"نداء بوست"- قسم التحليل والمتابعة- أحمد عكلة
بعد أن دقت طبول الحرب على وسائل الإعلام الغربية ببدء العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا والاستعداد لمواجهة الحملة العسكرية علت نبرة التهدئة يوم الثلاثاء 15 شباط/ فبراير الجاري عقب لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومستشار ألمانيا أولاف شولتز وتأكيدهما ضرورة الحوار لحل الأزمة الأوكرانية.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه لا يريد حرباً سببها أوكرانيا، بعد أيام من التوتر الذي ساهم في تصاعُده انتشار واسع للقوات الروسية على حدودها.
ولم يُخفِ الرئيس الروسي مخاوفه من استمرار السعي لانضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) حالياً أو مستقبلاً.
كما أكد الرئيس الروسي في مؤتمر صحافي مع المستشار الألماني عقب مباحثات مطولة بينهما في موسكو- "هل نريد حرباً أم لا؟ بالتأكيد لا، لهذا السبب قدمنا اقتراحاتنا لعملية تفاوضية".
انسحاب وحدات عسكرية روسية
وفي السياق أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف للصحفيين أن القوات المسلحة الروسية المنتشرة قرب الحدود مع أوكرانيا ستعود إلى مواقع انتشارها الدائم بعد انتهاء التدريبات.
وقامت وحدات المنطقة العسكرية الجنوبية والمنطقة العسكرية الغربية ببدء التحميل على المركبات، حيث ستتوجه إلى القواعد اليوم الخميس.
كما أكد كوناشينكوف "مع اكتمال أنشطة التدريب القتالي ستسير القوات -كعادتها دائماً- بطريقة مشتركة إلى نقاط انتشارها الدائمة".
وتجري التدريبات البيلاروسية الروسية المشتركة تحت مسمى "عزم الحلفاء 2022" كاختبار للجاهزية الدفاعية ومواجهة الهجمات الخارجية ومكافحة الإرهاب، وتنتهي في 20 شباط/ فبراير الجاري، حيث صرح ممثلو البلدين مراراً وتكراراً بأن المناورات دفاعية بطبيعتها ولا تهدد أحداً.
حل الأزمة الأوكرانية وفقاً لاتفاق "مينسك"
من جهته يقول الدبلوماسي والمستشار في وزارة الخارجية الروسية رامي الشاعر إنه: "بخصوص التوقعات بنشوب حرب بين روسيا وأوكرانيا أعتقد أنها لن تنشب أي حرب بين روسيا وأوكرانيا؛ لأن القضية الأوكرانية أصبح حلها مقرراً دولياً وهو تنفيذ اتفاق مينسك الذي تم توقيعه من قِبل روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا ودعمته الأمم المتحدة، ولن يجرؤ أي زعيم أوكراني على اتخاذ قرار حرب؛ لأن اتخاذ قرار الحرب معناه أنها ستكون بين الأوكرانيين".
كذلك أضاف في حديث لـ"نداء بوست": "بالتالي ستكون هناك حرب أهلية ومهما يتم تجهيز كييف من قِبل الغرب بالأسلحة لا يجب الاستهانة بالقدرات الدفاعية لدى سكان دونتيسك ولوغسانك، ولذلك لن تحدث حرب بعد وجود مخرج لتنفيذ اتفاق مينسك، ولن يتخذ الرئيس الأوكراني قراراً يُسجل عليه تاريخياً أنه أجرم بحق بلده وشعبه".
وبالنسبة لتهديدات الغرب وتأثيرها على الاقتصاد الروسي يشير الشاعر أن "مَن يعتقد أنها ستؤثر على روسيا يعاني من قصر نظر سياسي لعدم وعيه بأن مع روسيا لا يجوز التعامل بهذه الطريقة نهائياً، وثانياً أي سياسة أمريكية أو غربية للدخول مع روسيا بحرب اقتصادية، أو استخدام سلاح العقوبات سيكون بالتأكيد تفوُّق روسيا بهذه المعركة والتي ستكون نتائجها كارثية اقتصادياً على أمريكا والغرب".
كما نوَّه في حديثه بأنه "بالطبع سيكون هناك تأثيرات اقتصادية على روسيا ولكن بشكل لا يقارن مع الخسائر التي تلحق بالغرب على المستوى القريب والبعيد، حيث إن روسيا بسبب غناء أراضيها وموقعها ومساحتها الشاسعة ستعوض خسائرها ولا يهددها أي انهيار اقتصادي وممكن أن تمر بأزمة اقتصادية ليس إلا".
تفاهُم على اللجوء للمفاوضات
وبالنسبة لتوقيت الإعلان بشكل علني من قِبل وزارة الدفاع الروسية هو فسح المجال وإعطاء مبرِّر للرئيس الأمريكي في الإعلام أنها ستنشب حرب بتاريخ 16 فبراير بين روسيا وأوكرانيا، وهذا البيان من أجل أن يخرج الرئيس الأمريكي ببياض الوجه، فقد يعلن الرئيس بايدن بأنه تم تفادي حدوث الحرب نتيجة تجاوُب روسيا للجهود التي بذلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، وبدأت الحشود الروسية على الحدود الأوكرانية بالانسحاب بحسب ما أكد "الشاعر".
واستطرد في حديثه أن "روسيا توافق على عودة الجميع إلى المفاوضات في جل الملفات والتوقف عن تصعيد الحملات الإعلامية الجنونية، وأعتقد أن الجميع أصبح يستوعب أنه لا روسيا ولا أوكرانيا يريدون الحرب وأن روسيا لن تسمح لأي أطراف أخرى باستخدام أوكرانيا لتحقيق أهداف بعيدة المدى".
من جانبه أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي أن البنتاغون لن يؤكد أو يتكهن بشأن خُطط ونيات قوات دولة أخرى.
وأضاف كيربي أن الولايات المتحدة دعت روسيا، وتواصل دعوتها، إلى خفض التوترات في المنطقة. وأشار إلى أن واشنطن ستواصل التنسيق الوثيق مع حلفائها وشركائها بشأن هذه الأزمة.
من جانبه، أعرب أمين عامّ حلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، عن تفاؤله الحذر بما وصفه بالإشارات التي تصدرها روسيا حول رغبتها في مواصلة الدبلوماسية في ما يتعلق بالتوترات مع أوكرانيا والحلف في شرق أوروبا، داعياً موسكو لخفض التصعيد بشكل عملي على الأرض.
وقال ستولتنبرغ -في بيان صحافي من بروكسل أورده الموقع الرسمي للحلف يوم الثلاثاء: "هناك إشارات من موسكو على أن الدبلوماسية يجب أن تستمر. هذه النية من موسكو للانخراط في الطريق الدبلوماسي تعطينا بعض الأمل والتفاؤل الحَذِر، لكننا الآنَ لم نرَ أي خفض للتصعيد على الأرض، ولم نرَ أي تقليص للحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية".
وساطة تركية
من جهته، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيطلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رأيه في لقاء ثلاثي بحضور الرئيس الأوكراني وأكد عزمه متابعة الموضوع عن كثب.
كما جدد وزير الخارجية التركي في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي استعداد بلاده لاستضافة اجتماعات بين موسكو وكييف.
وقال طه عودة أوغلو باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية: إنه "بينما يراقب العالم منذ أيام بقلق شديد طبول الحرب التي تدقّ على خط «موسكو-كييف» بدت فيه الجهود الدبلوماسية لتجنُّب صراع بين روسيا وأوكرانيا قد وصلت إلى حدها وظهرت من جديد مؤشرات إيجابية تمثلت بإعلان روسي عن سحب روسيا بعض قواتها من المناطق الحدودية مع أوكرانيا بعد انتهاء مناورات عسكرية".
وأشار في حديث لـ"نداء بوست" أنه "منذ أسابيع لم تخرج سوى نبرة التصعيد سواء من جانب «موسكو» التي حشدت قوات كبيرة على الأرض ومناورات أو من جانب الدول الغربية التي تتخذ موقفاً واحداً بعيداً عن التنازُلات لكنها لم تغلق باب الحوار لنزع فتيل الأزمة".
في المقابل شددت تركيا على أهمية المبادرات الدبلوماسية لحل التوتر بين روسيا وأوكرانيا مجدِّدة استعدادها لاستضافة اجتماعات بين موسكو وكييف- بحسب ما أكد أوغلو.
وحول الوساطة التركية بين روسيا وأوكرانيا رأى أوغلو أنه "تأتي تصريحات الرئيس أردوغان لتزيد أكثر من زخم هذه التكهنات بقوله إن «موسكو» لم تتخلَّ مطلقاً عن خيار المفاوضات مع «كييف» بوساطة تركية".
كما أوضح أنه "وسط هذه الأجواء تكتسب الوساطة التركية أهمية بالغة كونها لها علاقات جيدة مع طرفَي الأزمة روسيا وأوكرانيا" لكن في المقابل تدرك تركيا صعوبة "الوساطة" فهي مهما حاولت أن تسير بحذر في تصريحاتها وردود أفعالها إزاء تحرُّكات الرئيس بوتين بشأن أوكرانيا، وتبتعد عن أي إجراءات قد يُنظر إليها على أنها تحدٍّ علني لسياسة روسيا لكن في نفس الوقت هي لم تُخفِ أبداً دعمها القوي لأوكرانيا".
ويمكن القول: إن "أنقرة" تتلمس طريق الحياد في علاقاتها مع روسيا وأوكرانيا وعلى خط موازٍ تتمسك بكل حزم بموقفها المتمثل في الحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا، وإيجاد حل لخلافاتها سلمياً إدراكاً منها للدور المحوري الذي تلعبه "كييف" في ضمان الاستقرار والسلام في منطقة البحر الأسود.
جدير بالذكر أن رئيس جمهورية لوغانسك الانفصالية دعا المراقبين الدوليين إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع سفك الدماء في "دونباس".