نداء بوست – سليمان سباعي -حمص
انتشرت في أعوام الحرب التي شهدتها سورية خلال أعوام الثورة التي انطلقت منذ العام 2011 ظاهرة زواج الأخ من زوجة أخيه، سواء كان الزوج فُقد في سجون الأسد، أو أنه قُتل في المعارك أو قضى بسبب القصف العشوائي، الأمر الذي أحدث خلافاً مجتمعياً جديداً بين أفراد الأسرة، ما بين مؤيد ومعارض للفكرة.
التقى مراسل "نداء بوست" في حمص بالشاب أمير في قرية "حوش حجو" الواقعة في ريف حمص الشمالي الشرقي، وهو أحد الأشخاص الذين عاشوا التجربة، ووصفها بـ “المريرة".
جذر الحكاية:
بعد سؤاله عن تفاصيل التجربة, ونتائجها، بدأ أمير بسرد تفاصيل القصة العالقة في ذهنه بدون توقف " مرّت سبعة أعوام على استشهاد والدي في إحدى المعارك التي خاضها ضدّ قوات النظام، ولا ندري إن كان قُتل برصاص عناصر النظام, أو على يد عناصر تابعة لـ"جبهة النصرة" المشاركة مع فصيله بذات المعركة، معركة جسر الخالدية في منطقة الدار الكبيرة، والتي خاضوها في محاولة منهم لفك الحصار عن حمص المدينة.
"بكلا الحالتين فقدنا والدي
" أبناء عمومتي أصبحوا من ألدّ أعدائي:
سبّعة أعوام تغيّرت خلالها حياتنا بشكل جذري، وبدأتُ بعدَ عامين من وفاة والدي أتحسس التغيير الذي طرأ على أسرتي، كان عمري حينذاك أحد عشر عاماً، وكنت على دراية تامة بحجم المسؤولية الملقاة على كتفي على الرغم من صغر سني. بالمقابل , لم يقف أعمامي مكتوفي الأيدي, وهذا ما كانت تقتضيه العادات والتقاليد في مجتمعنا.
لبّوا كامل احتياجاتنا وأمنوا متطلباتنا, لا سيما احتياجات أختي الصغيرة, والتي لم يتجاوز عمرها آنذاك العشرة أشهر. كنت سعيداً بذلك وشديد الامتنان لأعمامي، لكن ما أدركته لاحقاً, هو أن أصدقائي المقربين (أبناء عمي حسن) سيصبحون أبغض أعدائي بعد أن قام والدهم بالزواج من أمي مرغمةً, وكان ذلك أيضاً بحسب ما تقتضيه العادات والتقاليد التي تحكم جزءاً من مجتمعنا العربي.
لم أطق رؤية أمي مع رجل آخر فتركت المنزل:
لم أحتمل رؤية عمي وأمي مع بعضهما، فقررت ترك المنزل، على الرغم من سلبيات حالة النزوح التي كانت تعيشها أسرتنا.
تفاصيل كثيرة لا يتسع الوقت لذكرها، فالمشاكل بدأت تنهال علينا من قبل زوجة عمي الأولى، التي أساءت معاملتنا، وحرضت أبناءها علينا باعتبارنا (أبناء الضرة).
غادرت المنزل، وبدأت العمل في ورشة لتصليح السيارات، واتخذت من دكانٍ متواضع مكاناً للإقامة، غير آبه بما ستؤول إليه الأيام لاحقاً.
وعلى عكس المتوقع، فوجئت باتصال هاتفي من والدتي بعد مضي نحو عامين على زواجها تطلب مني العودة إلى المنزل، وذلك بعد أن تركها عمي واصطحب زوجته وأولاده إلى لبنان.
سعيت بتأمين مستلزماتنا بقدر المستطاع, وحاولت مع بعض الفتات الذي كان يرسله عمي لزوجته (أمي) تأمين احتياجاتنا الضرورية.
أتخيل وجه أخي عند رؤيتك.. أنت طالق:
وما هي إلا أشهر قليلة حتى تلقت والدتي عبارة طلاقها على الهاتف برسالة واتساب مكتوبة جاء فيها بالحرف (عزيزتي وزوجة أخي المرحوم الغالي, سأدخل بالموضوع مباشرة لم يعد بإمكاني الاستمرار بالحياة الزوجية معك، دائما ما كنت أتخيل وجه أخي عند رؤيتك، وما تزوجتك إلا لأستر عليك وعلى أبناء أخي، لكن بعد أن كبروا ونضجوا, أود إبلاغك بانتهاء حياتنا مع بعض كزوج وزوجة.. أنت طالق) لم أتمكن من إخفاء ملامح السعادة على وجهي بسماع هذا الخبر، لكن في الوقت ذاته احترق قلبي على دمعات أمي التي لم تهدأ لعدّة أيام على الرغم من محاولاتنا التخفيف عنها، فأمي ليست أولى المُطلقات.. وهذا أمر واقع، لكن أمي كانت ضحية لعادات المجتمع البالية، التي تفرض الوصاية على النساء الأرامل، تلك العادات التي ترى الأنثى ضعيفة، غير قادرة على حماية نفسها، وأطفالها بمفردها. تلك العادات التي ضربت بكرامة المرأة عرض الحائط، المرأة التي أكّدت مراراً على أنها لا تقل بشهامتها، وحنكتها، وتدبيرها عن الرجال، بل وتفوقت عليهم في مواضع عدة.
أدير الآن مع أمي مشغلاً للخياطة, بحكم خبرتها في هذا المجال، ونعمل بجدّ وبدون كلل أو ملل، وأصبحت لدينا شهرة واسعة في قريتنا (حوش حجو) الواقعة في ريف محافظة حمص، وأصبحت أمي صديقتي التي سأحارب الدنيا لأجلها في حال فكرت النيل منها أو من سمعتها. أسأل الله أن يرحم أبي، وأن يطيل عمر أمي، وأن يعينني على رعاية أختي الصغيرة دون الرجوع لأي أحد كان. –