المصدر: دايلي صباح
بقلم: حقي أوجال
ترجمة: عبدالحميد فحام
قام السيد تسفي برئيل من صحيفة “هآرتس” بتحذير قُرّاءه مجدداً من أن “العملية التركية على وشك الانطلاق” ويطلب من الولايات المتحدة وقف “العدّ التنازلي للهجوم التركي الكبير لسورية”.
لم أسمع قطّ أياً من خطط تركيا السرية المرتبطة بالحكومة والتي تخصّ سورية؛ لكنني كنت أقرأ التقييمات الرسمية وغير الرسمية، والمصرح بها وغير المصرح بها، والقديمة والجديدة، والسرية والمُعلنة منذ أن تخلّت الجمهورية الجديدة عن 11 مدينة عثمانية في “إيالة بغداد” (العراق المعاصر) وخمس مدن في حلب إيالة (سورية الحديثة).
صحيح أن ذلك الواقع كان من تدبير البريطانيين والفرنسيين كأمر واقع لأن العثمانيين كانوا من بين الذين خسروا في الحرب العالمية الأولى. وعلى الرغم من الإهانة التي أرفقت التنازل عن الأراضي التي اعتبرتها السلطنة جزءاً من البلاد لأكثر من 400 عام، إلا أن ذلك التنازل كان إدارياً وقانونياً هو اعترافاً بالتنازل عن الشرعية السياسية على المحافظات العربية للأبد. بكل الأحوال، لم يكن لدى الأتراك أي مانع أو ندم على خسارة تلك الأراضي، ولم يطوروا أي فكرة تخصّ ذلك الأمر.
على عكس الإيطاليين، على سبيل المثال، لم نصف المنطقة أبداً على أنها “مقاطعات عثمانية غير مُستردّة”.
كان أحد بنود العمل في الجلسة الأخيرة للبرلمان العثماني هو إعلان الحدود القانونية للإمبراطورية في قرار يسمى (الميثاق الوطني) الذي شمل بعض المناطق شمال حدود اللاذقية – كركوك، في تحرك سياسي لتقوية الوفد العثماني في محادثات السلام المقبلة.
في ذلك الوقت، كان الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون سيطلب من شركائه الأوروبيين تقسيم الأراضي العثمانية بين 22 دولة كانت تحكمها طوال تاريخها، مما سيعطي ثلثها لـ “أرمينيا الكبرى” وثلثاً آخر لـ “كردستان الموحدة”. لم تؤت محادثات السلام تلك ثمارها قط. وقام الأتراك بتوقيع اتفاقية السلام الخاصة بهم مع الأوروبيين وهي الاتفاقية التي لم تكن “الولايات المتحدة الأمريكية” أبداً جزءاً منها حتى يومنا هذا.
وكان قدر أرمينيا أن جعل الاتحاد السوفييتي وجود تركيا “الكبرى” أكثر أهمية لأوروبا الجديدة. لذلك تجاهلوا قيام الجيش التركي، كجزء من بقايا الجيش العثماني الجبار، تحت قيادة الجمعية الوطنية التي تم إنشاؤها في أنقرة كاستمرار للبرلمان العثماني بأعضاء منتخبين حديثاً، بترسيم الحدود الجنوبية والشرقية للجمهورية الجديدة. ولم تتضمن الدولة الجديدة أي بلدات أو مدن عربية حيث إن العراق وسورية أراض عربية شعوبها يتحدثون اللغة العربية.
وكان العثمانيون قد عيّنوا النبلاء المحليين لحكم تلك الأراضي مع حاكم شكلي أُرسل إلى دمشق من إسطنبول للإشراف على حكمهم. كان لديهم مجالسهم المحلية الخاصة بهم؛ كما أن اللغة الرسمية لم تكن التركية.
الأزمة السورية طويلة الأمد
كما يشهد العديد من المؤرخين، فإن الحكم العثماني في الشرق والغرب، في البلقان والقوقاز والجزيرة العربية لم يكن يوماً إمبريالياً، فلم يتم نقل ثروة البلدان التي حكمت إلى الوطن الأم، لأن العثمانيين، على عكس الاستعمار، ليس لديهم مفاهيم “الوطن الأم” و “المستعمرة”. وبالتالي، لم يحدث استعمار من قبل الأتراك للدول العربية والصربية واليونانية.
كما لم تكن هناك سياسة عثمانية لـ “أسلمة” المسيحيين واليهود الأصليين. ولهذا السبب لا زال السيد برئيل وعائلته يتكلمون العبرية حتى يومنا هذا!
مرة أخرى: تركيا الحديثة لم ولن تستعد “لغزو كبير لسورية”. ربما يعرف السيد برئيل هذا أفضل مني. أعتقد أن السيد برئيل ومايكل روبين (من معهد أمريكان إنتربرايز الشهير، والذي يكرر نفس الادعاءات) وأمثاله، يعرفون أن تركيا لا تنوي احتلال سورية والبقاء فيها. لكنهم يعرفون أن وجود ما تسميه تركيا “الحزام الأمني” ضد إرهابيي حزب العمال الكردستاني هو أفضل طريقة لمنع تمزيق سورية والعراق. هذا الحزام على طول الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا، بطول 300 كيلومتر (186 ميلاً) وعمق 30 كيلومتراً، سيدفع إرهابيي حزب العمال الكردستاني، وأتباعهم السوريين، وحدات حماية الشعب، إلى الجنوب باتجاه قوات نظام بشار الأسد.
في الواقع، لم تكن عائلة الأسد سعيدة أبدًا بإرهابيي حزب العمال الكردستاني. ولم يسمح بشار الأسد وسلفه ووالده حافظ الأسد لحزب العمال الكردستاني بالتسلل إلى سورية، ولم تنعم عائلات الطالباني والبارزاني بالأمان في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في العراق.
ولكن، لسبب ما لا يمكن فهمه، يعتقد البعض أن ما يسمى بـ “الدولة الكردية” في العراق وسورية، عندما يندمجان في النهاية، من شأنه أن يوفر أفضل جدار أمني دائم لإسرائيل.
يعتقدون أن ذلك سيحمي إسرائيل من إيران و (من يدري؟) ومن تركيا التي قد تصبح إسلامية كاملة! الرئيس ويلسون لم يرسم خريطة كردستان باليد هباءً! إلى جانب ذلك، فإن هذه “الدولة الكردية”، على سبيل المثال، ستقنع الأكراد في تركيا وإيران بأنه من الممكن أن يكون لهم بلدهم الخاص.
إن الأكراد هم من العناصر التي ساهمت في تأسيس تركيا الحديثة. إنهم شركاء متساوون في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ولم تنجح الأنشطة الانفصالية الإرهابية في تفتيت أوصال البلاد، ومع ذلك، فإنه من الممكن قيام الدولة الكردية العراقية والسورية الموحدة! هذا هو ما كان يفكر فيه صقور المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ورفاقهم في السلاح في الشرق الأوسط باختصار.
الصقور في السياسة الخارجية الأمريكية
عندما ظهرت جماعة القاعدة الإرهابية في سورية وبعض أجزاء العراق، كان جميع المحافظين الجدد البارزين مثل إليوت أبرامز، أحد كبار مساعدي الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في الشرق الأوسط، والذي رفض دونالد ترامب لاحقاً تعينه في منصب نائب الرئيس, وزير الخارجية؛ بيل كريستول – الذي فعل الكثير للتنسيق مع إدارة بوش في حشد دعم النخبة لغزو العراق؛ وبول وولفويتز، نائب وزير دفاع بوش وكبير مهندسي غزو العراق، كانوا مبتهجين للغاية بحجة تسليح إرهابيي حزب العمال الكردستاني في العراق وسورية. الآن، تحت ستار ما يسمى بقوات سورية الديمقراطية، امتداد سوري لحزب العمال الكردستاني، ستقدم الولايات المتحدة كل المساعدة لتنمية وازدهار فكرة الدولة الكردية.
في مثل ذلك الجو المبهج لم يسأل أحد كيف نُقل جنود طالبان، الذين يُطلق عليهم اسم العرب الأفغان، من باكستان إلى سورية! ستبقى الولايات المتحدة وتحالفها ضد داعش الآن في بلاد الشام حتى تتحول إلى دولة كردية طال انتظارها.
اختفى تنظيم داعش بين عشية وضحاها تقريباً بمجرد أن نصبت القيادة المركزية الأمريكية خيامها على طول الحدود التركية.
المشكلة الوحيدة هي أنه لم يكن بوسع الجنود الأمريكيين (وربما، لن) يستطيعون إبقاء قوات سورية الديمقراطية مقيدة؛ وستستمر الأخيرة في ترويع الناس في تركيا من تلك المناطق. قبل عام، وقعت الولايات المتحدة وقوات الاحتلال الروسية في سورية اتفاقيات (والتي لا قيمة لها) لإبعاد هؤلاء الإرهابيين عن الحدود التركية.
ومع ذلك، لم يفوا بوعودهم. بالنسبة للولايات المتحدة، من المفهوم لماذا لا يريدون نقل قوات سورية الديمقراطية 30 كيلومتراً بعيداً عن تركيا لأن دور الدولة الكردية المزعومة التي أنشأتها قوات سورية الديمقراطية هو المساس بـ تركيا.
لذلك، يحاول برئيل وروبن وأمثالهما اليوم وصم عملية مكافحة الإرهاب التركية عبر الحدود بالعار من خلال تسميتها “احتلالاً لسورية”.
على الرغم من أنهم يعرفون أن تركيا ليس لديها نية للبقاء في سورية لأنها ستشكل سابقة لتقطيع أوصال البلاد.
الجزء الصعب من هذا اللغز هو السؤال عن سبب مساعدة روسيا للولايات المتحدة في جهودها لإنشاء دولة حزب العمال الكردستاني في دولة هي الحليف الوحيد لها. لا يمكن لروسيا أن تصدق الكذبة القائلة بأن أعضاء حزب العمال الكردستاني في سورية “يقاتلون إرهابيي داعش”.
فالولايات المتحدة تحتل حقول النفط والمصافي السورية وتتبرع بها لوحدات حماية الشعب. ونظام الأسد يشتري البنزين من YPG. وكل هذا يحدث مباشرة تحت أنظار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إذا كان سبب تسليح الولايات المتحدة لفروع حزب العمال الكردستاني والرضوخ الروسي لها هو وجود داعش، فيمكن لتركيا، بالتعاون مع الولايات المتحدة وتحت مراقبة الجيش الروسي، أن تضع حداً لذلك.
أفضل أمل للسلام والمصالحة في سورية هو خروج القوات الأمريكية من البلاد وسيطرة الحكومة السورية بالكامل على جميع أراضيها. بهذه الطريقة، سيتم ضمان السلامة الإقليمية الكاملة لسورية.