نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
قصص نجاح لا تُحصى، سطّرها، ويسطّرها السوريون الذين اضطرتهم المقتلة الكبرى في بلدهم، إلى اللجوء لبلاد الآخرين، بادئين بالدول الأقرب جواراً وتناغُماً ونسباً ومشتركات كبريات. وفي مقدمة دول القرب الوجداني: الأردن، إذ يكفي أن بينها وبين سورية مسمًّى واحداً يجمعها معها: "بلاد الشام" كما هو ذات حلم قديم نأمل أن يجد له موطئ قدم في مقبل الأيام. ولخصوصية علاقة السوريين مع مطبخهم وحلوياتهم التقليدية، فإن كثيراً من نجاحاتهم، دون إهمال أنواع نجاحات أخرى مثل الحياكة والنسيج وبعض أنواع الفنون، تحققت في هذيْنِ الحقليْنِ: الأطعمة والحلويات.
العزيمة والإصرار
الظروف الاقتصادية الصعبة التي شهدتها عائلة أبي خالد الدمشقي منذ لجوئه إلى الأردن بسبب فظائع النظام في بلده، دفعته للبحث طويلاً عن فرصة تمكّنه وأسرته التي تتكوّن من سبعة أفراد من العيش وسط ظروف اقتصادية، واجتماعية ونفسية صعبة.
لم يكن العثور على وظيفة بالأمر السهل، بحسب أبي خالد الذي كان صاحب مطعم في دمشق، ولكنه اضطر عندما وصل الأردن، ولعيون لقمة العيش، للعمل أجيراً في مطاعم الآخرين.
عَمَلُ أبي خالد وحده غير كافٍ لتلبية متطلبات عائلة تتكوّن من سبعة أفراد فيها أربعة شباب في سن العمل، إلا أن السوق الأردني لم يفتح أبوابه لأولاده جميعهم، ما دفعه للتفكير بإقامة مشروع صغير يتمكّن خلاله من توفير عمل له ولأبنائه.
يقول أبو خالد: "كنت أحلم منذ أن جئت إلى الأردن أن أعاود فتح مطعم يشبه المطعم الذي كان لي في سورية". حلمٌ سُرْعان ما حقّقه الرجل ومعه أولاده، متّخذين من مدينة "السلط" شمال غرب عمّان مكاناً لمشروعهم.
لم يكن بالأمر السهل والمفروش بالورود ما حقّقته أسرة أبي خالد، ولكن بالعزيمة والإصرار ودعم أبناء المجتمع المحلي في "السلط" المشهورة بكرمها وحسن معشر ناسها، كان لهم ما أرادوه.
الحب والبركة
العزيمة والإصرار كانَا أيضاً عنوان نجاح مشروع أبي أسعد الآغا، الذي استطاع وأسرته افتتاح مطعم شاورما وعرايس ومشاوٍ في منطقة تعج بمطاعم تقدم هذه الأصناف والوجبات، وقد حظي مطعم أبي سعد وأسرته بتوفيق من الله، ومنذ افتتاح المطعم في عام 2017، وحتى يومنا هذا يزداد زبائن مطعمهم باطراد. يقول أبو سعد: "بالحب والبركة والتوكل على الله نحضّر أطباقنا"، بهذه المكونات صار لديهم مشروع أسري يعمل فيه إضافةً لأبناء أبي سعد الثلاثة، صهراه وابن أخيه الذي يقوم بتوصيل الطلبات. كما أنهم استأجروا بيتاً قريباً من المطعم، فأصبحت أم سعد وبناتها شريكات في تحمُّل المسؤولية، يُعدِدْنَ المعجّنات المنزلية الطازجة والسَّلَطات والتبولة وما إلى ذلك.
أبو سعد لم ينسَ ما عاناه وأسرته عند وصولهم الأردن، فقرر تقديم وجبات بسعر التكلفة لأبناء جلدته وأصحاب الدخل المحدود، ووجبات مجانية للمحتاجين بغض النظر عن جنسيتهم.
نجاحات في قطاع الألبسة
رغم أن الطعام والحلويات الشامية من المشاريع العائلية الأكثر رواجاً بين العائلات السورية في الأردن، إلا أن عائلة أبي أحمد السورية بدأت ببيع الملابس القطنية ومستلزمات الأطفال من البيت في عام 2012 حتى انتهى بها الأمر إلى تأسيس مشروعها الخاص "المؤسسة السورية لملابس الأطفال".
بمحل صغير وسط العاصمة عمّان، بدأ عامَ 2014، أبو أحمد وزوجته أم أحمد، قبل أن ينتقلوا إلى مدينة "السلط" ويفتتحوا محلاً أكبر قليلاً تكفَّلت أم أحمد بمسألة إدارته وصار يُعرف باسمها "أم أحمد السورية". وفي زهاء ثلاثة أعوام من العمل الشاقّ والبيع ليلاً ونهاراً هي وأسرتها، تمكنوا، أخيراً، من افتتاح مؤسستها العائلية المتخصصة ببيع ملابس الأطفال والكبار.
تقول أم أحمد: "لم يكن الأمر سهلاً ومرّت علينا أيام ثقيلة لم يكن بوسعنا سوى الصبر والأمل بالله أن القادم أفضل"، فقد ساعد إقبال الناس على الملابس السورية بسبب جودتها، ووقوف أبناء المنطقة إلى جانبهم، وأسعارهم المعقولة جداً مقارنةً بما هو موجود في الأسواق، بزيادة الإقبال عليهم.
نواة النجاح ووصولهم إلى ما وصلوا إليه، أن المشروع عائلي، تقول أم أحمد: فتشغيل أبناء العائلة وبناتها خفّف عنهم كثيراً من الأعباء المالية، ومكّنهم من متابعة المشوار وتجاوُز الصعاب حتى كبر بهمّة أبناء الأسرة وبناتها وأصبحوا شركة ألبسة كبيرة.
عائلة أبو أحمد كانت تتطلّع إلى افتتاح فروع في باقي محافظات المملكة، إلا أن جائحة "كورونا" حالت دون ذلك في الظروف الحالية على الأقل، على أمل أن يتمكّنوا من تجاوُز الأعباء التي خلّفها الوباء، ويواصلوا ما يحققونه من صعود ونجاح.
حتى عام 2018، بلغ عدد الشركات السورية المسجَّلة لدى دائرة مراقبة الشركات الأردنية، ما لا يقلّ عن 4100، تتوزع على عدة قطاعات، أهمها الصناعة والتجارة والعقارات، مع إجمالي رؤوس أموال تجاوزت الـ 220 مليون دينار أردني (310 ملايين دولار).
هذا الرقم يشمل الشركات السورية الموجودة تاريخياً في الأردن، وبعضها مضى على تأسيسه في الأردن عشرات السنين، إلا أن الرقم ازداد بشكل متسارعٍ مطّرد منذ عام 2011 فصاعداً.
Author
-
روائي وإعلامي فلسطيني/أردني..مُعِدّ ومنتج تلفزيوني.. صدر له ثلاث روايات وأربع مجموعات قصصية