بعد أن تنفسنا الصعداء إثر انتهاء الأزمة الأخيرة في منطقتي درع الفرات، وغصن الزيتون، لابد لنا من وقفة مع أهم الدروس المستفادة منها، لمنع تكرارها، وهي ضرورة الإصلاح الأمني، والقضائي، في هذه المناطق، فالسبب المباشر لإشعال فتيل هذه الأحداث كان جريمة اغتيال الناشط أبو غنوم، وفشل جهاز الشرطة في منعها، أو التحقيق فيها، كما أعقب القبض على المجرمين من قبل الجبهة الشامية، ظهور مشكلة ثانية، هي عدم وجود قضاء مستقل، وقادر على محاكمة المجرمين، وحتى نعرف كيف ساهم ضعف الجهاز الأمني، والقضائي، في إشعال الأزمة لابد لنا أولاً، من معرفة كيف يفترض أن يعمل جهازي الأمن، والقضاء، ومن ثم نلقي نظرة على أوضاعهما في منطقتي الدرع، والغصن.
يقوم الجهاز الأمني في أي مجتمع عادة بدورين: الأول وقائي، والثاني علاجي، ففي الدور الأول يقوم بنشر الدوريات، والعناصر، وتلقي البلاغات عن وجود أشخاص مشبوهين، والتحقيق بأمرهم، ونصب حواجز تفتيش، وفي الدور الثاني العلاجي يقوم الجهاز الأمني بتلقي البلاغات عن وقوع الجرائم، وبضبط مسرح الجريمة، ويحقق لمعرفة فاعلها، وسبب وظروف ارتكابها، وفي سبيل ذلك يقوم الجهاز الأمني بمنع الدخول لمسرح الجريمة، وتعقب واعتقال المشتبه بهم، وأخذ أقوال الشهود، ورفع البصمات، وأثار الحمض النووي، وتسجيلات كاميرات المراقبة، وعرض المجني عليه على الطب الشرعي، ومن ثم يقوم بإيداع نتائج التحقيقات لدى القضاء، الذي يبحث عن النص القانوني الذي ينطبق على الفعل، ومن ثم يحكم بالعقوبة المناسبة، فمثلاً، إذا كان الفعل هو قتل شخص بعد مراقبته والترتيب بهدوء للجريمة، فهنا ينطبق على الجريمة حكم المادة 535/1 من قانون العقوبات العام، ويحكم القاضي بموجبها بإعدام الفاعل.
يقوم بالدور الأمني في مناطق الدرع، والغصن، جهاز الشرطة التابع لوزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة، إضافة للكتائب الأمنية التابعة للفصائل، ولا تراعي هذه الكتائب الأمنية أي ضوابط مهنية في التوظيف، بل تعتمد على الولاء، وتبعاً لذلك فالعناصر يخضعون لأوامر “المعلم”، ولا يقيمون وزناً للقانون.
أما القضاء، فيتبع لوزارة العدل في الحكومة المؤقتة، التي تفتقر في هيكليتها لمؤسسات قضائية هامة، مثل، مؤسسة التفتيش القضائي، التي تتولى التدقيق في أعمال وسلوكيات القضاة، وتفتقر أيضاً، وجود مجلس أعلى للقضاء، يتولى محاسبة القضاة، بناء على تقارير المفتشين، كما أن القضاء يضم عناصر لا تصلح لتولي منصب القضاء، إضافة لعدم وجود حصانة للقضاة.
كيف أدى الفشل الأمني والقضائي لحدوث الأزمة؟
إن امتلاك الفصائل لسلطات أمنية في قطاعاتها، منع الشرطة من تعقب المجرمين بعد أن اتجهت سيارتهم تجاه منطقة بزاعة، وهي منطقة تابعة أمنياً لفصيل الحمزات، وبذلك يظهر أن أمنيات الفصائل شكلت عبئاً على جهاز الشرطة، وأعاقت التحقيق، ولم تستطيع لعب أي دور في حفظ الأمن، بل لاحقاً اعترف المجرمون أنهم يتبعون للكتيبة الأمنية لفرقة الحمزات، ونفذوا جريمتهم بأوامر “المعلم”.
بعد اكتشاف المجرم والقبض عليه، لم يكن القضاء الضعيف محل ثقة، مما أدى لإسناد القضية للجنة خاصة، وهذا الأمر ساهم في إبقاء الأزمة مفتوحة، فعادة تسعى اللجان الخاصة للوصول لحل بالتوافق بين أطراف القضية، وليس لتبيان حكم القانون في القضية، وكان المطلوب لتهدئة النفوس هو تنفيذ حكم القانون بالمجرمين، وهنا ربما أحس البعض بأنه يعيش في غابة، وبأن البقاء للأقوى، وأنه يجب أن يأخذ حقه بيده، فتفاعلت الأزمة لتصل إلى ما وصلت إليه لاحقاً.
لست هنا في وارد تعداد سلبيات، وعورات الأجهزة العاملة في مناطق درع الفرات، وغصن الزيتون، فهي كثيرة، ولكني أشير إلى أن المطلوب هو إصلاحات هيكلية تتضمن إنهاء سلطة الفصائل الأمنية، وإحداث مؤسسات قضائية تليق بثورتنا، وعدم الاكتفاء بعزل محافظ درعا.