نداء بوست – تحقيقات – محمد الشيخ
بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، أعلنت "قسد"، مساء الخميس الماضي، تعرض سجن الصناعة في حي غويران جنوب مدينة الحسكة، لهجوم كبير من قبل خلايا تنظيم "داعش"، بدأ باستهداف بوابة السجن بسيارة مفخخة، وتفجير صهريج محروقات، تلاه اشتباكات مع عناصر الحراسة.
وتزامن الهجوم مع استعصاء داخل السجن الذي يضم المئات من عناصر تنظيم "داعش"، الذين قاموا بحرق الأغطية والمواد البلاستيكية داخل المهاجع، وفقاً لرواية "قسد" الرسمية، التي ذكرت أيضاً أن العناصر الذين هاجموا السجن فروا إلى حيّ الزهور القريب، واختبئوا في منازل المدنيين.
مصادر محلية في الحسكة، أكدت أن معتقلي "داعش" سيطروا صباح الجمعة على معظم السجن وعلى أسلحة وذخائر الحراس، وتمكن العشرات منهم من الفرار، بالتزامن مع استمرار الاشتباكات مع عناصر "قسد".
واستمرت الاشتباكات يوم السبت وبدأت وتيرتها بالتراجع يوم الأحد، حيث أعلنت "قسد" السيطرة بشكل كامل على "الوضع الاستثنائي" الذي كان يحاول "داعش" الاستفادة منه للفرار، مؤكدة أنه "ليس بإمكان عناصر التنظيم المتبقين في أسوار السجن الفرار الآن".
التحالف الدولي يعلق
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية دعم "قسد" في المعارك التي دارت في محيط السجن، عبر تنفيذ بعض الضربات الجوية، فيما اعتبرت وزارة الخارجية أن الهجوم "يسلط الضوء على أهمية التحالف الدولي لهزيمة داعش وضرورة تمويله بالكامل لتحسين الاحتجاز الآمن، ويؤكد الحاجة الملحة على إعادة البلدان لمواطنيها المحتجزين في الشمال الشرقي من سورية".
من جانبه، قال اللواء جون برينان، قائد قوة المهام المشتركة لعملية "العزم الصلب": "في هذه المحاولة اليائسة لإظهار الأهمية، لقد أصدر داعش حكماً بالإعدام على العديد من أفراده نتيجة لهذا الهجوم، الذي جعله أضعف".
برينان أشار في الوقت ذاته إلى أنه وعلى الرغم من هزيمة التنظيم العسكرية لا يزال "داعش" يمثل "تهديداً وجودياً" للمنطقة، مؤكداً أن بقاء التنظيم في المستقبل "يعتمد على قدرته على إعادة رص صفوفه من خلال محاولات سيئة التخطيط مثل هجوم الحسكة".
أهداف الهجوم
يرى الباحث في مركز "جسور" للدرسات، أنس شواخ، أن ما يجري في سجن الصناعة أقل ما يمكن وصفه بأنه خرق أمني كبير تعرضت له الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لـ"قسد" وحتى للتحالف الدولي، وهو قد يكون متعمداً أو تم بتساهل، أو قد يكون خرق طبيعي ناتج عن جهد وعمل لخلايا "داعش".
وأكد شواخ في حديث لموقع "نداء بوست" أنه في كلتا الحالتين تتحمل "قسد" وقوات التحالف مسؤولية هذا الهجوم ومخاطره الكبيرة على المنطقة والمدنيين بشكل كامل.
وحول أهداف الهجوم، أوضح محدثنا أن هناك جملة من المقاصد التي يسعى التنظيم لتحقيقها، ربما على رأسها إعادة تأمين صفوفه داخل سورية والعراق من خلال الاستفادة من الكوادر البشرية التابعة له الموجودة في سجن "الصناعة"، خاصة وأنه يضم قرابة 4 أو 5 آلاف من عناصره، معظمهم من الأجانب ذوي الخبرة القتالية العالية وجزء منهم من الأمنيين الذين يحتاجهم التنظيم في الوقت الحالي بشكل كبير للاستمرار في نشاطه وعمل خلاياه.
وأضاف: "كما أن التنظيم يسعى لإعادة الثقة به من قبل عناصره ومؤيديه والخلايا التابعة له في سورية والعراق، ويحاول إعادة إنتاج صورته السابقة قبل هزيمته في الباغوز خاصة وأنه منذ ذلك الحين لم يصل إلى مرحلة السيطرة الجغرافية على أي منطقة من المناطق".
بدوره، رأى جيروم دريفون، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، أن تنظيم "داعش" "ليس في الوضع نفسه الذي كان عليه عندما كان يسيطر على منطقة واسعة ويتخذ قراراته بطريقة هرمية".
وأضاف أن العملية نفذت "إما لإرسال إشارة على عودة التنظيم، أو قد تكون ذات بعد محلي ونفذتها خلية تريد إطلاق سراح عناصر من هذا السجن بالتحديد"، وفقاً لما نقلت وكالة "فرانس برس" عنه.
من جانبها، اعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الهجوم يمثل "محاولة لرفع الروح المعنوية لأتباع تنظيم داعش من خلال العودة إلى أحد تكتيكاته الأصلية المتمثل في تهريب عناصره السجناء".
دلالات العملية والسيناريوهات المحتملة
يقول شواخ إن قدرة التنظيم على تحقيق هذا الخرق الأمني الكبير، يعني عدم جدوى العمليات الأمنية المتكررة التي كانت تقوم بها "قسد" بدعم من التحالف الدولي، في مناطق شمال شرقي سورية.
وفيما إذا كان التنظيم سيلجأ إلى إستراتيجية جديدة في عملياته، قال شواخ: "لا يوجد مؤشرات على إستراتيجية جديدة للتنظيم، كما أن المعطيات على أرض الواقع لا تساعد التنظيم على ذلك، لكن ربما أو غالباً سنشهد ارتفاعاً في مستوى نشاط خلايا التنظيم الأمنية في سورية والعراق وذلك في إطار الاستفادة من زخم هذه العملية، وربما الاستفادة من الموارد البشرية أو العناصر الذين قد ينجح التنظيم في إطلاق سراحهم".
وأردف: "بالرغم من التوقعات بارتفاع مستوى نشاط خلايا تنظيم داعش على الصعيد الأمني، إلا أنه من المستبعد جداً قدرة التنظيم على إعادة السيطرة العسكرية المباشرة على المناطق".
وحول السيناريو المتوقع في السجن وعموم منطقة الشمال الشرقي، يرجح شواخ أن تنجح "قسد" بإعادة السيطرة على السجن حتى إن كلف ذلك سقوط مزيد من القتلى من كلا الطرفين خاصة بعد مشاركة قوات التحالف الدولي وتدخل سلاح الجو التابع لها، أي أن جميع المعطيات الآن تدل على عودة سيطرة "قسد" على السجن.
أما بالنسبة لمنطقة شمال شرقي سورية بشكل عام، فمن المتوقع -بحسب الباحث في مركز جسور للدراسات- أن تشهد مزيداً من الاستنفار الأمني من قبل جميع الأطراف، وأن تسفيد "قسد" من هذا الهجوم في تبرير أي أعمال أمنية أو تصعيد أمني لخدمة مصالحها.
كما أنه من المحتمل أن تزيد خلايا التنظيم من نشاطها في مناطق سيطرة "قسد" تحديداً مستفيدة من الموارد البشرية التي قد تحصل عليها جراء إطلاق سراح عناصرها من سجن الصناعة وهذا يعتمد على كيفية إنهاء هذا الهجوم الذي قد يكون أحد سيناريوهاته هو إطلاق سراح عناصر من التنظيم مقابل إنهاء الاستعصاء وإعادة بسط السيطرة على السجن، وفقاً لمحدثنا.
هجوم "غويران" يضع علامات استفهام حول أداء ودور "قسد"
وضع التقدم السريع لعناصر "داعش" في السجن، "قسد" في موضع شك، حول دورها في ذلك، خاصة وأنها اعتقلت في شهر كانون الثاني/ ديسمبر الماضي، شخصاً يدعى محمد عبد العواد، وقالت إنه قيادي في "داعش" كان يخطط لاقتحام سجن الصناعة، بذات الخطة التي حصلت يوم الخميس الماضي.
وفي الاعترافات التي بثتها "قسد"، ذكر العواد، أنه كان يخطط لعملية اقتحام السجن، رفقة مجموعة مكونة من 25 عنصراً، مزودين بسيارتين مفخختين، الأولى أساسية والثانية احتياطية تلحق بالأولى، بالإضافة إلى سيارة ثالثة محملة بالسلاح, وتتوزع مهام العناصر بين "استشهاديين" وانغماسيين.
وتقتضي الخطة، أن يفجر الانتحاري السيارة الأولى ليفتح ثغرة في باب السجن، وفي حال نجاحه في ذلك, تدخل سيارة السلاح والذخيرة من الباب، ثم يأتي دور السجناء الذين يقع على عاتقهم إجراء استعصاء والوصول إلى سيارة السلاح، لحمله والمشاركة بالاشتباك إلى حين هروب جميع السجناء.
وحول الانهيار المفاجئ لإجراءات "قسد" الأمنية، قال شواخ إن ذلك يمكن قرأته وفق تفسيرين محتملين، الأول هو وجود خرق أمني على مستوى عالٍ للتنظيم داخل صفوف قيادات "قسد" العليا، "خاصة وأنه كما نعلم أنه لا يزال هنالك الكثير من عناصر وأمنيي داعش في مراكز قيادية وحساسة داخل قسد".
أما التفسير الثاني -وفقاً لشواخ- فهو وجود اتفاق أو تسهيل متعمد من قبل "قسد" لهذا الهجوم بالرغم من معرفتها بارتفاع مستوى الخطر باتجاه هذا السجن بالتحديد، وهذا التساهل بالتأكيد له مكاسب تسعى "قسد" لتحقيقها كمحاولة طلب مزيد من الدعم من قوات التحالف الدولي أو المجتمع الدولي بشكل كامل، كما أنها قد تكون تسعى للضغط الأقصى في ملف عناصر داعش المعتقلين لديها والدفع باتجاه محكامات تقوم هي بها مما يمنحها ربما نوع من الشرعية مستقبلاً.
بالمقابل "قسد" كانت تعلم أن أثر هذا الهجوم أو مخاطره سيكون محدوداً عليها في المنطقه في ظل انتشار قوات التحالف الدولي ومساندتها لها وثقتها بأنها ستتلقى المساندة.
جدير بالذكر أن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أكد أن ما يصل إلى 45 ألف شخص نزحوا من منازلهم إلى أحياء أخرى من مدينة الحسكة، منذ بدء هجوم التنظيم على سجن غويران مساء الخميس.