المصدر: واشنطن بوست
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: إيشان ثارور
مع استمرار الحرب، تتعمّق أوجُه التشابه، لقد تسبب الغزو الروسي بالفعل في أزمة لاجئين هائلة، وأفرغ العديد من المدن والبلدات الأوكرانية، وأدّى إلى معاناة عدد لا يُحصى من المدنيين الأوكرانيين. ويقول عدد متزايد من المحللين بأن الصراع يجب أن يُنظر إليه في سلسلة مُتّصلة مع تدخّل روسيا عام 2015 في الحرب السورية، وهو الأمر الذي لعب دوراً رئيسياً في قلب موازين المعركة لصالح الطاغية السوري المحاصر بشار الأسد.
كانت التكتيكات الوحشية وحملات القصف التي اتّبعتها روسيا على امتداد أراضي الدولة الشرق أوسطية بمثابة عملية تجريبية للجهود الحربية الروسية في أوكرانيا.
وفي أقل من شهرين، أحدثت المعارك آثاراً على الأرض مألوفة بشكل مأساوي لأي شخص عانى أو شاهد انفجار الوضع الداخلي في سورية والذي دام عقداً من الزمن. وقد قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في منتدى دولي الشهر الماضي، مُشبّهاً المدينة الساحلية المحاصرة والمدمرة بالعاصمة الاقتصادية التي دمرتها الحرب في سورية: “انظروا إلى مدينة ماريوبول، هذا بالضبط ما رأيناه في مدينة حلب”.
وجد أعداء زيلينسكي المفترضون استعاراتهم الخاصة أيضاً، فعندما تدفقت القوات الروسية عَبْر الحدود الأوكرانية في أواخر شباط/ فبراير، استفاد الأسد نفسه من هذا الغزو حيث ساوى بين “الإرهابيين” الذين ساعدت روسيا في إخضاعهم في سورية – بغض النظر عن تقديرات إحدى مجموعات المراقبة التي تدّعي أن الغارات الجويّة الروسية قتلت ما يصل إلى 25000 مدني في سورية منذ عام 2015 – وبين “النازيين” الذين سعى الكرملين إلى هزيمتهم في أوكرانيا.
كما وصف الأسد الغزو بأنه “تصحيح ضروري للتاريخ وإعادة توازن للعالم وهو الأمر الذي خسره العالم بعد تفكك الاتحاد السوفياتي”.
ماريوبول الأوكرانية تحت الحصار، إنه تكتيك زمن الحرب يعرفه بوتين جيداً.
تتصاعد أصداء الصراع في سورية بصورة أعلى في أوكرانيا، كما أوضح زملائي كلير باركر وآدم تايلور في مقطعين منفصلين الشهر الماضي حيث تشير التقارير إلى أن الضربات الروسية قتلت المدنيين بشكل عشوائي، وضربت المستشفيات والمدارس ودمّرت البنية التحتية الحيوية- مع ماريوبول الأكثر وضوحاً ولكن بعيداً عن الهدف الوحيد لتحمّل مثل هذا القصف. وكما هو الحال في سورية، قال دانييل بالسون، مدير المناصرة في أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة العفو الدولية، لباركر: “إن الكثير من الخسائر المدنية التي نوثقها (في أوكرانيا) سببها القنابل الغبية، وليس الأسلحة الموجهة”.
“من المستحيل استخدام مثل هذه الأسلحة في هذه المناطق المُكتظّة بالسكان مع ضمان عدم فقدان أي مدنيين لأرواحهم”.
ويجادل نشطاء المعارضة السورية بأن الإفلات الظاهر من العقاب بعد العنف الذي مارسته روسيا لدعم النظام السوري أصبح مرئياً مرة أخرى في أنقاض المدن الأوكرانية.
وقال رضوان الحمصي، ناشط سوري في جنوب تركيا: إن الروس “مستعدّون لالتهام الأخضر واليابس” ، مستخدماً لغة عربية تعني تدمير كل شيء في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز الشهر الماضي. إنهم لا يهتمون بالمجتمع الدولي أو بأي شيء آخر. لقد رأينا ذلك في سورية. المدارس المحترقة ليست جديدة علينا. إنها الأرض التي يريدون أخذها وسيأخذونها”.
هذا الأسبوع، بينما أعاد الكرملين تقويم مجهوده الحربي الأوكراني في أعقاب الهزائم اللاذعة في أجزاء مختلفة من البلاد، عيّن الرئيس فلاديمير بوتين قائداً جديداً للجهود الحربية – قائداً ذا خبرة في سورية. كان الجنرال ألكسندر دفورنيكوف أول قائد أشرف على الحرب الجوية الروسية دفاعاً عن نظام الأسد. وقد أشارت صحيفة “فاينانشيال تايمز” إلى أنه “منذ وجوده في سورية، يُعرف في الغرب بتثبيته للتفوق الجوي الذي سمح للطائرات الروسية والسورية بتنفيذ قصف مُدمّر فوق إدلب وحلب، مما أدّى إلى مقتل العشرات من المدنيين”.
في أوكرانيا، كما هو الحال في سورية، زادت قتامة ضباب الحرب بسبب حملات التضليل والدعاية. فبعد أن أبلغ المسؤولون الأوكرانيون عن هجوم مزعوم بأسلحة كيماوية في ماريوبول هذا الأسبوع – وهو هجوم يكتنفه الغموض حتى الآن ولم يتم التحقّق منه من قِبل أي وسائل إعلام مستقلة، تحوّل الانتباه إلى الطرق التي تتدخل فيها روسيا مع النظام السوري في استخدامه الموثق للعوامل الكيماوية في مناطق سيطرة قوات المعارضة.
يبدو أن دور روسيا في المساعدة على إنشاء “ممرات إنسانية” في سورية ونقل المدنيين قسراً إلى خارج المدن التي كان النظام يستعيد السيطرة عليها قد تكرر في مناطق شرق أوكرانيا التي اجتاحتها القوات الروسية. ترى الجماعات الحقوقية الدولية في أوكرانيا استمراراً للعمليات التي شهدتها سورية والحروب السابقة في الشرق الأوسط.
ففي الشهر الماضي، قالت أغنيس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: إن فشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في التصرّف بشكل حاسم بشأن أوكرانيا – بفضل حق روسيا في استخدام حق النقض في مجلس الأمن، يُمثل فشلاً آخر لهيئة الأمم المتحدة و”تكراراً لما رأيناه في سورية”.
ولم تُعْفِ كالامارد الولايات المتحدة من نقدها فقالت: “الأزمة في أوكرانيا الآن، الغزو، ليست مجرد أي نوع من أنواع انتهاك القانون الدولي، بل هو عدوان”. “إنه انتهاك لميثاق الأمم المتحدة من النوع الذي رأيناه عندما غزت الولايات المتحدة العراق”.
إن أحد الأمور التي لا يوجد مثلها في المسألة السورية موجود في مسألة أوكرانيا وهو التعاطف والدعم الذي أظهرته أوروبا للاجئين الأوكرانيين. حيث تفتح الحكومات الغربية أبوابها أمام الأوكرانيين، وتُسرّع في إجراءات اللجوء وتُعرِب عن تضامُنها مع محنة أوكرانيا.
ولكن كانت الصورة مختلفة إلى حدٍّ ما قبل أكثر من نصف عقد عندما سعى مئات الآلاف من السوريين إلى ملاذ آمِن في أوروبا، ليجدوا أنفسهم في كثير من الأحيان موصومين على أنهم تهديدات ومشكلة لا تريدها أي حكومة أوروبية. ومع ذلك، فإن المعارضين السوريين لنظام الأسد يحتشدون الآن خلف أوكرانيا.
ويفصّل مقال نشرته وكالة الأنباء الفرنسية كيف يساعد خبراء الطب الشرعي السوريون الأوكرانيين في توثيق جرائم الحرب وتقارير الهجمات بالأسلحة الكيماوية، بينما تُنظم مجموعة من الأطباء في محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة دروساً عبر الإنترنت للممرضين الأوكرانيين حول كيفية معالجة الضحايا في مواجهة الغارات الجوية والقصف المستمر.
ويقول رائد الصالح، وهو قائد منظمة الدفاع المدني السورية، وهي جماعة تطوعية تُعرف باسم “الخوذ البيضاء” لوكالة فرانس برس: “ولكن إذا أفلت بوتين من العقاب، فإن الجريمة التالية ستكون مسألة وقت فقط”.