مترجم – إدارة الدولة المسؤولة
إذا كان صحيحًا أن الروس اعترضوا صواريخ إسرائيلية تستهدف الميليشيات المدعومة من إيران، فقد يتعين على واشنطن التدخل.
أثارت التصريحات الأخيرة لأدميرال روسي ومصدر روسي مجهول تكهنات حول ما إذا كانت روسيا ستغير نهجها فيما يتعلق بالضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية وحزب الله في سوريا.
إذا حدث مثل هذا التحوّل، فقد يسبب مشاكل للولايات المتحدة، فالوضع بين إسرائيل وروسيا رغم أنه ليس عدائياً، إلا أنه هشّ ومعقّد.
في 19 تموز/ يوليو، شنّت إسرائيل هجوماً على حزب الله وأهداف تابعة لإيران في سوريا وقد ادّعى الأدميرال فاديم كوليت نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، أن أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية أسقطت سبعة من أصل ثمانية صواريخ إسرائيلية أُطلقت على مواقع بالقرب من حلب.
وبعد أيام قليلة، ادّعى كوليت أن إسرائيل أطلقت أربعة صواريخ أخرى بالقرب من حمص، وجميعها تم اعتراضها، على حدّ قوله.
لم تعلّق إسرائيل على الهجوم، لكنها تأكدت من أن صور الأضرار الكبيرة التي لحقت بموقع سوري تم تداولها على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.
وشكّك المراقبون في تفاصيل ادعاءات كوليت، وقالوا أنها غير صحيحة جملة وتفصيلاً، وفي نفس الوقت تقريبًا، أفادت صحيفة الشرق الأوسط الإخبارية العربية ومقرها لندن، أن مصدرًا روسيًا مجهولاً قال إنه في أعقاب اجتماع الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تلقّت موسكو رسالة مفادها أن واشنطن كانت غير مسرورة أيضاً بتصعيد النشاط الإسرائيلي في سوريا.
لكن لم يكن هناك ما يشير إلى أن الولايات المتحدة قلقة بشأن الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في سوريا، ولا أن مثل هذا النجاح الباهر ضد الصواريخ الإسرائيلية قد تحقق.
فالحقيقة أن حدوث أحد هذين الأمرين سيغير قواعد اللعبة، ومن الصعب تصديق أنه لن يكون هناك حديث عنهما في الولايات المتحدة وإسرائيل إذا كان أي منهما صحيحًا.
ولكن إذا كانت المزاعم مبالغ فيها، فما هو الغرض من مثل هذه التصريحات من قبل روسيا؟
من الواضح أن كوليت لم يكن يتحدث بصراحة، حيث لم ترد تقارير عن تعرضه للتأديب أو التوبيخ على تصريحاته، لم يوبخ القادة الروس علانية أو يدعموا تصريحات كوليت، مما يعزّز فكرة أن هذه المزاعم يتم طرحها هناك لأغراض استراتيجية.
فمثل هذه التصريحات تأتي في وقت تغيير كبير حيث حلّ جو بايدن محلّ دونالد ترامب وجاء رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد ليحلّا محلّ بنيامين نتنياهو.
في كلتا الحالتين، يعني هذا تحولًا بالنسبة لبوتين من المحاورين الذين اعتمدوا بشدة على علاقتهم الشخصية معه وعملوا بأسلوب دبلوماسي شديد التركيز على الذات، إلى الوافدين الجدد الذين لا يعرفهم كثيرًا ويمثلون المصالح الوطنية التي تتجاوز مصالحهم الخاصة.
من المحتمل أن يرغب بوتين في اختبار تصميم القادة الإسرائيليين عديمي الخبرة نسبيًا ويريد الحصول على صورة واضحة لكيفية تعامل بايدن، بنهجه الأقل تصالحية مع موسكو مقارنة بترامب، على التوازن الدقيق الذي تم تحقيقه في سوريا.
يستند هذا التوازن إلى اتفاق توصلت إليه إدارة ترامب مع روسيا في عام 2017، والذي لم تكن إسرائيل راضية عنه كثيرًا، حيث سمحت للميليشيات المدعومة من إيران، بما في ذلك حزب الله، بمواصلة العمل في منطقة آمنة تم إنشاؤها في جنوبي سوريا.
وكان الهدف من وقف إطلاق النار المصاحب في تلك المنطقة هو تسهيل الجهود الأمريكية والروسية لمحاربة داعش في المنطقة، لكن إسرائيل كانت أكثر قلقًا بشأن الميليشيات.
لم تلق الشكاوى الإسرائيلية آذاناً صاغية، لكن إدارة ترامب أوضحت أن إسرائيل حرّة في متابعة أهدافها.
وفُتح خط اتصال بين إسرائيل وروسيا، استخدمته إسرائيل لإخطار موسكو بهجمات وشيكة، على أمل تفادي سقوط ضحايا روس وإخلال التوازن الهش.
على الرغم من وقوع العديد من الحوادث على مدار السنوات التي هددت بتغيير الوضع الراهن، إلا أن الدبلوماسية بين إسرائيل وروسيا تمكنت من نزع فتيل التوترات عند نشوئها، ولكن الآن، كانت هناك تقارير تفيد بأن الاتصالات بين إسرائيل وروسيا قد توقفت.
نتنياهو، الذي كان يبحث دائمًا عن طرق لتشويه وتقويض الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بدا أنه يدعم هذه الفكرة عندما صرّح حزبه الليكود، "لقد حافظنا على حرية العمل في سوريا بفضل علاقة نتنياهو الوثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذا كانت هذه التقارير دقيقة، فإن هذه الحكومة الفاشلة قد فقدت أحد الأصول الاستراتيجية الحيوية الأخرى التي كانت تتمتع بها إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو".
لم تكن روسيا سعيدة أبدًا بشأن الهجمات الإسرائيلية المتكررة في سوريا، كما أكدّ وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، في كانون الثاني /يناير.
وقال: "إذا كانت إسرائيل مجبرة حقًا على الرد على التهديدات للأمن الإسرائيلي القادمة من الأراضي السورية، فقد أخبرنا زملائنا الإسرائيليين عدة مرات: إذا رأيتم مثل هذه التهديدات، يرجى تزويدنا بالمعلومات"
لقد أوضحت إسرائيل على مر السنين أن هذا غير مقبول بالنسبة لهم.
قد يكون هناك أيضًا أكثر من مجرد الشعور بأن الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية الجديدتان تعملان معاً.
فمع غرق لبنان في الانهيار الاقتصادي والفوضى السياسية، أصبح موقف حزب الله هناك أكثر تقلباً وإثارة للجدل، حتى مع نمو قدراته العسكرية وبقائه كمصدر إثارة لإسرائيل.
فمع تدهور الوضع في لبنان، تزداد احتمالية الاشتباكات مع إسرائيل، لا سيما وأن حزب الله واجه تدقيقًا متزايدًا واهتمامًا سلبيًا محليًا.
إن احتمال أن تجد الولايات المتحدة طريقة لإعادة الدخول في الاتفاق النووي الإيراني، ونزع فتيل بعض التوترات في الخليج، يمثل أيضًا تحوّلًا محتملاً يمكن لروسيا إدارته.
في أوائل تموز/ يوليو، أعادت روسيا وإيران وتركيا التأكيد على رغباتهم المعلنة في رؤية سوريا موحدة ومستقلة ودول يمكن أن يتم إعادة هيكلتها.
هذا هو المكان الذي تأمل فيه روسيا استعراض عضلاتها الدبلوماسية على المسرح الدولي، ولكن بصرف النظر عن تصريحات مثل هذه، وبعض التعاون بين روسيا وتركيا في الحفاظ على مجال نفوذ كل منهم في سوريا، فإن العملية التي قامت بها هذه الدول قبل أربع سنوات أظهر إمكانات ضئيلة لحل الصراع السوري.
مع هذه الظروف المتغيرة، ربما تبحث روسيا عن طريق للمضي قدمًا فتقوم باستكشاف أي من الدول العربية، وأبرزها الإمارات العربية المتحدة، سيفتح الطريق لبدء إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية.
تريد روسيا بشدة أن ترى ذلك يحدث، حيث سيكون لها تأثير مباشر أكثر في المنطقة، من خلال دمشق. لكنها عملية صعبة،حيث أن الدول العربية لا تريد تحمّل عبء إعادة بناء سوريا، وهو أمر لا تستطيع روسيا أيضًا تحمّله، ولا تزال البلاد في حالة صراع ومنقسمة.
من خلال توبيخ إسرائيل، أعادت موسكو تأكيد دعمها لنظام الأسد المنهك ولكن المخاوف الإقليمية هي التي تجعل التساؤل حول ما إذا كانت روسيا تنوي بالفعل اتخاذ موقف أقوى ضد الإجراءات الإسرائيلية في سوريا وهذا يمثّل أمرًا مهمًا للغاية.
سيتعين على إدارة بايدن التفكير مليًا في كيفية المضي قدمًا إذا قررت روسيا الدفاع عن المجال الجوي السوري بقوّة أكبر، وستحتاج إلى إيجاد طريقة لإقناع إسرائيل باحترام المجال الجوي السوري مع ضمان بقاء إسرائيل آمنة من الهجوم، وهو أمر ستحتاج الولايات المتحدة إلى التعاون مع موسكو لتحقيقه.
واشنطن تحافظ على هدوئها حتى الآن، وإذا كانت التصريحات الأخيرة مجرد مواقف من جانب روسيا، فيمكنها الاستمرار في القيام بذلك بشكل مريح.
إذا لم يكن الأمر كذلك، فسيتعين على الولايات المتحدة الانخراط في التوسط في صفقة، خشية أن تتصاعد التوترات الإسرائيلية مع روسيا وتخلق قنبلة موقوتة جديدة في منطقة تحوي الكثير من تلك القنابل مسبقاً.