المصدر: هآرتس
ترجمة: عبد الحميد فحام
هبطت طائرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الأربعاء، في تركيا للمرة الأولى منذ أربع سنوات. فبالنسبة للأمير ولمضيفه، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن هذا يدلّ على إغلاق دائرة العداء والبغضاء والانفصال العميق التي نجمت عن القتل الوحشي للصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
طوال هذه الفترة، بدَا وكأن الخلاف بين الدول، والذي تضمن مقاطعة السعودية للواردات من تركيا، لا يمكن علاجه. ويبدو أن ذلك ينطبق أيضاً على علاقات أردوغان مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي رفض أردوغان الاعتراف بشرعيته منذ عام 2013 حتى عام 2021؛ وحكام الإمارات الذين وصفوا تركيا بأنها “عدو أسوأ من إيران”. كما يبدو أن الأمر ينطبق أيضاً على الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي وصف أردوغان بالديكتاتور ورفض التحدث معه لشهور؛ ورؤساء الوزراء الإسرائيليين المتعاقبين، الذين صنّف أردوغان بلادهم كدولة إرهابية حتى قبل غارتهم الفاشلة على أسطول تركي مُتّجه إلى قطاع غزّة في عام 2010.
أردوغان، الذي صاغ شعار “لا مشاكل مع الجيران” لوصف مبدأ أساسي في سياسته الخارجية، استدار بعد ذلك وواجه عداوة وتوتُّراً مع جميع جيرانه تقريباً.
لكن على مدى السنوات الأربع الماضية، غرقت تركيا في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية منذ وصول أردوغان إلى السلطة في عام 2003. إن الرجل الذي كان يُعتبر عبقرياً اقتصادياً، والذي أنقذ تركيا من الانهيار ومعدلات التضخم التي كانت تحوم حول 70% وجلب للبلاد النمو الثابت لما يقرب من 7% سنوياً، أصبح الآن الشخص الذي يواجه تضخُّماً بنسبة 73%، وانهيار الليرة التركية، وإغلاق آلاف الشركات، وارتفاع معدلات البطالة، وأزمة الإسكان الحادة.
إنه وقبل عام من الانتخابات الرئاسية في تركيا وبعد عقدين من توليه السلطة، يسعى أردوغان للحصول على شريان حياة اقتصادي من الدول العربية. أولاً، أعاد العلاقات مع الإمارات التي وعدت باستثمار 10 مليارات دولار في تركيا. كما أنه يُجري محادثات مع مصر حول التقارُب، وتنمية العلاقات مع إسرائيل بهدف إعادتها إلى ما كانت عليه قبل وجود الخلافات ومحاولة إصلاح علاقته المُتصدّعة مع الإدارة الأمريكية.
سيكون لإصلاح العلاقة بين أردوغان والأمير محمد أهمية كبيرة حتى خارج الإطار الثنائي. فهي علاقة لها قدرة على إنشاء شبكة إقليمية من العلاقات التي لم تَعُدْ تُعتَبر منقسمة بناءً على التأييد أو المعاداة لأمريكا، ولكن على المصالح الإقليمية القوية القادرة على إملاء السياسة الخارجية الأمريكية بدلاً من أن تمليها واشنطن.
وصل ابن سلمان إلى تركيا بعد توقُّف قصير في مصر والأردن، أنهى خلالها بعض الأمور المُعلّقة قبل زيارة بايدن لإسرائيل والسعودية الشهر المقبل. و”اقترح” أن يحذو السيسي حذوه بتجديد العلاقات مع تركيا وتسوية موضوع نقل القوة المتعددة الجنسيات المتمركزة الآن في جزيرتَيْ صنافير وتيران، الأمر الذي يتطلب تعديل معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية. وفي الأردن، وعد بتقديم مساعدة سعودية متواصلة وحاول تهدئة مخاوف الملك عبد الله من سعي الرياض إلى استبدال عمّان كوصيّ على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس.
أما بالنسبة لتركيا، فلم يتّضح بعدُ ما هي الهدايا التي سيُحضرها محمد، لكن من غير المتوقع أن تكون أقل من المساعدات الهائلة التي تعهدت بها الإمارات. فبالنسبة لولي العهد، ما يهم هو حقيقة أنه يظهر هناك علناً ويظهر القيادة الإقليمية. وهذا، في رأيه، يجب أن يثير إعجاب بايدن.
لقد ركبت إسرائيل الكاروسيل (لعبة الأحصنة الدوارة) التي يتواجد فيها الأتراك والسعوديون، بل إنها تصوّر نفسها على أنها المحور الرئيسي الذي يدور حوله هذا الكاروسيل. كما تقول إسرائيل، إذا تم تشكيل تحالُف دفاع جوي إقليمي، فإنه يستحق الثناء؛ وإذا كان محمد يريد علاقات جيدة مع بايدن، فعلى الرياض تطبيع العلاقات مع تل أبيب. وإذا أرادت تركيا إصلاح علاقتها مع مصر، فعليها دفع رسوم عبور لإسرائيل. من الواضح أن الدولة الأقلّ استقراراً سياسياً في المنطقة، والتي استقالت حكومتها وغير قادرة على إدارة أي سياسة على الإطلاق، لا تزال قادرة على تضليل المنطقة في التفكير في أن البيت الأبيض يستجيب لإملاءاتها.
ويتحدث وزير الدفاع بيني غانتس عن أنظمة الدفاع الجوي التي “أنقذت” بالفعل عدة دول في المنطقة من الهجمات الإيرانية المخطَّط لها. وبحسب تقارير إعلامية، فقد وضعت إسرائيل محطّات رادار في الإمارات والبحرين ودمّرت مخزوناً من الطائرات بدون طيار الإيرانية في سورية. ولم يَعُدْ تعاوُنها الاستخباراتي الوثيق مع العديد من الدول الإقليمية سرّاً.
وهذا بالتأكيد يُشكِّل تغييراً في تصوُّر المنطقة. وهي الآن تنظر إلى إسرائيل على أنها أمر واقع وشريك في محاربة الإرهاب. لكن في الوقت نفسه، تخشى الدول الإقليمية أن تؤدي كثرة العمليات الإسرائيلية ضد إيران -اغتيال العلماء وقصف القواعد الإيرانية وأهداف أخرى في سورية والتهديد بالقيام بعمل عسكري مُستقل ضد إيران- إلى تحويلها إلى هدف.
لقد أوضحت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في كل فرصة أنهما تعارضان حرباً إقليمية جديدة، حتى ضد إيران. وتحاول الرياض وطهران فتح صفحة جديدة في علاقتهما، ولدى الإمارات العربية المتحدة علاقات تجارية وعمل مستمرة مع إيران. فأنظمة الدفاع الإسرائيلية ليست بديلاً قادراً على ضمان مصالحها الجديدة.
وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا التي يتم اختبارها الآن من خلال نوع الحرب الجديد الذي أصبحت فيه مسرحاً آخر للمعركة بين إسرائيل وإيران. فلقد انخرطت تركيا منذ عقود في كفاح مُسلح ضد المسلحين الأكراد، وعَمِلت أيضاً على إحباط عمليات عملاء إيرانيين يحاولون مهاجمة أهداف إيرانية. لكن الحرب التي تدور الآن على أراضيها بين دولتين أُخريَيْنِ في المنطقة هي حدث يُسبِّب تهديداً.
صحيح أن هناك توتُّراً دبلوماسياً مسبقاً بين تركيا وإيران بسبب خطط الأولى لتوسيع تواجُدها في الأراضي السورية، لكن كِلا البلدين يحاول حلّ هذا النزاع بالطرق الدبلوماسية. وعلاوة على ذلك، تبلغ التجارة بين تركيا وإيران حوالَيْ 5 مليارات دولار سنوياً، وفي كل عام، يزور تركيا حوالَيْ مليونَيْ سائح إيراني، إضافة إلى ما يقرب من 100000 إيراني يعيشون هناك.
لكن إذا نفّذت إيران هجوماً إرهابياً ضد الإسرائيليين الزائرين، فقد يؤدي ذلك إلى بثّ الذُّعر بين السيّاح من دول أخرى، وليس بين الإسرائيليين فقط. وبذلك يمكن أن يتمّ تقويض أحد أهمّ مصادر الدخل في تركيا، حيث يتوقع الأتراك أن يجنوا 40 مليار دولار هذا العام.
إن التعاون الاستخباراتي التركي مع إسرائيل ضد العمليات الإيرانية يدفع أنقرة إلى موقف غير مريح للغاية. ومن دواعي سرور أردوغان أن يستغني عن الثناءات التي تنهال عليه بها إسرائيل على هذا التعاون الاستخباراتي والعملياتي.
وبالنظر إلى التطوُّرات السياسية في إسرائيل، فإنه ليس من الواضح ما إذا كان وزير الخارجية يائير لابيد سيصل بالفعل إلى تركيا كما هو مُخطَّط له يوم الخميس للقاء نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو. ولكن إذا تم عقد الاجتماع، فبالإضافة إلى الاستماع إلى المزيد من الشكر الإسرائيلي، سيُبيّن جاويش أوغلو للابيد الثمن الذي قد تدفعه تركيا مقابل هذا التعاوُن.