نداء بوست – ملفات – بروكسل
مع احتدام المعارك قرب العاصمة الأوكرانية كييف، واقتراب القوات الروسية منها، كرر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، دعواته للدول الأوروبية لحظر روسيا من نظام “سويفت” العالمي، رداً على الهجوم الذي تنفذه منذ فجر الخميس الماضي ضد بلاده.
مطلب الرئيس الأوكراني الذي وصفه البعض بأنه “الخيار النووي” لاقى قبولاً لدى بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وإيطاليا، فيما لم تحسم دول أخرى -وتحديداً ألمانيا- أمرها من ذلك، فيما اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن إزالة روسيا من “سويفت” ليس الخيار الذي تفضل الدول الأوروبية اللجوء إليه في الوقت الراهن، لكنه أكد أن هذه الخطوة ستبقى دائماً مطروحةً.
نظام “سويفت”
تأسست شبكة الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “سويفت” في عام 1973، وهي تستخدم من قِبل أكثر من 11 ألف بنك ومؤسسة مالية لإرسال رسائل آمِنة وأوامر دفع في أكثر من 200 دولة، ويرسل هذا النظام أكثر من 40 مليون رسالة يومية، إذ يتم تداول تريليونات الدولارات بين الشركات والحكومات.
ويقع مقر الشبكة في بلجيكا ويديرها مجلس إدارة يتألف من 25 شخصاً، وكونها تأسَّست بموجب القانون البلجيكي فيجب أن تمتثل للوائح الاتحاد الأوروبي.
وتعرف “سويفت” نفسها بأنها “جمعية تعاونية عالمية محايدة تم إنشاؤها وتشغيلها من أجل المنفعة الجماعية لمجتمعها”، وتؤكد أن أي قرار بفرض عقوبات على دول أو كيانات فردية يعود فقط إلى الهيئات الحكومية المختصة والمشرعين المعنيين.
وتم إنشاء شبكة “سويفت” من قِبل بنوك أمريكية وأوروبية، كانت ترغب في ألا تسيطر مؤسسة واحدة على النظام المالي وتطبق الاحتكار، وهي مملوكة الآن بشكل مشترك لأكثر من 2000 بنك ومؤسسة مالية.
ويشرف على الشبكة البنك الوطني البلجيكي، بالشراكة مع البنوك المركزية الكبرى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا.
تَبِعات إخراج روسيا من “سويفت”
في حال إخراج روسيا من الشبكة، فإن ذلك سيُصعِّب على المؤسسات المالية إرسالَ الأموال داخل أو خارج البلاد، أو ربما سيكون ذلك مستحيلاً، الأمر الذي سيُكبِّد الشركات الروسية خسائر كبيرة خاصة وأنه لا يوجد بديل لهذه الشبكة مقبول عالمياً.
وبذلك ستفقد الشركات الروسية الدخول للمعاملات السلسة واللحظية التي يوفرها النظام وستتأثر المدفوعات الخاصة بالمنتجات الروسية، كما ستضطر البنوك إلى التعامل مباشرة مع بعضها البعض، مما سيؤدي للتأخير وزيادة التكاليف، ومن المحتمل أن ينتهي بها المطاف إلى قطع الإيرادات عن الحكومة الروسية.
في عام 2012 قررت دول الاتحاد الأوروبي إخراج إيران، حيث تمّ فصل البنوك الإيرانية من نظام “سويفت” بسبب برنامج طهران النووي، وأدى ذلك إلى خسارة إيران ما يقارب نصف عائدات تصدير النفط و 30% من التجارة الخارجية.
وخلال السنوات الماضية، سعت روسيا إلى البحث عن بدائل في حال تم إزالتها من نظام “سويفت”، حيث أنشأت في عام 2014 نظام الدفع الخاص بها SPFS، بعد تعرضها لعقوبات أوروبية بسبب ضمها لشِبْه جزيرة “القرم”.
ووفقاً للبنك المركزي الروسي، يضم نظام الدفع SPFS، حوالَيْ 400 مستخدم، ويتم حالياً 20% من التحويلات المحلية من خلاله، إلا أن أبرز العيوب التي يعاني منها هي حجم رسائله المحدود، والعمليات المحددة بساعات أسبوعياً.
وكان الباحث محمد نبال قلعه جي أشار في حديث لموقع “نداء بوست” إلى أن روسيا ستتأثر اقتصادياً جراء الهجوم على أوكرانيا، وقال: “العلاقة بين الحرب والاقتصاد هي علاقة عكسية، فاندلاع الحرب يجعل المؤشرات الاقتصادية تهوي وتتداعى تحت تأثير الإنفاق العسكري وتوجيه موارد الدولة نحو الأسلحة والذخائر والإمداد وتحت تأثير توقف عجلة الاقتصاد وتوقف سلاسل الإمداد، السؤال المطروح كيف يمكن أن تتأثر بقية الدول بالصراع الدائر في شرق الكوكب بين روسيا وأوكرانيا؟”.
كما أشار إلى أن “روسيا تُعتبر المزود الرئيسي للغاز للدول الأوروبية، حيث ارتفعت العقود الآجلة الهولندية بمستويات قياسية تجاوزت الـ 25% ومن المتوقع أن تشهد أسعار الغاز ارتفاعات أخرى في العقود الفورية، وبدأ التجار باللجوء إلى السوق الفوري للحصول على شحنات الغاز الطبيعي المسال، وانطلاق شرارة الحرب أدى إلى انخفاض حاد في أسواق الأسهم والبورصة في جميع أنحاء أوروبا وفي الولايات المتحدة واليابان وغيرها من الدول الأخرى حيث انخفض مؤشر فوتس البريطاني بأكثر من 3%، وهبط مؤشر داكس الألماني بأكثر من 5%، وكل هذا يحدث بسبب قلق المستثمرين من التأثير المحتمل للصراع بين روسيا وأوكرانيا، وانخفاض أسعار الأسهم ينذر بركود في أوروبا والعالم نتيجة توقف إمدادات الغاز الروسي أو ارتفاع تكلفة الحصول على الغاز المسال من السوق الفوري”.
لماذا ينقسم الغرب حول حَظْر روسيا من “سويفت”؟
تتضارب مصالح الدول الغربية وتنقسم حول حظر روسيا من نظام “سويفت” رغم أنها متَّحِدة ومتفقة على ضرورة تشديد العقوبات ضد موسكو، فقد أعلنت فرنسا وتشيكيا وإيطاليا وبريطانيا وقبرص دعمها لقرار استبعاد روسيا من النظام المصرفي العالمي.
كما نقلت “بلومبيرغ”، عن مصادر مطلعة، قولها: إن مسؤولي إدارة بايدن يناقشون حالياً ما إذا كان يتعين عليهم الضغط لإصدار أوامر تنفيذية من الاتحاد الأوروبي، لاستبعاد روسيا من نظام “سويفت”.
فيما لم تحسم ألمانيا موقفها حتى الآن، حيث اعتبر المتحدث باسم الحكومة ستيفن هيبيستريت، أنه “من الصعب فنياً الإعداد لخطوة عزل روسيا عن نظام “سويفت” للمدفوعات الدولية بين البنوك؛ لأن ذلك سيؤثر بشكل كبير على المعاملات التجارية بالنسبة لألمانيا والشركات الألمانية في روسيا”.
كما دعا المستشار الألماني أولاف شولتس إلى استبعاد خيار فصل روسيا عن نظام “سويفت” العالمي للمدفوعات بين البنوك من حزمة العقوبات الثانية للاتحاد الأوروبي ضد روسيا.