نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
في نهايات عام 2011، غادر مالك عربيني تجارته بالموادّ الغذائية في دمشق وبدأ استثمارات جديدة مع شركاء أردنيين بقطاع الحلويات والمطاعم في الأردن. وفي عام 2012، افتتح في مدينة الزرقاء (40 كيلومتراً شمال شرق العاصمة الأردنية عمّان) مع شريك أردني محل "عبق العراقة" للحلويات الشامية.
وعندما لقي المحل الأول إقبالاً كبيراً، توسع المستثمران لإنشاء محلٍّ آخرَ بجواره، يختص بصناعة البوظة العربية، ليلقى النجاح ذاته، حيث يطغى مشهد الازدحام على جلسته المميزة، وخاصة في أيام العطل ونهاية الأسبوع.
شراكة مثمرة..
ولدى فراغ الشريكين من مرحلة التخطيط للمشروع، حصَلَا على الموافقة الأمنية، وأودعا رأس المال في البنك، ثم قامَا بترخيصه من قِبل هيئة الاستثمارات الأردنية بعد تقديم الطلب والمرفقات المطلوبة إلى النافذة الاستثمارية، كما تمّ تسجيل المنشأة في وزارة الصناعة والتجارة للاسم التجاري.
عربيني يقول: إن الشراكة مع مستثمر أردني ضرورية، إذ يتطلب استثمار غير الأردنيين في قطاع خدمات المطاعم والمقاهي والكافتيريات وجود شريك أردني، بناء على شروط نظام تنظيم استثمارات غير الأردنيين رقم (77) لعام 2016، ويمكن للمستثمر غير الأردني أن يتملك نسبة لا تتجاوز 50% من رأس مال أي مشروع في الأنشطة الاقتصادية التي تنظمها المادة الرابعة من النظام المذكور، ومن ضِمنها خدمات تقديم المأكولات والحلويات باستثناء تلك التي تُقدَّم في الفنادق والنُّزُل.
كل هذا كان قبل عام 2016، ولكن، ومع سيادة شعور عامّ أن وجود السوريين في الأردن سيطول، وأنه لا أُفق حل قريب لمأساة لجوء ملايين السوريين إلى بلاد الآخرين، فإن منظمة العمل الدولية بالتعاون مع الجهات الأردنية المعنية بقطاعات العمل والاستثمار، مثل وزارة العمل، وهيئة الاستثمار الأردنية (هيئة تشجيع الاستثمار سابقاً)، ووزارة الصناعة والتجارة والتموين، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي، وغيرها، سهّلت دخول اللاجئين السوريين إلى سوق العمل، وأطلقت المنظمة سلسلة مشاريع تجريبية في الأردن دعماً لحصول اللاجئين وأفراد المجتمعات المضيفة لهم على فرص العمل وسُبل العيش.
بالتالي، وفي عام 2016، بات الأردن أول بلد عربي يُسهّل دخول اللاجئين السوريين إلى سوق العمل. وقد تحقق هذا الإنجاز بإبرام "ميثاق الأردن" الذي قلل الحواجز التي تَحول دون عمل اللاجئين بصورة قانونية في المملكة.
مما أفضى إلى عدد من التحولات في السياسات، منها تخفيف الإجراءات وإلغاء رسوم الحصول على تصاريح عمل في قطاعات مختارة والسماح للسوريين المقيمين في المخيمات بالعمل في المجتمعات المضيفة لهم. كما عُزِّزت فرص حصول كل من الأردنيين والسوريين على التدريب على المهارات والتدريب المهني، فضلاً عن خدمات مطابقة الوظائف.
تولى عربيني إدارة محلّ الحلويات ومحلّ البوظة منذ افتتاحهما عام 2012، ويتولى أيضاً تنظيم شؤون العاملين في كليهما، حيث يعتمد المالكان المزج بين العمالة الأردنية والسورية وفقاً للنسب التي يحددها قانون العمل الأردني، بحيث لا تقلّ نسبة العمالة الأردنية عن 80%، ولا تزيد نسبة الوافدين على 20%.
ويتم الاعتماد على العاملين السوريين في إعداد الحلويات والفطائر التي تُباع في المحلّ على أنواعها، وموظفين خبرتهم في هذا المجال للإنتاج بجودة عالية، باعتبار صناعة الحلوى مهنة دمشقية تتوارثها الأجيال، فيما تتركز مهام العاملين الأردنيين في الشؤون الإدارية والمحاسبية بشكل أكبر.
ويتم استصدار تصاريح عمل للسوريين من وزارة العمل، ويُعفى أصحاب العمل من رسوم التصاريح ورسوم الشهادة الصحية عن استخدام العمالة السورية، ويتم استيفاء عشرة دنانير فقط مقابل تدقيق معاملة. وفقاً للناطق باسم وزارة العمل الأردنية محمد الخطيب.
ويرى عربيني أن هذه الشراكة والمزج في العمالة ساعد في تغيير الصورة النمطية تجاه اللاجئين السوريين والتخوف من تسببهم بضغوطات على الموارد الأردنية، وتأثيرهم على فرص عمل الأردنيين، كون اتجاههم للاستثمار عزَّز الشراكة واستحدث فرص عمل، وانعكس ذلك على العلاقات الاجتماعية أيضاً، كما يقول.
وبحسب أمين سر نقابة أصحاب المطاعم والحلويات الأردنية نمر ولد علي (المختصة برعاية حقوق ومصالح أصحاب المطاعم والحلويات) فإن الاستثمارات السورية اللاجئة تركزت في قطاع المطاعم والحلويات، وبنسبة أقل في القطاعات الأخرى، ويعود ذلك لخبرتهم وبراعتهم في هذا المجال، فاستغلوا مهاراتهم في صُنع الحلويات والأكل الشامي المحبَّب لدى الكثيرين وأقاموا مشاريعهم.
وتنتشر محالّ الحلويات الشامية في محافظات "عمّان" و"الزرقاء" و"إربد" أكثر من المدن الأخرى بحسب نمر ولد علي، ويرتبط ذلك بتركز استقرار السوريين الذين لجؤوا إلى الأردن في هذه المحافظات الثلاث.
الشريك الأردني لمالك العربيني يقول: إن سورية مشهورة بحلوياتها الطيبة، كما يُعرف السوريون بإتقانهم لهذه الصناعة بحرفية عالية ويطورونها أيضاً، كما يتولون الأمر بشكل محبَّب للزبائن، وغالبيتهم من الأردنيين، بحسب الشريك أبي حامد.
ويَصِف خبراء الاقتصاد التجربة الأردنية في التعامل مع اللاجئين السوريين والاستثمارات السورية اللاجئة بالناجحة، بالاعتماد على نظرية اعتبارهم فرصةً وليس عبئاً ثقيلاً، إذ فُتحت لهم أسواق العمل، ويُتاح لهم الاستثمار بالشراكة مع أردنيين، وهذا كان له انعكاساته الإيجابية على السوق الأردنية.
أبّاً عن جَدّ
"أبّاً عن جَدّ" عبارة تكررت كثيراً خلال تواصُل "نداء بوست" مع أصحاب النجاحات السورية على الأراضي الأردنية. قالها لنا (أبو خليل) وهو يوضح مَرْجعِيَّات نجاح مَلْحَمته التي يتفنَّن داخلها بعرض اللحوم البلدية والمستوردة (يتعامل الأردنيون مع الخروف الروماني بوصفه لحماً مستورداً رغم استيراده حيّاً وتربيته في مختلف مناطق الأردن قبل بيعه حيّاً أو لحوماً).
نجاحات (أبو خليل) الذي قال لنا: إنه تعلم مهنة (الجزارة) "أبّاً عن جد"، لم تتوقف عند بيع اللحوم بل أضاف لها مهاراته ومهارات شغيلته بالمعجنات الشامية ومنها: الكبة، الشرحات عالعجين، الصفيحة الشامية (يسميها الأردنيون صفيحة أرمنية)، ومن ثَمَّ توسَّع وشارك أبناء عمومته بافتتاح مطعم شاورما وسناكات ودجاج على السيخ وما إلى ذلك لصق مَلْحَمته، والمَلْحَمة والمطعم يحملان الاسم نفسه الذي آثَرَ (أبو خليل) أن لا نُورِدَه.
أحمد عزيزي ابن حلب، قال لنا بدوره إنه ورث مهنة صناعة المعجنات "أبّاً عن جد". ورغم بعض الاختلافات في قصة أحمد، إلا أنها تصبّ في نهاية المطاف في إطار قصص النجاحات السورية على الأراضي الأردنية.
الاختلاف الذي نشير إليه أن أحمد مولود في عمّان، إذ غادرت أسرته سورية بعد أحداث حماة في عام 1982، بل لعلها غادرت في مطلع الحرب التي شنّها النظام السوري أيام حافظ على جماعة الإخوان المسلمين فإذا بها تعمّ وتطمّ وتتحوّل إلى مبرِّرٍ لقتل كل سُنيّ تصادف أنه قريب من منطقة الاشتباكات، وهو ما شمل أيامها ومنذ نهايات العام 1978، دمشق وإدلب وحلب وأخيراً حماة.
أحمد خَطَا خُطوته الأولى على طريق صناعة المعجنات في محلّ والده في عمّان، ثم قرر شقّ طريقه بنفسه فعاد عام 2002، إلى مدينته الأم حلب وصقل هناك مهارته وتعلم "سرّ الصنعة" على حد تعبيره.
في عام 2005، رجع إلى عمّان وافتتح أول محلّ خاصّ به باسم "صيدنايا الشام"، وفعلاً لاقت منتجاته إقبالاً كبيراً بعد أن وضع كل ما تعلمه وخَبَرَهُ من إضافات للعجينة (سكر- زبدة…)، وطريقة تصنيعها، ليُصبح الأنجحَ في مجال المعجنات، وخاصة مع الفرق الكبير مع ما ينتج في سوق عمّان المحلي من حيث المذاق والجودة.
المحلّ صار محلّين، ثم ثلاثةً، وخلال صعود نجمه، واجه أحمد بعض المعيقات والعراقيل، منها ما يتعلق بقوانين الاستثمار الأجنبي في الأردن، ولكنه تعامل مع مختلف مُعطِّلات نجاح مشروعه الذي أصبح أخيراً ساطعاً ويُشار إليه بالبنان. يُتبع..
Author
-
روائي وإعلامي فلسطيني/أردني..مُعِدّ ومنتج تلفزيوني.. صدر له ثلاث روايات وأربع مجموعات قصصية