المصدر: واشنطن بوست
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: هيئة التحرير
إن الكثير من الحروب تنتهي -إن لم يكن معظمها- بالتفاوض. وقد يكون هذا أيضاً ما يحدث مع الحرب التي شنّتها روسيا على أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر شباط/ فبراير، على الرغم من أن عضواً سابقاً في النظام الروسي كان قد حذّر من حثّ أوكرانيا على التفاوض في الوقت الذي لا يزال الرئيس فلاديمير بوتين يبدو عازماً على المزيد من الغزو. فقد قال بوريس بونداريف، الذي استقال مؤخراً من منصبه المتوسط المستوى في وزارة الخارجية الروسية احتجاجاً على الحرب، في مقابلة مع موقع “بوك” الإخباري: “لا يمكنكم عقد اتفاق سلام الآن”.
“إذا قمتم بذلك، فسوف يُنظر إلى الأمر على أنه انتصار روسي”. وقال السيد بونداريف بأن ذلك من شأنه أن يُشجّع نظام بوتين على استغلال وقف إطلاق النار لإعادة التسلُّح، ثمّ استئناف الحرب؛ لأنه: “فقط الهزيمة الكاملة والواضحة الجَليّة للعيان ستُعلّمهم”.
السيد بونداريف يشير إلى نقطة مُقنعة؛ حيث ستكون كارثة أخلاقية وإستراتيجية إذا تمّت دعوة السيد بوتين لإجراء محادثات قبل إحباط أهدافه الرئيسية في الحرب. إن هذا الأمر واضح بشكل ساطع بالنسبة لممارس مبتدئ للشؤون السياسية الدولية، فكيف أفلتت هذه الفكرة الحكيمة من الشخصيات الأكثر خبرة. فقد قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في المُنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا: إنه يتعيّن على الحكومات الغربية دفع أوكرانيا لإجراء محادثات مع السيد بوتين في الأيام الستين المُقبلة، فضلاً عن دعم التنازُلات الإقليمية الأوكرانية الدائمة، خِشية تحوُّل الصراع إلى “حرب جديدة ضد روسيا نفسها” تكون مُزعزِعةً للاستقرار.
يبدو أن تفكيراً مشابهاً يوجد في إيطاليا والمجر، اللتين يُقال إنهما تحثّان الاتحاد الأوروبي على الدعوة إلى وقف إطلاق النار ومحادثات السلام في قمة الاتحاد التي ستنعقد الأسبوع المقبل. كما طالب زملاؤُنا في هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز الرئيس بايدن بإسداء النصح لـ كييف بعدم “السعي واللهاث خلف انتصار وهمي”.
ولكن تظلّ هذه هي وجهة نظر الأقلية داخل التحالف الغربي، وهي ما يجب أن يكون عليه الحال. كما قد أوضحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في دافوس: “يجب أن تنتصر أوكرانيا في هذه الحرب، ويجب أن يلقى عدوان بوتين فشلاً إستراتيجياً”.
من المُؤكَّد أن الحرب مُكلفة للغاية للعالم بأسره. يجب أن تنتهي في أقرب وقت مُمكن وبشكل معقول. وقد أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى أنه سيتحدّث مع السيد بوتين بمُجرّد انسحاب روسيا إلى خطوط ما قبل الحرب، والتي بموجبها سيطرت على شِبه جزيرة القرم ومساحة من الأراضي الإضافية.
كما يُصرّ السيد زيلينسكي على أن السلام الزائف سيكون أمراً سيئاً كونه عديم الفائدة وأن الحديث السابق لأوانه عن التسوية يجب ألا يُقوّض الجهود العسكرية لأوكرانيا.
إنه كما لاحظ كيسنجر وآخرون بحق، فإن لدى موسكو وسائل كثيرة لتصعيد الحرب – ليس أقلّها استخدام الأسلحة النووية.
ومع ذلك، فإن الشيء اللافت للنظر في الأشهر الثلاثة الماضية من الحرب هو مدى ضآلة الرغبة التي أظهرها السيد بوتين بالفعل في المواجهة مع الغرب. يبدو أن الخطوط الحمراء لحلف الناتو، العامة والخاصة، لا زالت ثابتة. كما أن السيد بوتين لا يُظهر علامات الاهتمام بصفقة مثل تلك التي يبدو أن كيسنجر يفترض أنه سيقبلها، على عكس الاستيلاء الصريح على أوكرانيا بالكامل الذي سعى إليه بوتين مراراً وتكراراً بشكل علنيّ.
ربما يفشل الهجوم المُضاد لأوكرانيا، وسيصل الوضع العسكري في النهاية إلى طريق مسدود بحيث تصبح التسوية التفاوضية أمراً لا مفرّ منه. في الوقت الحالي، على الرغم من ذلك، فإن أفضل طريقة بالنسبة لأصدقاء أوكرانيا هي تسريع شحنات الأسلحة الحيوية والتوقُّف عن التفاوض مع أنفسهم.