بقلم: مليك كيلان/ ترجمة :نداء بوست
تتوارد الأخبار السيئة القادمة من أفغانستان حيث سقطت العديد من عواصم المقاطعات تحت سيطرة طالبان إلى جانب نقاط الحدود الإستراتيجية وطرق التجارة الداخلية.
بالإضافة إلى تقارير عن إعدامات واسعة النطاق وتدفق هائل للاجئين، كل ذلك بسبب سحب الولايات المتحدة لقواتها من جانب واحد وبشكل سريع وبدون أي تخطيط مسبق لاستقرار البلاد, وبشكل غير مدروس تمامًا، أو هكذا يبدو لمعظم المعلّقين.
لقد أمضيت وقتاً طويلاً هناك وكذلك في العديد من المواقع المجاورة لدول الأُردو أعمل كصحفي على مر السنين.
أنا أيضاً أتساءل ما الذي يجول في خاطر إدارة بايدن، يجب التفكير في الضربة الهائلة لمصداقية الولايات المتحدة في الحاضر والمستقبل في أعين الحلفاء والمنافسين المحتملين- والتي يتوقعها البيت الأبيض بلا شك.
ما الفائدة التي يتوقعونها من تلقِّي مثل هذه الهزيمة التي كانوا يعرفون بالتأكيد أنها ستحدث؟ السؤال لا يُقصد منه أن يكون مجرد كلام بلاغي.
الجميع في حيرة ولكن لا أحد يحصل على أي إجابات، علينا التذكر أن السؤال ليس لماذا ستغادر الولايات المتحدة، ولكن لماذا بهذا الشكل المزري، مع العلم أنهم يعرفون ما سيترتب على مثل ذلك الانسحاب من فوضى عارمة. من المحيّر أن أحداً في الإدارة لم يقدم تفسيرات, لذلك دعونا نضع أنفسنا في مكانهم ونرى ما إذا كانت الإجابات المفيدة متوفرة.
إذا كنت تعلم أن دولة حليفة ستنهار عندما تتركها، فلماذا تفعل ذلك؟ لا يمكن للرئيس أن يتغاضى عن المثال الحديث للغاية المتعلق بالعراق وداعش.
فقد ألقت الولايات المتحدة بالعراق، في أحضان "داعش" لتملأ الفراغ، ومع ذلك، بدا الرئيس السابق ترامب غير مهتم إلى حدّ ما بتكرار الاحتمال.
حسناً، لم يكن خبيراً إستراتيجياً، لكنّ بايدن يعرف العالم بشكل أفضل- ما الذي كان يفكر فيه إذاً؟
أولاً، من الواضح أن هناك إحساساً عامّاً بأن التهديد الإسلامي قد تلاشى، على الأقل في أكثر أشكاله تطرفاً. قد توافق أو لا توافق، ولكن يبدو أن الأمور تمّ حسابها بهذه الطريقة.
فالآن كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل حليفتان فعلياً والخليج منقسم وليس في وضع يمكّنه من تمويل الجهاد الجديد في الخارج.
إيران مسيطرة بشكل كامل في العراق وسورية حيث انتقل التركيز إلى التهديدات الأخرى.
الحقيقة هي من منظور ساخر للغاية، أن استقرار أفغانستان لم يعد يشغل بال الولايات المتحدة أو يفيدها في الواقع. كان منافسو القوى العظمى يستمدون النفوذ من الجهود الأمريكية. حيث تعمل بكين على دفع مشروع "الحزام والطريق" لإنشاء طريق حرير جديد للتجارة عَبْر آسيا الوسطى والذي سيمر عَبْر أفغانستان (وباكستان).
واستضافت روسيا مؤخراً قمة طالبان، كل هذا بينما أنفقت الولايات المتحدة حوالي 2.26 تريليون دولار على مدى 20 عاماً.
في غضون ذلك، استمر تدفق الدماء، قد يقول المرء: إنه منصف بما فيه الكفاية، لكن لماذا الانسحاب الاعتباطي لدرجة جعل البلاد تنهار؟ إجابة محتملة: لأنها تصبح مشكلة شخص آخر، مع التركيز على المشكلة. مَن هو ذلك الشخص الآخر على وجه الخصوص؟
أول إجابة تتبادر إلى الذهن: روسيا والصين, ولكن أيضاً يخطر بالبال كل من إيران وباكستان. يبدو من الصعب قول ذلك، لكن قد يستنتج المرء أن ترك الفوضى وراءك كان سياسة متعمّدة.
بعد كل شيء، نجحت الولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار في العراق بمرور الوقت بتكلفة كبيرة فقط لتجد أن الصين هي المستفيد الرئيسي- فقد أصبحت عميل النفط الرئيسي للعراق.
كيف تؤثر الفوضى في أفغانستان على الصورة الإستراتيجية العالمية؟ دعونا نلقي نظرة على الجوار، البلدان المحيطة.
غالباً ما تتم الإشارة إلى وظيفة آسيا الوسطى كنوع من المنطقة المتوافَق عليها بين بكين وموسكو. يتدفق نفط كازاخستان إلى حد كبير عَبْر روسيا أو مباشرة إلى الصين.
على سبيل المثال يسمح الجزء الخلفي من آسيا الوسطى الهادئة للقوتين العُظْمييْنِ بالتركيز على أهدافهما الإستراتيجية الخارجية موسكو في جمهوريات الاتحاد السوفيتي، وفي الواقع في أوروبا، بكين على بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ وأماكن أخرى كثيرة. أفغانستان تصبح فوضوية بالكامل وتغير كل الخطط فجأة.
مبادرة الحزام والطريق تتوقف عن العمل. كما أن أهم حليف للصين في المنطقة -وهو باكستان- يتذبذب هو الآخر.
بينما تكتسب قبائل البشتون التابعة لطالبان زخمًا في أفغانستان، ستصل أفكارهم إلى أبناء عمومتهم من البشتون في باكستان. على أقل تقدير، فإن تهديد البشتون داخل أراضيهم سيثير قلق الباكستانيين. الآن هذه هي مشكلتهم أيضاً.
الشيء نفسه ينطبق على إيران ولأن طهران مستنزفة فوق طاقتها بالفعل، يجب عليها الآن أن تقلق بشأن جبهة أخرى، هي الحدود الشرقية مع أفغانستان. إن دعم الميليشيات في اليمن ولبنان والعراق وسورية يستنزف بالفعل موارد إيران، والآن يتعين على الملالي استيعاب آلاف إضافية من اللاجئين الشيعة الأفغان أثناء فرض طوق أمامي داخل أفغانستان باتجاه مدينة هرات وضواحيها.
ماذا عن الروس وتاريخهم الحافل بالتدخل في المنطقة منذ أواخر القرن الثامن عشر خلال العقود السوفيتية وما بعدها؟
من المؤكد أن انسحاب بايدن ليس في مصلحتهم الآن، كما حدث في سنوات ما بعد الاتحاد السوفيتي، استغلال تهديد طالبان للدول الأُردية لإعادة القوات إلى تلك البلدان وسحبها إلى مدار موسكو.
التقى زعماء قيرغيزستان وكازاخستان وأوزبكستان والتركمان والطاجيك مؤخرًا في قمة لمناقشة صياغة ترتيبات صحية وتجارية وأمنية مشتركة (من بين أمور أخرى).
كان الاتجاه الجديد بين دول طريق الحرير هو الاعتماد على بعضها البعض أكثر من القوى الخارجية.
ولن يؤدي عدم الاستقرار في أفغانستان المجاورة إلا إلى ترسيخ هذا الهدف. على سبيل المثال، تحركت كل دولة من تلك الدول لتكثيف التعاليم الدينية داخل حدودها من أجل تجنب التبشير الإسلامي من الخارج. إنها لعبة محفوفة بالمخاطر يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة ولكنها تتمتع بفائدة إضافية تتمثل في التمييز بين الهوية الثقافية المحلية والنسخة المتأثرة بموسكو من الحقبة السوفيتية.
لذا فإن أفغانستان المنهارة يمكن أن يكون لها تأثير مفيد على هذه الجبهة أيضًا.
لا يعني أيّ من هذا أن أيًّا منّا يجب أن يوافق كلّيًا على انسحاب الولايات المتحدة المضطرب كسياسة إيجابية وبنّاءة.
لقد كانت خطوة محيّرة تقريباً في عهد ترامب من جانب واشنطن والتي يعتبرها معظم المراقبين محرجة إن لم تكن كارثية.
تمّ فقد الكثير من الأرواح، وتم خسارة الكثير من الأموال والموارد، من أجل ماذا؟ من أجل التخلص من الموقف في خطوة واحدة متسرعة.
يحتاج المرء فقط إلى القليل من التأمل في الآمال والمثل المحطمة، التي كانت مثمرة في البداية، لكل مِن الأفغان ومَن يقوم بتهنئتهم من الدول لقياس حجم خيبة الأمل.
مثال بليغ تماماً عن ذلك قدمه مؤخراً معهد الشرق الأوسط الموقر في واشنطن الذي نشر، لأول مرة باللغة الإنجليزية، مقال برنارد هنري ليفي عن أفغانستان منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
يوفر كل من الكتاب والتعليق عليه نافذة قوية ومؤثرة بعمق على قصة الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان، والتقلبات والانحطاط، والفضائل والأخطاء، والآمال والأحزان، وذروة الأحداث الحالية.
خلَص معظم المعلقين ببساطة إلى أن البيت الأبيض تعثّر بشكل سيئ ورفض لسبب غير مفهوم توضيح تحركاته على الرغم من كل ضجة الانتقادات.
الرئيس بايدن ليس محاوراً نشيطاً أو متميزاً, وإنما يبدو أنه يفضّل الأفعال على الأقوال، مثل مشروع قانون البنية التحتية، وجعل النتائج تتحدث. لم يكلّف أحد نفسه عناء التساؤل بشأن الانسحاب عما يحسبه البيت الأبيض، باستثناء المغادرة المفاجئة.
لكن المخضرم في السياسة الخارجية مثل بايدن ليس قائداً متقلب المزاج. يوجد قصد ونيّة مبيّتة وراء ذلك القرار بالابتعاد عن حليف مثل أفغانستان، خاصة بعد عشرين عامًا من الحرب والكدّ. ومع ذلك، قد يكون من الصعب الكشف عن النوايا بالتفصيل وبشكل علني من قِبل البيت الأبيض.