يبدو أن هناك هدوءاً مؤقتاً على الجبهتين العسكرية والسياسية في سوريا ، مما يشير إلى أن الجهات الفاعلة الرئيسية تستخدم هذه الفترة للتحضير للمعارك الكبرى القادمة.
باتت إدلب في مركز العاصفة الوشيكة حيث عززت تركيا قواتها العسكرية إلى حوالي 12000 في 140 قاعدة في جميع أنحاء محافظة إدلب.
كما تقوم بتدريب كوادر المعارضة في 150 معسكراً بينما تعمل عن كثب مع مسلحي هيئة تحرير الشام الذين يسيطرون على معظم المدينة ومحيطها التي تتصارع مع المسلحين التابعين لجبهة النصرة.
بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع روسيا في مارس/ آذار من هذا العام قامت القوات الروسية والتركية بدوريات على الطريق السريع M4 الذي يربط حلب باللاذقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ومع ذلك بدأ المسلحون في مهاجمتهم وكانت مخاوفهم مبررة: نظام الأسد ينفذ قصفاً عنيفاً على المحافظة كما تم تعزيز قواته البرية.
كما عززت تركيا نفسها في شمال شرقي سوريا وفي تشرين الأول / أكتوبر 2019 في إطار "عملية نبع السلام" أنشأت قواتها جيباً بين رأس العين وتل أبيض والذي يشكل منطقة عازلة بين تركيا والمناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحماية في الجنوب وتم دمج هذا الجيب سياسياً واقتصادياً مع المحافظات التركية عبر الحدود.
لقد أتاح القتال الأخير في قره باغ فرصة جديدة للتواصل العسكري التركي ويقال إن أنقرة نشرت حوالي 1500 مسلح سوري للانضمام إلى القوات الأذربيجانية.
أكملت روسيا اللاعب الرئيسي الآخر على المسرح السوري خمس سنوات في البلاد الشهر الماضي و بدافع من الرغبة في منع تغيير النظام برعاية خارجية ، خدمت روسيا مصالحها جيداً : لقد قام جيشها بحماية نظام الأسد ومنحه السيطرة على حوالي 65 بالمئة من البلاد.
مع وجود قواعد في سوريا ودور رائد في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط نجحت روسيا في إبراز موقعها كقوة عظمى وكان جهدها الرئيسي الآن دبلوماسي: إن موسكو هي الحَكَم الرئيسي للأمن لقادة المنطقة الذين يطلبون دوراً روسياً لحماية مصالحهم.
أما الممثل الثالث في سوريا فهو الولايات المتحدة وهي تحتفظ بقوة قاتلة قوامها نحو 500 جندي في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات لضمان عدم عودة آبار النفط في المنطقة إلى سيطرة النظام بينما تسعى إلى كبح تمدد النفوذ الإيراني.
على الجانب العسكري يتمثل جهدها الأساسي في تعقب القادة "المتطرفين" والقضاء عليهم بمساعدة الطائرات بدون طيار في الأشهر الأخيرة قُتل عدد من القادة البارزين المحسوبين على القاعدة في سوريا.
على الصعيد الدبلوماسي تحاول الولايات المتحدة جمع الميليشيات الكردية المختلفة معاً و في 20 أيلول / سبتمبر نظم الممثل الخاص لواشنطن بشأن التعامل مع سوريا جيمس جيفري اجتماعاً لجميع الميليشيات.
إيران هي أقدم داعم لنظام الأسد وقد قدمت ميليشياتها الخاصة من فيلق القدس ومقاتلين آخرين من الدول المجاورة لحماية النظام السوري.
في حين أن لديها علاقات ثنائية وثيقة مع تركيا إلا أنها لا تتفق مع هدف الأخيرة المتمثل في الحفاظ على وجود عسكري طويل الأمد في سوريا حيث إن المقاتلين المدعومين من إيران خارج إدلب الآن وسوف يلعبون دوراً رئيسياً في حالة وقوع القتال.
تتواصل الدول العربية تدريجياً مع النظام السوري مع عودة السفير العماني إلى منصبه في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول وكانت الإمارات والبحرين قد أعادت فتح بعثتيهما في سوريا من قبل.
وأدت المخاوف المتعلقة بتوسيع الوجود التركي في سوريا إلى إثارة اهتمام العرب بإعادة بناء العلاقات مع دمشق وكانت مصر نشطة بشكل خاص في الحفاظ على التفاعلات الرسمية رفيعة المستوى.
ما هو إذن التكهن قصير المدى بالنسبة لسوريا؟ من المحتمل جداً أن ينتهي المأزق الذي دام عامين فيما يتعلق بإدلب بهجوم للنظام السوري المدعوم من روسيا.
ومن المتوقع أن يكون هذا صراعاً طويلاً ودموياً مع وقوع خسائر فادحة في صفوف المدنيين و إذا لم تنفصل تركيا عن هيئة تحرير الشام فقد تكون هناك مواجهات مباشرة بين قواتها وميليشيات النظام بمشاركة عسكرية روسية مكثفة.
أما الأمر الآخر الذي يتعلق بالأكراد فسيتطلب دوراً دبلوماسياً روسياً رائداً لكسب ثقتهم والحصول على اتفاقيات تضمن الأمن التركي والحكم الذاتي الكردي مما يسمح بتشكيل بداية سياسية جديدة للبلاد.
إن مستقبل سوريا غير مؤكد و قد تشهد الأسابيع المقبلة مذبحة أو تبشر بفجر جديد لهذا البلد المصدوم الذي مزقته الحرب.
المصدر أراب نيوز