نداء بوست – حوارات – محمد الشيخ
بشكل كبير وغير مسبوق، انخفضت قيمة الليرة التركية خلال الأيام الماضية إلى مستويات قياسية أمام الدولار، للمرة الأولى منذ قُرابة عقدين من الزمن، حيث ناهز سعر صرف الدولار الواحد 13.50 ليرة.
وانعكس هذا الانخفاض الحاد سلباً على منطقة شمال غربي سورية، التي بدأت في حزيران/ يونيو من عام 2020 التعامل بالعملة التركية بدلاً من السورية، بسبب الانهيار الذي شهدته الأخيرة حينها، وأملاً بإيجاد نوع من الاستقرار في السوق وفي أسعار مختلف المواد.
ومع الانخفاض الأخير في قيمة الليرة التركية، شهدت أسواق الشمال السوري ارتفاعاً جنونياً في أسعار المواد الغذائية والأساسية، حيث بلغ سعر ربطة الخبز في محافظة إدلب (400 غرام) ليرتين ونصف الليرة، وأسطوانة الغاز المنزلي 157.5 ليرة، وارتفع سعر خزان المياه سعة ألف لتر إلى 25 ليرة.
وينطبق الأمر ذاته على باقي المواد الأساسية من زيت وسكر وأرز وحليب الأطفال، إضافة إلى المواد المنتجة محلياً كالخضار.
ومع كل ذلك الارتفاع، إلا أن أجور العمال والموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة التركية بقيت على حالها، رغم خسارة الليرة نحو 50% من قيمتها مقارنة بمطلع شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، حيث كان سعر صرف الدولار الواحد 9 ليرات.
ما سبق يضاف إلى الأزمة الإنسانية والمعيشية الموجودة أصلاً في منطقة شمال غربي سورية التي تضم أكثر من 1300 مخيم للنازحين، يقطنها نحو مليون نسمة، الأمر الذي ضاعف من المعاناة وزاد الطينَ بلَّةً.
وللوقوف على تداعيات انخفاض قيمة الليرة التركية على الشمال السوري، والحلول الممكنة لتقليل الانعكاسات السلبية، أجرى موقع "نداء بوست" حواراً مع وزير الاقتصاد والمالية في الحكومة السورية المؤقتة الدكتور عبد الحكيم المصري، وهذا نصه:
"نداء بوست": بداية، برأيكم ما هي أسباب الانخفاض الكبير وغير المسبوق في قيمة الليرة التركية؟
المصري: الليرة التركية كانت تنخفض منذ عام 2011 بشكل مستمر، لكن ليس بهذه النسبة الكبيرة جداً، وخلال فترات قصيرة، ومن الممكن أن يكون أحد أسباب عدم استقرارها بهذا الشكل، هو انخفاض قيمة الفائدة، وسحب المودعين للقطع الأجنبي من أموالهم من البنوك.
يُضاف إلى ذلك طبيعة الاقتصاد التركي، والمواقف السياسية من بعض القضايا الإقليمية والدولية والخلاف حولها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا.
"نداء بوست": هل تعتقدون أن سبب ارتفاع الأسعار في الشمال السوري هو فقط انخفاض قيمة الليرة التركية، أم أن هناك عوامل أخرى أدت للغلاء؟
المصري: ارتفاع الأسعار في الشمال السوري، ليس سببه الوحيد انخفاض قيمة الليرة التركية رغم أنه عامل أساسي، إلا أن هناك أسباباً أخرى، مثل التضخم العالمي (الولايات المتحدة لم تتعرض منذ 30 عاماً لمثل هذا التضخم الذي تقدر نسبته بحوالَيْ 6%)، وفي الوطن العربي تجاوز معدل التضخم 11 و12%، وعند النظام السوري 72%.
في الشمال السوري وصل التضخم إلى 25% بحسب آخِر دراسة أجرتها الحكومة السورية المؤقتة في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي.
أيضاً من أسباب ارتفاع أسعار السلع، ارتفاع تكاليف الشحن البحري حيث تصل نسبة الارتفاع في بعض الأحيان إلى 300 و 400%، الأمر الذي انعكس على تكاليف السلع المستوردة وحتى المنتجة، فضلاً عن ارتفاع أسعار النفط عالمياً من 50 دولاراً إلى 75 و 85 دولاراً.
"نداء بوست": مؤخراً، تعالت أصوات مطالبة بإعادة تداول الليرة السورية بدلاً من التركية، برأيكم هل يمكن أن يكون هذا الأمر حلاً؟
المصري: انخفاض سعر صرف الليرة التركية، لا يعني أن الاقتصاد التركي ضعيف أو مشلول، على عكس اقتصاد النظام المشلول الذي تعتمد عليه الليرة السورية، وعودة تداوُلها في الشمال السوري ليس حلاً لارتفاع الأسعار، خاصة أن مَن يتسلَّمون رواتبهم بالليرة السورية في ريف حلب لا يتجاوز عددهم الـ10% من موظفي الشمال، وعلى العكس من ذلك فإن هذا الأمر له انعكاسات مستقبلية أخطر.
"نداء بوست": برأيكم ما هي الحلول الممكنة لتقليل انعكاسات انخفاض الليرة التركية على الشمال السوري؟
المصري: الحلول تتمثل برفع دخل العمال والموظفين ليتناسب مع ارتفاع الأسعار، فعلى سبيل المثال مَن كان يتقاضى 1000 ليرة تركية سابقاً يجب أن يحصل اليوم على 1500 أو 2000 ليرة، بحيث لا يتأثر بالتضخم الذي حصل، وتشغيل الأيدي العاملة بالاستثمارات.
لكن للأسف الاستثمارات في المنطقة ما زالت ضعيفة رغم تهيئة الظروف المناسبة من مناطق صناعية وبيئة استثمارية مستقرة إلى حد ما، وعلى العكس من ذلك انخفض عدد العمال في بعض المجالات كالزراعة، حيث أدى الجفاف إلى تخلي بعض أصحاب المشاريع عن أعداد لا بأس بها من العمال بسبب انخفاض الناتج الزراعي.
"نداء بوست": ما هي خطط الحكومة المؤقتة لمواجهة هذه الأزمة وتقليل تداعياتها؟
المصري: الحكومة المؤقتة اتخذت قراراً بتثبيت سعر الخبز (700 غرام بليرة تركية)، وتخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأساسية، إضافة إلى وجود خطة لرفع أجور الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة التركية، إلا أن هذا الأمر رغم أنه يعتبر الحل الأفضل يحتاج بعض الوقت للبدء بتنفيذه.
"نداء بوست": بالعودة إلى العملة التركية، ما هي توقعاتكم لمستقبل الليرة؟
المصري: من الممكن أن تبقى الليرة التركية غير مستقرة، لفترة معينة قد تستمر لعدة أشهر، لكن من المحتمل أنها ستستقر بعد ذلك عند سعر صرف معين، ومن المعلوم أن انخفاض سعر الصرف لا يعني أن اقتصاد الدولة غير قوي، وأوضح مثال على ذلك العملة اليابانية حيث يساوي الدولار الواحد حوالَيْ مئة ين ياباني.
"نداء بوست": ماذا يعني تخفيض الفائدة، ولماذا تُصِرّ الحكومة التركية على تخفيضها؟
المصري: يلجأ الكثير من المواطنين الأتراك إلى وضع أموالهم في البنوك مقابل الحصول على فائدة وصلت إلى 22 و 25% سنوياً، الأمر الذي قلَّل من التوجه نحو الاستثمار، لذلك الدول تتجه لخفض سعر الفائدة، في الولايات المتحدة محددة بـ 2.5، وفي اليابان صفر أو أقل حيث يُطلَب من المودع أن يدفع رسوماً.
هناك علاقة عكسية بين الاستثمار والفائدة، كلما انخفضت الفائدة زاد الاستثمار، وعجلة النمو في أي دولة هي الاستثمار وليس ارتفاع سعر الفائدة وتجميد الأموال في البنوك وتحميل الدولة عبء دفع الفوائد عليها.
"نداء بوست": حسب توقعاتكم، ما هي الحلول لوقف تدهور الليرة التركية؟
المصري: الحل بزيادة الإنتاج المحلي بشكل جيد، وضبط الأسواق إلى حدٍّ مَا، ومن الممكن أن يكون رفع سعر الفائدة على الدولار فقط لمرحلة معينة فقط.