراً”.
وبرر بن سلمان اتهام الآخرين له بمقتل الخاشقجي، برغبتهم رؤية مشروع 2030 فاشلاً، قائلاً: “لأن هناك العديد من الناس الذين يريدون أن يتأكدوا من أن مشروعي، مشروع السعودية اليوم رؤية 2030 يفشل، ولكنهم لن يستطيعوا المساس به، ولن يفشل أبداً، ولا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لإفشاله، يمكنك إبطاؤه بنسبة 5%، هذا أكثر ما تستطيع فعله، ولكن أكثر من ذلك لا يستطيع أحد فعل شيء، ولا أريد أن أوجه اتهامات لأحد، فهناك مجموعات قليلة يستطيع أي شخص يمتلك معرفة جيدة أن يحدد الصلة بين تلك المجموعات في الغرب، والمجموعات في الشرق الأوسط، الذين لديهم مصالح في أن يرونا نفشل.
وأضاف” لم أقرأ مقالاً كاملاً لخاشقجي في حياتي”.
وفي معرض الردود المتعلقة بالجانب الاقتصادي، قال ولي العهد: “إن السعودية واحدة من أسرع البلدان نموّاً في العالم، وستُصبح قريباً جدّاً البلد الأسرع نمواً في العالم. لدينا اثنان من أكبر عشرة صناديق في العالم، والمملكة تمتلك واحدة من أكبر الاحتياطيات بالعملة الأجنبية في العالم، والسعودية لديها القدرة على تلبية 12% من الطلب على البترول في العالم، والسعودية تقع بين ثلاث مضائق بحرية: مضيق السويس ومضيق باب المندب ومضيق هرمز، وتطل على البحر الأحمر والخليج العربي، ويمر من خلالها 27% تقريباً من التجارة العالمية، وإجمالي الاستثمارات السعودية في أمريكا هو 800 مليار دولار، وفي الصين، حتى هذا الوقت، استثمرنا أقل من 100 مليار دولار، ولكن يبدو أنها تنمو هناك بسرعة كبيرة، كما أن لدى الشركات الأمريكية تركيز كبير على المملكة العربية السعودية، إذ لدينا أكثر من 300 ألف أمريكي في السعودية، وبعضهم يحملون كِلا الجنسيتين، ويقيمون فيها، والعدد يزداد كل يوم، لذا فالمصالح واضحة، والأمر يعود لكم سواء كنتَ تريد الفوز بالسعودية أو الخسارة”.
وفيما يخص الديمقراطية، أوضح أن المصطلح يجذبه إلى جانب الكثير من الأفكار، “فالديمقراطية جذابة، وكذلك الملكية الدستورية جذابة، لكن الأمر يعتمد على المكان والطريقة والخلفية. فالديمقراطية في أمريكا رائعة، إذ نتج عن الديمقراطية أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم، ودولة عظيمة، وقد نتج عنها العديد من الأشياء العظيمة في العالم بأكمله، لكنها وُجدت وصُممت بناءً على الوضع الذي كنتم فيه من إخراج البريطانيين وحتى توحيد أمريكا، وبالتالي، فقد صممتم نظامكم السياسي، ومعتقداتكم الاجتماعية بطريقة تدعم أمريكا، ومن ثم تطورتم، ولو نظرتم إلى أمريكا قبل 100 سنة على سبيل المثال، ستجدون المعتقدات الاجتماعية السائدة حينها سخيفة! وحتى بالنسبة لنا في السعودية، نراها سخيفة، لذا لقد تطورت”.
وفي استفسار المجلة عن حادثة “الريتز كارلتون” واستخدام الفندق الفاخر كسجن، أجاب بن سلمان: “ما حدث في الريتز كارلتون لم يكن اعتقال أشخاص، بل كان من أجل منحهم خيارين، الأول: أننا سنعاملهم وفقاً للقانون تماماً، وبالتالي ستقوم النيابة العامة بإعداد لائحة الاتهام، والخيار الثاني لهؤلاء الأشخاص: كان سؤالهم ما إذا كانوا يرغبون بأن يسلكوا طريق المفاوضات، وقد اختار 95% منهم طريق المفاوضات، لذا لم يكونوا مجرمين، ولم يكن بإمكاننا وضعهم في السجن، لقد وافقوا على البقاء في “الريتز كارلتون” لإجراء المفاوضات ولإنهائها، وأعتقد أن 90% من المفاوضات قد انتهت، أما البقية، وهم من رفضوا التفاوض، فقد أحيلوا إلى النيابة العامة وفقاً للقانون السعودي، وهناك نسبة جيدة اتضح أنهم بريئون، سواء عبر المفاوضات أو في المحاكم”.
ووصف ولي العهد السعودي أمير قطر، الشيخ تميم، بأنه “شخص رائع” في معرض الحديث عن دول التعاون الخليجي.
وعن إيران قال: “إنهم جيراننا، وسيبقون جيراننا للأبد، ليس بإمكاننا التخلص منهم، وليس بإمكانهم التخلص منا، لذا فإنه من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سُبل لنتمكن من التعايش”.
وأضاف “أعتقد أن أي بلد في العالم لديه قنابل نووية يُعد خطيراً، سوءاً إيران أو أي دولة أخرى، لذا نحن لا نود أن نرى ذلك، وأيضاً نحن لا نرغب في رؤية اتفاق نووي ضعيف، لأنه سيؤدي في النهاية إلى ذات النتيجة”.
وعن تفضيلاته الموسيقية، أجاب “أنا لا تعجبني الموسيقى العربية الجديدة، رغم أن البعض منها جيد، ولكن غالباً ما أرى أن الموسيقى القديمة أفضل، وأيضاً أحب الاستماع إلى الموسيقى الوطنية من مناطق مختلفة”.
وفيما يتعلق بالاهتمام في القطاع السياحي، قال بن سلمان: “إذا كنت سأخفِّض معدَّل البطالة، وكانت السياحة ستوفر مليون وظيفة في السعودية، وإذا كنت قادراً على جعل ثلاثين مليار دولار لا تُصرف خارج السعودية، ويبقى معظمها في السعودية؛ كي لا يسافر السعوديون بنفس قدر سفرهم الآن، فيجب عليَّ فعل ذلك، حيث إنهم سيقومون بالسياحة خارج السعودية على أية حال، ولذلك لدينا أمرٌ ثالث نقوله: اختر الضرر الأصغر بدلًا من الضرر الأكبر”.