المصدر: الغارديان (رأي)
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: سيمون تيسدال (كبير الكُتّاب الأجانب والمحررين الخارجيين، أمريكي، في الغارديان)
لا بُدّ أن يكون معنى تغيير النظام في موسكو، أي الإطاحة بفلاديمير بوتين -سواء كان معترفاً بهذا علناً أم لا- هو الهدف النهائي للديمقراطيات الغربية؛ لأنها تساعد في إحباط غزو أوكرانيا. وسعياً وراء الأوهام الإمبراطورية، ذهب بوتين مثل القيصر بعيداً هذه المرة.
عليه أن يرحل الآن. وبناء على ذلك فإن المطلوب الآن وعلى وجه السرعة: ثورة روسية جديدة لإسقاط الطاغية بقيادة من الداخل ومساعدة من الخارج.
إن فكرة بقاء بوتين في السلطة، حتى لو انتهى الأمر بتسوية في أوكرانيا في نهاية المطاف، هي فكرة غير عملية وفاضحة. فمن خلال أفعاله اللاإنسانية، وضع دكتاتور روسيا نفسه خارج نطاق البشرية. إنه تهديد للنظام العالمي، وإهانة للآداب العامة. إنه ببساطة لا يمكن الوثوق به.
على الرغم من الإدانة الدولية المدوّية، والتأثير الضارّ للعقوبات الغربية على الشعب الروسي، والتهديد الناتج عن إمدادات الغذاء والطاقة العالمية، والأدلة اليومية على أن قواته المسلّحة سيئة القيادة في ورطة عميقة، يبدو أن بوتين مصمم على القتال، وحتى على التصعيد.. فقمة الناتو المخيبة للآمال الأسبوع الماضي لن تفعل الكثير لإثنائه عن ذلك.
وقد حذّر الرئيس الأمريكي جو بايدن من أن هذا التعصب الأعمى يمكن أن يؤدي إلى صراع مميت، مما يؤدي إلى استخدام روسيا للأسلحة الكيماوية أو البيولوجية أو حتى الأسلحة النووية في ساحة المعركة. والكرملين لا يستبعد ذلك. فمثل هذا الابتزاز الفظّ ليس أساساً لأي نوع من العلاقات العقلانية.
وقد اتهمت واشنطن روسيا رسمياً بارتكاب جرائم حرب، يتحمل بوتين مسؤولية قيادتها، وتعهدت بتقديمه إلى العدالة. وقد أمرته أعلى محكمة في الأمم المتحدة بالتوقف. بايدن يعتبره “مجرم حرب” و “بلطجياً خالصاً”. لا أحد يختلف على هذا التوصيف لبوتين، فالجميع ينكرون أفعاله حتى ولو في قلوبهم. حتى أصدقاؤه الصينيون يراقبون أفعاله بارتياب.
سيشكل بوتين تهديداً وجودياً محتملاً لأمن أوروبا والعالم بأسره ما دام في السلطة، إن ازدراءه لحياة الإنسان والحقوق والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يحرمه من أي دور قيادي في المستقبل.
فمن ذا الذي يمكن أن يشك في أن حرب أوكرانيا ستتوقف إذا أُطِيحَ به؟ لن يكون هناك سلام طالما أن بوتين موجود. إنه غير مناسب للحكم. إنه خارج عن القانون، إنه بشار الأسد ثانٍ. يجب أن يسقط.
منطقياً وعملياً وأخلاقياً، لا بديل أمام الولايات المتحدة وحلفائها سوى السعي بنشاط للإطاحة به. لا يمكنهم التدخل بشكل مباشر في روسيا.
لكن يمكنهم ويجب عليهم أن يوضّحوا للنخب الروسية والجمهور الأوسع أن بوتين يمثل عبئاً ثقيلاً وخطراً، في المقام الأول عليهم، وأن الغرب سيدعمهم إذا تحركوا ضده. كثيراً ما يقول الناس إن الثورة لن تحدث أبداً.
لكنهم قالوا ذلك عن نيكولاي تشوتشيسكو، وإريك هونيكر، وحسني مبارك، وفرديناند ماركوس، وأناستازيو سوموزا، شاه إيران، والقيصر نيكولاس الثاني. لذلك ربما يكونون مخطئين بشأن بوتين أيضاً.
هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن كل هؤلاء المليارديرات من الأوليغارشية، ورؤساء الصناعة الحكومية، والسياسيين المتملقين من الدوما، والجنرالات المظفرين، والبيروقراطيين الشبيهين بأوبلوموف الذين أبلوا بلاء حسناً بشكل جيد في عهد بوتين، يتخوفون من فرض العقوبات عليهم، وتجميد الأصول، ووقف السفر إلى الخارج، والتجريد من المنازل واليخوت وانهيار الروبل.
فبينما تتّجه روسيا بسرعة نحو الركود والعزلة، تملك طبقتها الحاكمة الكثير لتخسره، وهذا يظهر بشكل واضح.
وقد أفادت الأنباء أن المطّلعين الذين تم تجاوُزهم من الكرملين وجواسيس المخابرات الروسية يستشيطون غضباً. فقد اختفى وزير دفاع بوتين المتعثر، سيرجي شويغو، ورئيس أركان الجيش عن الأنظار. وقفز المبعوث الكبير، أناتولي تشوبايس، من السفينة الأسبوع الماضي.
وفي غضون ذلك، أفادت أوكرانيا بحدوث حالات فرار على غرار عام 1917 من قِبل قوات خط المواجهة الروسية المحبطة المعنويات.
أما بالنسبة للشعب الروسي الذي طالت معاناته وخديعته كثيراً، فلا يمكن لأي قَدْر من دعاية النظام أن يخفي واقعه اليومي الجديد المتمثل في طوابير الطعام وارتفاع الأسعار ونقص الأدوية وإغلاق البنوك.
وقد تظاهر الآلاف ضد الغزو مُتحَدّين وحشية الشرطة. فالآلاف من المهنيين الشباب -مستقبل روسيا- ينتقلون إلى الخارج بينما ينتقد بوتين المصاب بجنون العظمة “الطابور الخامس” الخائن.
وكلما طالت الحرب، زادت الخسائر والتكاليف، وزاد غضب الرأي العامّ الذي قد يوجه إلى بوتين. يجب على الغرب زيادة الضغط وتسهيل هدم أركان سلطة بوتين من خلال عقوبات أكثر صرامة وأعمق (بما في ذلك، بشكل حاسم، على صادرات الطاقة)، وزيادة المساعدات العسكرية الهجومية إلى كييف، وتوسيع حملات البثّ الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي داخل روسيا.
يبدو أن أي زعيم مستقبلي سيأتي على الأرجح من داخل جهاز الكرملين. ويمكن أن تظهر شخصية انتقالية بنفس الطريقة التي ظهر بها بوتين نفسه في أيام احتضار رئاسة بوريس يلتسين.
في الطرف الآخر من طيف المعارضة، فإن إليكسي نافالني الذي يتحدّى السلطة الروسية دائماً هو قوة حشد قوية.
قد تكون الإطاحة ببوتين بمثابة طموح بعيد المدى أو يمكن أن تحدث بسرعة كبيرة. تاريخياً، فغالباً ما يحدث التغيير في روسيا بشكل مفاجئ. وسيكون الأمل في تحرُّك لاحق نحو انتخابات حرة وديمقراطية. ومع ذلك، فإن ما يحدث يعتمد في النهاية على الروس أنفسهم.
ولتعظيم فرص النجاح، يجب على القوى الغربية النظر في جميع الأساليب العلنية والسرية لتشجيع القيادة الجديدة، بما في ذلك الحوافز السياسية والضمانات الأمنية وربما حتى خطة “استرداد الأموال” للأوليغارشية التائبين.
إذا لم تنجح المناشدات التي تستند إلى المبادئ، فقد تنجح المناشدات القائمة على مراعاة المصلحة الذاتية.
يجب أن يتفق أعضاء الاتحاد الأوروبي والناتو أيضاً على أن بوتين ليس شخصاً يمكنهم التعامل معه مرة أخرى. دعونا نأمل أن تفهم فرنسا وألمانيا الرسالة.
ونأمل أن تشعر ليز تروس، وزيرة الخارجية البريطانية، بالقلق من السماح لبوتين بالخروج من مأزقه من خلال تقديم حل وسط من النوع الذي تمّ تقديمه في مينسك على حساب الأوكرانيين، وذلك على غرار مبادرتهم الفاشلة بخصوص شِبه جزيرة القرم.
في هذه الأثناء، يجب تذكير الحكومات التي تتراجع، وتقف متفرجة -والتي يبدو أنها موالية للغرب في إسرائيل والهند وتركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة التي ترفض معاقبة روسيا بحزم- بمَن هم أصدقاؤهم الحقيقيون، وكيف يتم خدمة مصالحهم على أفضل وجه.
ليس من خلال التملّص من مجرم حرب. ليس من خلال تبرير أو التقليل من حرب عدوانية غير مبررة ضد ديمقراطية ذات سيادة. إنه من خلال بذل كل ما في وسعهم لمساعدة الروس وأصدقائهم في الغرب على إنهاء عهد بوتين القاتل.
وكما صرخ ثوار البلاشفة ذات مرة، يجب على الشعب الروسي أن يصرخ مرة أخرى: “السلام! الأرض! رغيف الخبز!”.