قالت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب في تقرير رُفع إلى الكونغرس هذا العام: إن سوريا تواصل الحصول على مكونات لأسلحتها الكيماوية وبرامجها الصاروخية ، حيث يسعى نظام بشار الأسد لاستعادة القدرات التي تآكلت بسبب الحرب المستمرة منذ ما يقرب من عقد من الزمان والضربات الجوية الأمريكية المتتالية.
تأتي النتيجة -التي أكدها مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون وكذلك مصادر دبلوماسية تحدثت شريطة عدم الكشف عن هُوِيّتها- لمجلة "فورين بوليسي" في الوقت الذي يشعر فيه المسؤولون الحاليون والسابقون في إدارة ترامب بالقلق من احتمال أن يؤدي تراكُم منشآت إنتاج الصواريخ داخل سوريا إلى تهديد إسرائيل.
أبلغت وزارة الخارجية الكونغرس هذا العام في وثيقة: "على الرغم من تدمير منشآت إنتاج الأسلحة الكيميائية في سوريا ومخزون مكونات الأسلحة الكيميائية يواصل نظام الأسد السعي للحصول على أسلحة كيميائية كما استخدم الكلور والسارين في عدة مرات على مدار الصراع، نعتقد أن نظام الأسد يسعى إلى إعادة تأسيس قدرات إنتاج الأسلحة الإستراتيجية التي فقدها في سياق الصراع، وما زلنا نرى نشاط المشتريات السوري لدعم برامج الأسلحة الكيماوية والصواريخ".
في اجتماع لمجلس الأمن الدولي يوم الاثنين اتهمت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة "كيلي كرافت" سوريا بخرق التزاماتها بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية وقرارات الأمم المتحدة بتفكيك برنامجها للأسلحة الكيماوية.
تعزو الولايات المتحدة أكثر من 50 حالة من استخدام الأسلحة الكيميائية إلى نظام الأسد وتم إطلاق معظمها من الطائرات، وتم استهداف المدنيين في الأحياء السكنية والأسواق والمستشفيات.
ليس من الواضح للمسؤولين الأمريكيين فيما إذا كانت إيران تفكر في نقل الصواريخ الباليستية مباشرة إلى الأسد وهي خطوة من شأنها أن توسع بشكل كبير نطاق مخزونات دمشق من "السارين" و"الكلور" لكن جهود النظام السوري المستمرة لتأمين أسلحة كيماوية أثارت مخاوف في واشنطن وتل أبيب.
في الماضي طور النظام السوري ذخيرة صاروخية بدائية لإطلاق أسلحة كيماوية بناءً على تصميمات من حزب الله وأوردت صحيفة Janes Defense Weekly أن إيران كانت تساعد سابقاً في تطوير برنامج صواريخ "أرض – أرض" في سوريا.
وفي تقرير للكونغرس حصلت عليه وزارة الخارجية، حذر من أن تستغل إيران أيضاً الحرب السورية لبناء زمرة من قوات الميليشيات متعددة الجنسيات على طول طرق العبور الحدودية وإطلاق طائرات مسيرة مسلحة باتجاه إسرائيل.
وقال مسؤول سابق في إدارة ترامب: إن الولايات المتحدة قامت بضربات جوية إسرائيلية ذات ضوء أخضر داخل سوريا استهدفت الجهود الإيرانية لإيواء منشآت صواريخ بالقرب من حدودها، وهو ما يُعتبر خطاً أحمر بالنسبة لإسرائيل.
قال مسؤولون ومصادر دبلوماسية: إن المخاوف بشأن مواقع الصواريخ الإيرانية تتزايد حيث كثفت إيران جهودها لإنتاج مجموعات توجيه دقيقة على الأراضي السورية يمكن أن تزيد من دقة الصواريخ قصيرة المدى التي يتم إطلاقها على إسرائيل.
في نفس الوقت، يبدو أن جهود الأسد المستمرة لإعادة بناء إنتاج الأسلحة الكيميائية في سوريا مهمة ليس فقط من حيث الآثار المترتبة على حقوق الإنسان، ولكن أيضاً للتهديدات التي قد تشكلها على حلفاء الولايات المتحدة وشركائها.
قال "داريل كيمبال" المدير التنفيذي لجمعية الحد من التسلح: "إن منع برنامج الأسلحة الكيماوية للأسد مهم لأن إسقاط البراميل المتفجرة من طائرات الهليكوبتر شيء وأن يتوفر السارين في الصواريخ الباليستية لتتمكن من ضرب دول أخرى في المنطقة شيء آخر ، ويعد هذان تهديدين مختلفين للغاية".
وقال "كيمبال": إنه سيكون من الصعب على المنظمات غير الحكومية أن تؤكد بشكل مستقل ما إذا كان الأسد يتخذ خطوات لإعادة بناء برنامجه للأسلحة الكيماوية.
ومع ذلك ، قال: "لن يكون مفاجئاً إذا تأكدت المخابرات الأمريكية أن نظام الأسد يحاول إعادة تشكيل بعض برامجه السابقة، وإذا كان لديها دليل فإنها تتحمل مسؤولية تقديم هذه الأدلة إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية حتى تتمكن من وضع ثقل المنظمة والمجتمع الدولي بالكامل على سوريا".
يبدو أن إصرار الأسد على بناء برنامج للأسلحة الكيماوية يتحدى تفاؤل المسؤولين المدنيين والعسكريين الأمريكيين بعد الضربات الصاروخية المتتالية بقيادة الولايات المتحدة ضد القواعد والمنشآت الجوية في عامَيْ 2017 و 2018.
لم يستبعد مدير هيئة الأركان المشتركة آنذاك الفريق "كينيث ماكنزي" إمكانية شنّ النظام لهجمات بالأسلحة الكيماوية في المستقبل في عام 2018 رغم أنه قال إن الهجوم متعدد الجنسيات الذي شمل بريطانيا وفرنسا قد وجه "ضربة خطيرة للغاية" إلى قلب برنامج الأسد.
لكن مسؤولين سابقين قالوا: إن على إدارة ترامب أن تُوازِن بين رغبتها في توجيه ضربة للنظام السوري وبين مخاوف الأضرار الجانبية في ساحة معركة مزدحمة باللاعبين.
ولكن حتى قبل الضربات اشتبهت وكالات الاستخبارات الغربية ومفتشو الأسلحة الدوليون منذ فترة طويلة في أن الأسد أخفى بعض مخازن الأسلحة الكيماوية بعد أن أعلن أنه ألغى البرنامج بأكمله كجزء من اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا في عام 2013.
وتعزز هذا مراراً وتكراراً من خلال التقارير المتوالية عن استمرار القوات السورية في إطلاق الذخائر المملوءة بغازَيْ "السارين" و"الكلور" على البلدات المدنية في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة.
منذ عام 2016 عبَّر خبراء الأسلحة الكيميائية الدوليون في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية -ومقرها لاهاي- عن حقائق غير كاملة وغير دقيقة بشكل مقلق حول حجم برنامج الأسلحة الكيميائية المستمر في سوريا وفقاً لتقرير سريّ لعام 2016.
وقال "كينيث وارد" مبعوث واشنطن في ذلك الوقت إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية: "لذلك ما زلنا قلقين للغاية من أن سوريا احتفظت بصورة غير مشروعة بعامل الأسلحة الكيميائية والذخائر المرتبطة بها".
كانت هناك مؤشرات على أن سوريا سعت إلى إعادة بناء برنامج أسلحتها الكيميائية، وقال "غريغوري كوبلنتز" الأستاذ في جامعة جورج ميسون: "فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركات تعمل في برنامج الأسلحة الكيماوية السوري منذ 2013 و 2014 – مما يعني أن هناك محاولات مستمرة للشراء".
على سبيل المثال أصدرت فرنسا بياناً في إبريل 2017 زعمت فيه أن السوريين كانوا يحاولون الحصول على مخازن "الأيزوبروبانول" وهي سلائف كيميائية تُستخدم في إنتاج "السارين".
وقالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أيضاً: إنها وجدت "تناقضات كبيرة" في تفسيرات النظام السوري لاكتشاف آثار غاز "السارين" في مواقع لم يتم الإعلان عنها للمفتشين كمَرافق أسلحة.
وقال "كوبلنتز": إن سوريا ربما تسعى لتوسيع تهديد أسلحتها الكيماوية لردع الهجمات من قِبل خصومها الإقليميين وخاصة إسرائيل.
ويصر الخبراء على أن النظام سيظل يتطلع إلى مضاعفة ترسانته من الأسلحة الكيماوية.
المصدر فورين بوليسي