نداء بوست -ميدل إيست آي- ترجمات
عندما يتعلق الأمر بنوع الأحداث التي تشير إلى مكانة بشار الأسد، يبدو أن رئيس النظام السوري يشق طريقه للعودة إلى صدارة المشهد.
ففي هذا العام وحده، رأى رئيس النظام السوري بلاده مدرجةً في صفقة خط أنابيب مدعومة من الولايات المتحدة، وأرسل رئيس جهاز المخابرات الخاص به لسلسلة من الاجتماعات الأمنية التي حظيت بتغطية إعلامية جيدة مع الدول المجاورة، وأجرى مكالمات هاتفية مُعلنة مع ملك الأردن.
إن عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، ذلك المنتدى السيئ الذي لطالما كانت دمشق عادةً ذات حضور فيه، بات يُطرح الآن كاحتمال جدّي.
وتتناسب الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير خارجية إحدى مشيخات الخليج الثرية، بشكل جيد مع تلك الأخبار الواردة من المنطقة عندما تضاف إلى هذا المزيج من الأحداث.
فقد اعتبر محللون أن الصور التي تم التقطاها في وقتٍ سابق من هذا الشهر، والتي تُظهر الأسد ووزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، يُجري لقاءات في دمشق، هي أحدث دليل على أن دول المنطقة مستعدة لإعادة التواصل مع حكومة النظام السوري بعد سنوات من العزلة، ويقود هذا التواصل دول مثل الإمارات العربية المتحدة والأردن، وبدرجة أقل مصر.
ففي حين أن هذه الدول لديها أولويات مختلفة، إلا أنهم جميعاً قلقون بشأن الموقف الذي يمكن الخصمان الإيراني والتركي من ترسيخه داخل سورية مع تضاؤل النفوذ العربي.
طرد الإيرانيين
وبينما يبدو أن وتيرة دبلوماسية العديد من الدول العربية تتسارع، حيث يقول محللون ومسؤولون في المنطقة إنها كانت تختمر منذ بعض الوقت.
وقال جيمس جيفري، المبعوث الخاص السابق لإدارة ترامب إلى سورية: "الإمارات العربية المتحدة تقوم بهذا النوع من التواصل مع الأسد منذ عامين ونصف، لذا فإن هذه الزيارة الأخيرة ليست مفاجئة".
وفي عام 2017، حذّر بن زايد مما أسماهُ الإجراءات "الاستعمارية" الإيرانية، والتي تحتفظ بوكلاء في جميع أنحاء سورية.
وقد أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق عام 2018، وفي العام نفسه، عيّن الأردن القائم بالأعمال في سفارته في دمشق بعد أن تم استدعاء سفيرهم في عام 2011 عند اندلاع الثورة.
وقال موظف في مجلس الشيوخ، ومسؤول سابق في وزارة الخارجية التقى مؤخراً مع شركاء أمريكيين في المنطقة شريطة عدم الكشف عن هويته: "لقد كان هذا هو المُعتمد منذ فترة".
وقد تمت إعادة العلاقات ببطء، مع عودة رجال الأعمال الإماراتيين إلى سورية، لحضور المعارض التجارية، واستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين في وقت سابق من هذا الصيف.
ويقول محللون إن الإمارات تعتقد أنه من خلال التمسك بالنظام السوري، وإعادته إلى الحظيرة الإقليمية، يمكنها الحد من نفوذ الخصوم مثل إيران.
وقال جيفري الذي يعتبره الكثيرون متشككًا في التعامل مع النظام "إنهم يحاولون الحصول على وعود وتشجيع نظام الأسد على أمل أن يرد بالمثل"، "لكن الأسد لا يُظهر أي مرونة في قضايا تتعلّق بالإيرانيين".
ورددت ناتاشا هول، الزميلة البارزة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تلك الأفكار عندما تم سؤالها عن المدى الذي ستتمكن فيه الإمارات من تحقيق تقدم مع حكومة النظام السوري.
وقالت لموقع ميدل إيست آي: "إيران لديها وجود على الأرض، عسكرياً واقتصادياً وبشكل متزايد داخل المجتمعات، وعلى مدى السنوات العشر الماضية، لم يكن للدول التي ليس لها وجود عسكري في هذا الصراع أهمية تذكر بلعبة الشطرنج".
في حين أنه من غير المحتمل أن ترسل الإمارات العربية المتحدة قوات إلى سورية، إلا أن الشيء الوحيد الذي تمتلكه هو النقد، وسورية في حاجةٍ ماسة إلى المساعدة الاقتصادية.
ووفقاً للبنك الدولي، فقد تقلّص اقتصاد البلاد بنحو 60 في المائة منذ بداية الصراع وتُقدّر الأمم المتحدة أن إعادة بناء سورية ستُكلّف حوالي 250 مليار دولار، وهو رقم يعادل أربعة أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي قبل الحرب.
حتى الآن، كانت العلامة الوحيدة للاستثمار من الإمارات العربية المتحدة هي إنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 300 ميغاواط في ريف دمشق.
ولم تحدد حكومتا النظام السوري أو الإماراتية موعد بدء المشروع أو تفصح عن الشركات التي ستتولى تنفيذه.
وبحسب وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري، سيتم إنشاء محطة الطاقة الشمسية في غضون عامين وتنتج ما يقرب من 500 مليون كيلوواط ساعي من الكهرباء، أي حوالي ستة بالمائة من الطاقة الإنتاجية الحالية للبلاد.
العمل بما تبقى من موارد
تُعتبر مشاكل الكهرباء في سورية من نواحٍ عديدة رمزاً للقضايا الأوسع التي تواجهها البلاد، وتوضح كيف -على الرغم من انهاء التوترات مؤخراً مع دول المنطقة -لا تزال عزلتها تعصف بالاقتصاد.
ووفقًا لتقرير عام 2021 الذي نشره معهد الجامعة الأوروبية، فقد انخفض إنتاج الكهرباء في سورية بمقدار النصف تقريباً منذ بداية الحرب، في حين أن نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء المنتجة من الدولة لا يتجاوز 15 بالمائة مما كان عليه في عام 2010.
وتعاني البلاد من انقطاع مستمر في التيار الكهربائي وتعتمد على حلفاء مثل إيران لتزويدها بالنفط والغاز الخاضعين للعقوبات لتشغيل محطات توليد الكهرباء.
وقال كرم الشعار، أحد مؤلفي التقرير: إن محطة الطاقة الشمسية التي تموّلها الإمارات العربية المتحدة لن تفعل الكثير لمعالجة الأسباب الجذرية لنقص الكهرباء في سورية.
وقال: إن "المشكلة الحالية تتمثل في عدم توفر الوقود والغاز لمحطات الطاقة الحالية، وعدم القدرة على إصلاح خطوط النقل التي تضررت بسبب الحرب"، مشيراً إلى أن المشاكل التي يذكرها التقرير تستند إلى افتقار البلاد للأموال وعزلتها عن النظام المالي العالمي.
ومنذ ما يقرب من عقد من الزمان، تشن الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون حرباً اقتصادية على نظام الأسد مما يُعرّض البلاد لعقوبات معوقة على أمل أن تؤدي إلى تسوية سياسية.
وفي الأشهر الأخيرة، اتهم البعض إدارة بايدن بإرسال إشارات مختلطة فيما يتعلق بتنفيذ العقوبات السورية، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعمها لخطة ضخ الغاز المصري إلى لبنان عبر الدولة التي مزقتها الحرب.
وقال جيفري: إن "الإدارة لم تكن دائماً متسقة في نصيحتها للقادة العرب بشأن التعامل مع نظام الأسد" قبل أن يضيف أن البيت الأبيض كان أكثر صراحة في إدانته للزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإماراتية إلى البلاد.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في ذلك الوقت: إن الولايات المتحدة "قلقة" بشأن الاجتماع بين كبير الدبلوماسيين الإماراتيين والأسد.
وأضاف "كما قلنا من قبل، هذه الإدارة لن تُعرب عن أي دعم لجهود تطبيع أو إعادة تأهيل بشار الأسد الذي هو دكتاتور متوحش".
ومع ذلك، عندما تم سؤاله عما إذا كانت إدارة بايدن ستسعى إلى تنفيذ عقوبات على الشركات الإماراتية التي تنفذ مشروع محطة الطاقة الشمسية المحتملة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية: إنه "بينما تُعفى المساعدة الإنسانية [من العقوبات]، فإن العديد من الاستثمارات الأخرى في مناطق سيطرة النظام ليست معفية من ذلك".
"متدهور بشدة"
يقول بعض المسؤولين والمحللين إن صياغة مثل هذه هي التي فتحت المجال لتحول طفيف في المنطقة، مما أعطى حلفاء الولايات المتحدة مثل الإمارات العربية المتحدة مساحة للتواصل مع دمشق، حتى لو كان ذلك لأسباب إنسانية، حيث تحافظ واشنطن على سياسة العزلة.
وقال عضو في مجلس الشيوخ: "أتساءل ما إذا كان الإماراتيون قد تواصلوا مع الولايات المتحدة بشأن هذا المشروع مسبقاً"، مضيفاً أن المشروع "يمثل خطاً غامضاً بين العمل الإنساني وجهود تحقيق الاستقرار".
وقال المصدر إنه بناءً على محادثاتهم السابقة مع مسؤولي وزارة الخارجية، فإنهم لا يعتقدون أن الإدارة ستنظر في فرض عقوبات استباقية على المشروع.
وأضاف: "لا أعتقد أننا سنشهد تطبيق المزيد من عقوبات قيصر التي تستهدف حلفاء الولايات المتحدة".
وبالنسبة للإمارات العربية المتحدة، فإن إنشاء موطئ قدم صغير في سورية وإظهار استعدادها لجذب بعض الأموال للبلاد من خلال مشروع للطاقة الشمسية يبدو أنه من المرجح أن يعتمد على اعتبارات سياسية أكثر من الحسابات الاقتصادية، كما يقول المحللون.
وقال جهاد يازجي، رئيس تحرير سورية ريبورت لموقع ميدل إيست آي: إنه لا يتوقع أن تضخ الإمارات الكثير من الأموال في سورية، ووصف مشروع الطاقة الشمسية بأنه "غير مجدٍ من الناحية الاقتصادية".
الإمارات ليست وحدها في عزوفها عن الاستثمار في سورية، فحتى أقرب حلفاء النظام وبالتحديد روسيا وإيران، اللذان كانا حريصين على الاستحواذ على حصص في مشاريع الطاقة الصغيرة، والسيطرة على البنية التحتية الرئيسية، يترددون في الالتزام.
و بالنسبة للمحللين، يعود جزء من السبب إلى أن النظام السوري -الذي لا يزال يواجه تهديدات أمنية، وعقوبات غربية وفساد واسع النطاق- لا يزال ببساطة وجهة غير جذابة للاستثمار.
وقال يازجي: "الاقتصاد السوري متدهور بشكل كبير".
وقال الشعار، الذي يشك في استكمال محطة الطاقة الشمسية: إن اهتمام الإمارات بالمشروع كان "سياسياً أكثر" من أي شيء آخر.
ومن المرجح أن يُقاس عائد الاستثمار الذي تراه البلاد بما إذا كانت ناجحة في كبح نفوذ إيران المتزايد في الدولة التي مزقتها الحرب، وتغيير سلوك حكومة الأسد، في المستقبل القريب على الأقل، من المرجح استمرار مواجهة المتشككين في الغرب. وأضاف "ليس واضحاً تماماً بالنسبة لي ما الذي تلقته الإمارات من النظام لوضع نفسه على هذا الطرف السياسي والاقتصادي".