المصدر: واشنطن بوست
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: جينيفر روبين
تعمل الأنظمة القمعية مثل إيران وروسيا على أساس أنها إذا اعترفت بأي خطأ أو سمحت بأي معارضة أو أيّدت أي احتجاج، فقد ينهار نظامها. لكن ما نراه في روسيا وإيران يكشف قاعدة أخرى مفادها أن الأنظمة التي تدفع بشعبها إلى نقطة الانهيار تخاطر بوقوع تمرُّد واسع النطاق.
تتواصل الاحتجاجات في إيران بعد أكثر من أسبوع مرّ على وفاة محساء (مهساء) أميني البالغة من العمر 22 عاماً بعد أن تم احتجازها من قبل “شرطة الآداب” بتهمة انتهاك قواعد اللباس الشرعي في البلاد. وقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست “أن الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي فجّرها مقتل محساء لا تزال مستعرة في جميع أنحاء إيران. فالمتظاهرون، وكثير منهم من النساء، يواصلون التعبير عن احتجاجهم والشرطة الإيرانية تقوم بمواجهتهم. حيث يقوم المتظاهرون بتمزيق وحرق اللوحات واللافتات التي تحوي صوراً لآية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للبلاد”. وقد تمّ قتل أكثر من 30 شخصاً خلال هذه المواجهات. وقد قامت صحيفة الواشنطن بوست بالتحقق من مقطع فيديو يُظهر قيام الشرطة بإطلاق النار على حشود من المتظاهرين.
وفي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، كانت لهجة إدارة بايدن لاذعة في إدانتها لإيران. فقد صرّح الرئيس بايدن يوم الأربعاء قائلاً، “اليوم نقف مع المواطنين والنساء الشجعان في إيران الذين يتظاهرون حالياً للحصول على حقوقهم الأساسية.” كما استنكر وزير الخارجية أنطوني بلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزيرة الخزانة جانيت إل يلين وحشية النظام، وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن فرض عقوبات جديدة ضد شرطة الأخلاق الإيرانية. (بالإضافة إلى مجموعة من العقوبات التي تخضع لها إيران مسبقاً). وقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست يوم الجمعة أن وزارة الخزانة “أدخلت تعديلات على العقوبات الأمريكية ضد إيران للسماح لشركات التكنولوجيا بمواجهة إغلاق الحكومة الإيرانية للإنترنت ومراقبته”.
لقد كان هذا الردّ من قبل بايدن وهو أقوى مما رأيناه في عهد الرئيس باراك أوباما في عام 2009، عندما اندلعت الاحتجاجات في إيران خلال ما يسمى بالثورة الخضراء. فمن خلال تصريحاته، أوضح بايدن قلقه من أن الغرب يتفاعل مع محنة شعب مكبوت.
أما بالنسبة لروسيا، فهي في حربها غير المبررة على أوكرانيا، تستمر في الدفع بالجيش الروسي لتكبّد خسائر فادحة. وقد نظّم الكرملين ما وصفه الزعماء الغربيون بالاستفتاءات الزائفة في مناطق شرق وجنوب أوكرانيا، بهدف إظهار رغبة المناطق المحتلة المزعومة في الانضمام إلى روسيا. واستدعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يصل إلى 300 ألف جندي احتياطي – وهو الأمر الذي دفع الروس إلى النزول إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم من هجوم بلادهم على أوكرانيا.
لقد كلّفت تحركات بوتين الشعب الروسي عشرات الآلاف من الأرواح، وأدّت إلى فرض عقوبات مُعوّقة على اقتصاد البلاد، وجعلت سمعة روسيا في الحضيض وفشلت في تحقيق هدف بوتين المتمثل في الإطاحة بالحكومة الأوكرانية. وقد أصبح الشعب الروسي الآن أمام خيارين إما الفرار من البلاد أو مكابدة ظروف التجنيد الإجباري. في إحدى الاحتجاجات، نقلت صحيفة الواشنطن بوست، هتاف أحد المواطنين الروس وهو يقول: “لا أنوي الموت من أجل بوتين”.
وأشارت الإذاعة الوطنية العامة إلى أن بوتين شدّد العقوبة على التخلّف عن الجيش إلى 10 سنوات سجن، وهو مؤشر على جدّية رفض المواطنين للخدمة الإلزامية في هذه الظروف. وأضافت الإذاعة الوطنية العامة أن “المدافعين عن حقوق الإنسان يقولون إن الشرطة اعتقلت أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات التي اندلعت في عشرات المدن الروسية، حيث هتفت الحشود” لا للحرب! “و”فليذهب بوتين إلى الخنادق!”.
لا شك أن بوتين سيستمر في قمع المعارضة بوحشية، ولكنه لا يستطيع قمع الأدلة المتواصلة التي تشير إلى حالة السخط داخل روسيا بشأن إدارة الحرب. أما بالنسبة للاقتصاد الروسي المُتعثر والعزلة شبه الكاملة في المجتمع الدولي – فيكفي أن نسمع الصين (وهي حليفة روسيا) تُعرِب عن “القلق” وتتحدث عن الصراع، فهذا يشير إلى أن روسيا هي حقاً دولة معزولة- وبوتين في وضع أضعف بكثير مما كان عليه في وقت سابق من هذا العام. لذلك يجب مواصلة الدعم للهجوم الأوكراني الحالي.
بالإضافة إلى تشديد الخناق وفرض المزيد من العقوبات، يمكن للولايات المتحدة أن تقدم مساهمة مهمة أخرى للحركات المناهضة للاستبداد في العالم: يمكنها أن تكون نموذجاً لاحترام الحريات المدنية وحقوق الإنسان في الداخل -بما في ذلك حقوق الحرية الإنجابية- وإجراء انتخابات شفّافة ونزيهة وسلمية.