عواد علي "نداء بوست"- بغداد صدرت حديثاً عن دار المدى في بغداد رواية "مشروع أومّا" للروائية العراقية لطفية الدليمي، و"أوما" اسم مدينة سومرية وأول عاصمة مدنية في تاريخ العراق القديم، ومن أهم المدن التاريخية في حضارة وادي الرافدين.
وقد أرادت لطفية الدليمي للعنوان أن يكون ذا محمول إخباري مباشر ليضع القارئ في سياق فكري محرض على وعي التغيير، فمفردة "مشروع" تحيل إلى جهد بشري منظم ومقصود على الأرض، وكلُّ جهد في حركة إنسانية فاعلة يرمي بالضرورة إلى التعامل مع معضلات محددة تجابه البشرية، ومشروع أومّا يندرج ضمن مساعي الإنسان الدائبة لتغيير واقعه وبلوغ خلاصه، لكنه تجربة لاتعدنا بفراديس بالغة الكمال كما يفعل أصحاب الرؤى اليوتوبية، بل هي مسعى بشري تعتريه الإحباطات والمشاكل والاختراقات التي تتعرض لها كل تجربة في أوساط مجتمعية قانطة ومستسلمة لأقدارها، مثلما تضيئه الأفكار الحية والنجاحات المبشرة. ترسم الرواية ملامح تجربة نشهد انبثاقها على الأرض بعيداً عن التنظير المتعالي على التجربة البشرية المباشرة، فنحن هنا إزاء شخصيات تحبّ وتكره وتمارسُ كلّ الأفعال البشرية البناءة والمدمرة والمنتجة، وتجد المنشغلين بالتجربة بشراً عاديين ذوي إمكانات عقلية متباينة، وخبرات ثقافية وميدانية مختلفة، إضافةً إلى نزوعات متضاربة أحياناً، وهُمْ مثل أي مجتمع طبيعي لم يُقْسَر أفراده على التشكل في قوالب آيديولوجية موحدة، ولا مكان بينهم لآلهة أسطورية أو تقنية أو مالية، ومن ثم لا مكان للاستبداد والطغيان في تجربتهم.
يمثل "مشروع أومّا" رؤيةً خلاصية اجتمع عليها أفراد آمنوا بأن خلاص أية مجموعة بشرية هو مجموع "الخلاصات" الشخصية لأعضائها، مستعينين بقدرات علمية وتقنية متاحة، بدائية أحياناً، ذات تكاليف بسيطة ومستمدّة، قدر الإمكان، من البيئة الزراعية المحلية.
آمن هؤلاء الأشخاص، الذين يعيشون حالات حب وعشق تساند مشروعهم، وترتقي به أو تخذله أحياناً، بأن الخلاص الفردي هو السبيل الممكن لإدامة الوجود الحيوي، وتحفيز القدرات العقلية، واستثمار الخبرات، وتحقيق التوازن النفسي وسط عالمٍ مهدد بالتشظي تحت وطأة استقطاب علمي وتقني عالمي شديد الضراوة من جهة، ومعضلات وجودية محلية وعالمية تهدد النوع البشري من جهة أخرى (عنف سياسي ومجتمعي، وصراع عرقي وطائفي مسلح، إحتباس حراري، ندرة مصادر المياه، نضوب مصادر الطاقة، معضلات الاستدامة البيئية… إلخ)، حيث لم تعُد المنظومات السياسية، والهياكل المؤسساتية العتيقة قادرةً على مواجهة كل هذه المعضلات البنيوية بفاعلية حقيقية للارتقاء بواقع بلدانها وضمان مستقبل شعوبها، فكان على المجموعات البشرية الطامحة للخلاص أن تبادر لحماية وجودها.
"مشروع أوما" رواية بيئية أولاً لأنها تتناول المعضلات البيئية الضاغطة والمهددة للوجود البشري، ويمكن القول إنها رواية معرفية لأنّها تمدّ القارئ بتوليفة من المعارف العلمية والتقنية والتاريخية والاجتماعية والسياسية، كما أنها رواية خلاصية تقترح مجموعة من الحلول الانقاذية الممكنة للإنسان حين يفكر بمنطق مجموعة بشرية تعمل بصيغة تشاركية. تقترح الرواية ملامح عامة لِما قد يشكّلُ ممكنات التجربة بتوظيف "الاقتصاد الأخضر" في بيئة زراعية وفي بلدان بعينها، لكنها لن تقدم تفاصيل إجرائيةً وقانونيةً مسهبة، فالعقل البشري الخلّاق، إذ يتصدى لتهديدات جدّية، سيكون قادراً على ابتكار معالجات مناسبة لكلّ المعضلات التي تعترض التجربة الإنسانية.