لاحت في الأفق خلال الساعات الأخيرة، مؤشرات على إمكانية إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية ضد قطاع غزة، وذلك بعد أيام من التصعيد الجوي والقصف المتبادل مع فصائل المقاومة الفلسطينية.
ووفق آخر حصيلة رسمية لوزارة الصحة بقطاع غزة، أسفرت الغارات الإسرائيلية المتواصلة منذ يوم الاثنين، عن سقوط 119 ضحية مدنية من الفلسطينيين، بينهم 27 طفلا و11 سيدة، وإصابة 621 بجروح.
وقالت دائرة الإعلام الحكومي في غزة إن "جيش الاحتلال قصف 60 مقرا حكوميا ودمر أكثر من 500 وحدة سكنية بالكامل". وأضافت في بيان أن التقديرات الأولية للخسائر نتيجة العدوان على غزة بلغت 73 مليون دولار أمريكي.
الجيش الإسرائيلي لم يدخل غزة
القيادي في حركة حماس "محمود مرادوي" رأى أن الاحتلال يخوض الحرب بلا رؤية سياسية وليست له أهداف، وأضاف: "نتنياهو يقول إنه يهدف إلى إعادة الهدوء، لكنه هو من تسبب بزعزعة هذا الهدوء؛ جراء رضوخه لضغوط الجماعات الدينية المتطرفة".
وتابع "مرادوي" في تصريحات لـ "نداء بوست: "الاحتلال لن يجرؤ البتة على شن حرب برية، سيما وهو يعاني من جبهات أخرى يواجهها لأول مرة متمثلة في المدن الفلسطينية في الداخل المحتل عام 1948".
وأكّد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي فجر الجمعة، أنّه لم يدخل قطاع غزّة، وذلك خلافاً لما كان أعلنه في وقت سابق ليل الخميس، متحدّثاً عن مشكلة "تواصل داخليّة".
مواجهات في الداخل المحتل تهدد استمرار العمليات
تشهد البلدات الفلسطينية في الداخل المحتل مواجهات مستمرة مع قوات الاحتلال منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة، ما اضطر قادة الاحتلال لإرسال قوات من الجيش وقوات من حرس الحدود لتهدئة الأوضاع فيما، وصفت الصحف الإسرائيلية ما يحدث بأنها "حرب أهلية".
وتركزت المواجهات في كل من الجليل والمثلث واللد والناصرة ويافا ومعظم المدن ذات الكثافة العربية الفلسطينية أو المدن المختلطة.، ما أوقع عشرات الجرحى جراء اعتداء الاحتلال عليهم.
وكانت صحيفة "هآرتس"، قد كشفت أمس الخميس، أن جيش الاحتلال يستعد لتلقي تعليمات بوقف الحرب على غزة خشية تداعيات انفجار الأوضاع الداخلية في أعقاب الاعتداءات التي ينفذها أعضاء المنظمات الإرهابية في مناطق وجود فلسطينيي الداخل.
حرب نتنياهو الذاتية
وصف، صلاح العواودة، المختص في الشأن الإسرائيلي، ما يحدث بأنها "حرب نتنياهو"، مضيفاً: "منذ آخر عملية عسكرية شنها على غزة ولا يستطيع تشكيل حكومة مستقرة، ومرت على بلاده منذ ذلك الوقت 4 انتخابات والخامسة قادمة".
وبحسب "عواودة " الذي تحدث إلى "نداء بوست" فإن "نتنياهو" يحاول الحصول على أي مكتسبات ممكنة، من هذه الحرب، وهو لا يستطيع أن يرفض ضغوط الجماعات الدينية، وفي ذات الوقت لا يستطيع أن "يسلم خصومه السياسيين رقبة الحكومة"، مرجحاً أن يكون مستقبل نتنياهو السياسي انتهى في هذه الحرب وأن هناك قادمين جدد، أبرزهم خصمه اللدود "نفتالي بينيت".
في السياق، قال الكاتب الفلسطيني سعيد الحاج، إنّ "الحرب في حال انتهت بشكلها الحالي قد يخسر نتنياهو مستقبله السياسي، ويحاكم ويسجن، إذا لم يحقق أي هدف من هذه الانتخابات التي لم يذكرها أصلاً".
ورأى الكاتب الفلسطيني، أنّ "الاحتلال الإسرائيلي قد يذهب لتسجيل انتصار وهمي، أو قد يذهب إلى الاغتيالات، أو لاستهداف المدنيين، وربما يلجأ إلى عملية عسكرية برية، لكن ذلك غير وارد لأن كلفة العملية العسكرية كبيرة قد تتسبب بقتل وأسر عدد كبير من جنوده". كما أنّ تحرّك سكّان المدن الفلسطينية داخل المناطق المحتلة تعتبر جبهة إضافية ومن الصعب أن يفتح جبهة في غزة وأغلب الظن أنه قد يلجأ إلى توغل محدود.
وتتسبب الأزمة السياسية في داخل "إسرائيل" على تقليص قدرة القيادة السياسية تحديداً على اتخاذ قرار وقف العدوان على غزة، لأن من يتحكم في قرار الحرب هما رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" ووزير الدفاع "بني غانتس"، وكلاهما في حالة صراع سياسي مفتوح وعلني.
نظرية الرشوة
ويرى المراقبون الإسرائيليون أن قادة الاحتلال في حيرة حقيقية مما يجري، متسائلين عن كيفية التعامل مع هذا القطاع المتراكم قوة، وهم قد جربوا معه الحصار والتضييق ولم يفلح الأمر، فجربوا ما وصفوه بـ "نظرية الرشوة" وهو السماح باستقدام الأموال والمساعدات، علّ القائمين على حكم غزة يتمسكون بالهدوء أكثر من ذي قبل، لكن ذلك لم يفلح هو الآخر.
ويعلق الكاتب والمقرب من حركة حماس "إبراهيم المدهون" على هذا بقوله: "جرّب الاحتلال مع غزة كل السبل، وكلها لم تفلح، الاحتلال يظن أن غزة تطلب شيئًا لا تطيقه، وهنا المشكلة، غزة وشعبها وقيادتها ومقاومتها متمسكة تمامًا بحقها في تحرير فلسطين كل فلسطين وليس لديها هدف أقل من هذا المستوى".
وتابع: "يتجلى هذا بشكل واضح في نداء المقدسيين في بدايات هذه المواجهة "حط السيف قبال السيف واحنا رجالك محمد ضيف" وهتافهم "يا غزة يلا من شان الله" واستجابة المقاومة لذلك خلال ساعات معدودة وكانت كل مدن الاحتلال تحت نيران المقاومة وهو ما لم تتوقع إسرائيل لا مخابراتها العسكرية.
وقف إطلاق النار قد يكون مفاجئًا
حتى هذه اللحظة لا يبدو أن أي من الطرفيين يفكر بوقف إطلاق النار، فالمقاومة من جهتها تتمسك بأن يكف الاحتلال يده عن القدس، والاحتلال يرى أنه يريد أن يثبت معادلة أن غزة شأن والقدس شأن آخر مراهناً على الدعم الدولي المعتاد له، إضافة إلى قوته العسكرية المدمرة التي يتمتع بها.
ويعد موقف إدارة الرئيس الأميركي "جو بايدن"، أحد العوامل التي تمكن إسرائيل من إطالة أمد العدوان؛ وعلى الرغم من اتصال وزير الخارجية الأميركي "أنتوني بلينكن" بنتنياهو وحثه على إنهاء العدوان، إلا أن إدارة بايدن أحبطت تحركاً صينياً ونرويجياً لعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن لبحث العدوان على غزة، كان يُفترض أن تُعقد اليوم الجمعة، وأصرت على عقدها بعد غد الأحد.
لكن ووفق مراقبين، فإن إسرائيل التي لم تسجل حتى اللحظة أي إنجاز يذكر ولم تعلن عن مجموعة من الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها في هذه الحرب وعليه، لن يكون هناك جدوى من تواصل المواجهة إلى أمد بعيد في ظل العجز عن وقف إطلاق الصواريخ، فليس من المستبعد أن توقف إسرائيل الحرب بعد أيام، بحيث تبرر ذلك بأنها حققت أهدافها عبر المس بقدرات "حماس" العسكرية والبشرية، كما توقع المتحدث السابق بلسان الجيش الإسرائيلي "روني ملنيس".