المصدر: معهد واشنطن ترجمة: عبدالحميد فحّام بقلم: غرانت روملي ، ديفيد شينكر
لا تزال القاعدة الأمريكية النائية أداة منخفضة التكلفة نسبيًا وعالية التأثير لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية وتعطيل النشاط الإيراني العدائي وممارسة النفوذ على مستقبل سورية على المدى الطويل. استهدف سرب من الطائرات المُسيّرة والصواريخ، مساء 20 تشرين الأول/ أكتوبر، القاعدة العسكرية الأمريكية في جنوب سورية والتي تأسست في عام 2016 عند تقاطع حدود البلاد مع الأردن والعراق، فـ قاعدة التنف هي موطن لأكثر من مائة عنصر من أفراد الخدمة الأمريكية.
وتُستخدم القاعدة لمواصلة العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتعطيل أنشطة وكلاء إيران في سورية، لكنها تعمل أيضًا كورقة ضغط في المفاوضات طويلة الأمد حول مستقبل البلاد. ومع ذلك، فإن وضع قاعدة التنف ليس دائمًا، ويؤكد الهجوم الأخير لماذا يجب على إدارة بايدن رسم مسار المستقبل الوجود العسكري خارج البلاد لأمريكا وفي أقرب وقت.
تاريخ و مهمة قاعدة التنف
قبل عام 2016، كانت المنطقة المحيطة بـ القاعدة تحت سيطرة داعش قبل تحريرها من قبل قوات التحالف و منذ ذلك الحين، استخدمتها الولايات المتحدة كقاعدة تدريب لجماعات المعارضة السورية، بمتوسط 100-200 من أفراد الخدمة الأمريكية المتمركزين هناك. وتقع القاعدة على طول أحد الطرق السريعة الرئيسية بين بغداد ودمشق، مما يجعلها معزولة عن وجود القوات الأمريكية في شمال شرق سورية.
وتحيط بالقاعدة منطقة لفض الاشتباك يبلغ طولها خمسة وخمسون كيلومترًا ظهرت كجزء من تفاهم أمريكي روسي في عام 2016.
وقد مكنت هذه المنطقة القوات الأمريكية والقوات الشريكة من تعطيل عمليات داعش ومنع الوصول إلى القوات المتحالفة مع إيران.
كما كان لها تأثير ثانوي يتمثل في جذب اللاجئين السوريين إلى مخيم الركبان، الذي يقع على بعد أميال فقط من القاعدة على الجانب السوري من الحدود. و كان مخيم الركبان عندما كان في أحسن حالاته موطناً لأكثر من 50000 لاجئ سوري، على الرغم من أن هذا العدد قد تضاءل إلى حوالي 10000 على مر السنين مع عودة السكان إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام بعد عقد صفقات مختلفة مع دمشق.
و قد فرض الوجود الكبير للاجئين بالقرب من قاعدة استكشافية أمريكية ضغطًا إضافيًا على أفراد الخدمة المتمركزين هناك، كما هو موضح في عام 2020 عندما تم نقل لاجئتين حاملتين إلى قاعدة التنف لإجراء عمليات "جراحية" طارئة.
الركبان هي أيضًا موطن لعائلات فصيل المعارضة الرئيسي في قاعدة التنف، وهو فصيل مغاوير الثورة، وهي مجموعة من الضباط العسكريين السوريين السابقين المنحدرين إلى حد كبير من منطقة دير الزور، وفقًا لمشروع رسم الخرائط العشائرية من قبل مركز أمن أمريكي جديد.
و تُقدّر وزارة الدفاع أن حوالي 300 عضو من أعضاء مغاوير الثورة منتشرون حول منطقة منع الصراع الواقعة في محيط القاعدة الأمريكية.
وقامت القوات الأمريكية بتدريب ذلك الفصيل منذ تأسيسه وتواجده في القاعدة، وهو يشارك حاليًا في مهام مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية وتأمين البعثات الإنسانية.
فعلى سبيل المثال، اعترض فصيل مغاوير الثورة شحنات تهريب المخدرات من تنظيم الدولة الإسلامية في عامي 2018 و 2019، وقدم الحماية بشكل دوري لعمليات إيصال المساعدات إلى الركبان. وفي الشهر الماضي، قال الفصيل أنه اعترض شحنة كبتاغون تابعة لحزب الله كانت متجهة إلى الأردن ودول الخليج.
لم يكن هجوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر هو المرة الأولى التي تستهدف فيها القوات الأمريكية قاعدة التنف. ففي عام 2016، ضربت الطائرات الروسية القاعدة مرتين – مرة باستخدام الذخائر العنقودية، ومرة أخرى بعد تحذير الولايات المتحدة من وجود أفراد خدمة التحالف. وقُتل أربعة من مقاتلي المعارضة السورية.
وفي شهر نيسان / أبريل من عام 2017 هاجم عناصر تنظيم الدولة الإسلامية القوات الأمريكية بعد أن تنكروا في هيئة متمردين تدعمهم الولايات المتحدة.
و بعد أسابيع قليلة، أطلقت ميليشيا مدعومة من إيران طائرة مسيرة محملة بالقنابل ضد الثكنة.
في ذلك الوقت تقريبًا، بدأت العناصر البرية المتحالفة مع إيران أيضًا في التحقيق في منطقة عدم الصراع. ففي شهري أيار وحزيران (مايو ويونيو) من عام 2017، قامت القوات الأمريكية وقوات التحالف بالتصدي لقوة "موالية للنظام" قوامها حوالي ستين جنديًا وشنت ضربات ضد قوات أخرى مماثلة دخلت المنطقة. وبحلول الصيف من ذلك العام، كانت الولايات المتحدة قد عززت وجودها من خلال نظام صاروخي مدفعي عالي الحركة (HIMARS).
و في شهر شباط/ فبراير من عام 2020، قال فصيل مغاوير الثورة أنه صدّ قوة من العناصر المتحالفة مع إيران عند دخولها المنطقة، وفقًا لتقرير صادر عن صحيفة (ميليتري تايمز).
مستقبل قاعدة التنف
ووفقاً لما أوضحه الجنرال في سلاح الجو الأمريكي دانيال ماغرودر جونيور في تقرير معهد بروكينغز الصادر في شهر تشرين الثاني /نوفمبر من عام 2020، فإن الوجود العسكري في قاعدة التنف يدعم ثلاثة أهداف للسياسة الأمريكية في المنطقة: (1) مواصلة الحملة ضد داعش، (2) تعطيل الأنشطة المتحالفة مع إيران على طول "الجسر البري" الممتد من إيران إلى لبنان، و (3) خلق قوة ضغط في المفاوضات بشأن مستقبل سورية.
وغالباً ما يكره المسؤولون العسكريون الأمريكيون الاعتراف علنًا بالهدفين الثاني والثالث نظرًا للمخاوف بشأن التبرير القانوني لوجود أمريكا في سورية.
وفي لقاء مع معهد الشرق الأوسط في تموز /يوليو من عام 2020 ، أشار قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال كينيث ماكنزي جونيور إلى أن "هدفنا الأساسي لوجودنا في سورية هو إجراء عمليات ضد داعش."
ومع ذلك فإن سلفه، الجنرال جوزيف فوتيل، كان قد ألمح إلى أهداف أوسع أثناء الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس في عام 2018 حيث قال أن : "قاعدة التنف لها قيمة خاصة تتمثل في كونها على طول خط وصول رئيسي و اتصالات تود إيران ووكلائها استغلالها و لذلك في حين أن هذه ليست مهمتنا، فإننا ندرك التأثير غير المباشر الذي نملكه".
وبالإضافة إلى إعاقة خط الاتصال الأرضي الإيراني مع حزب الله ونظام الأسد، فقد أثبت الوجود الأمريكي في قاعدة أيضًا أنه مفيد لـ حملة "الحرب بين الحروب" الإسرائيلية، والتي تضمنت، بحسب ما ورد، عشرات المهام الجوية ضد أهداف في سورية. وقد استهدفت بعض هذه العمليات القواعد السورية حيث كان الحرس الثوري الإيراني و / أو الميليشيات التابعة له يوسّعون وجودهم. في الماضي، كانت هذه المهمات تُجرى عادةً بالتحليق فوق لبنان، لكن هناك عاملين جعلا منطقة منع الصراع المحيطة بقاعدة التنف هي المسار الأقل خطورة والأكثر جاذبية لإسرائيل: التركيز الأعلى لأنظمة الدفاع الجوي في غرب سورية وحول دمشق، و تزايد القلق الإسرائيلي من قيام إيران بتزويد وكلائها بقدرات أكثر تقدمًا. ويتيح المجال الجوي المنتشر فوق قاعدة التنف للقوات الإسرائيلية تجنب أنظمة رادار الإنذار المبكر السورية الموجهة نحو الغرب / والجنوب الغربي. ومن غير الواضح ما إذا كانت دمشق ستنشر أنظمة دفاع جوي في المنطقة المحيطة بـ قاعدة التنف إذا لم تعد القوات الأمريكية موجودة هناك.
و بالإضافة لذلك فإن قاعدة التنف قامت بخدمة المصالح الأردنية. حيث تقوم القوات الأمريكية وشركاؤها في فصيل مغاوير الثورة بتأمين الحدود البعيدة للمملكة مع العراق وسورية ضد التهريب والتسلل المحتمل من قبل داعش أو الميليشيات الإيرانية. وعلى الرغم من أن الأردن حذّر من التهديد الإرهابي الذي يمثله مخيم الركبان، إلا أن واشنطن ساعدت في تقليل هذا الخطر من خلال إقامة نقاط تفتيش ودعم أفراد الأمن الذين دربتهم الولايات المتحدة والذين يقومون بدوريات على الجانب السوري من الحدود. في الواقع، بعد أن أمر الرئيس ترامب جميع القوات الأمريكية بالخروج من سوريا في عام 2018، قام الملك عبد الله الثاني شخصيًا بالضغط على الإدارة من أجل إبقاء قاعدة التنف.
خلاصة
إن التقارير الأخيرة تشير إلى أن إدارة بايدن قد أنهت مراجعتها لسياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا وستركز على الحفاظ على العمليات لهزيمة داعش وتقديم المساعدات الإنسانية وهذا في الواقع خروج واضح عن سياسة إدارة ترامب، التي ركزت على هدفين آخرين إلى جانب هزيمة داعش: تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 (أي تمكين الانتقال السياسي الذي يسمح للحكومة السورية بإعادة بسط سيطرتها على البلاد) وتأمين إبعاد جميع القوات الأجنبية.
قد لا تهتم إدارة بايدن بإعطاء الأولوية لأهداف الإدارة التي سبقتها، كما يتضح من عدم اهتمامها الملحوظ بمنع التطبيع العربي مع بشار الأسد أو تعيين مبعوث رفيع المستوى إلى سورية. ولكن مع ذلك فإن الحفاظ على تواجد الولايات المتحدة في قاعدة التنف وفي شمال شرقي سورية من شأنه أن يفيد المصالح الأمريكية وأهداف الإدارة بطرق حاسمة. فبالإضافة إلى منع تنظيم الدولة الإسلامية من إعادة تشكيل ما يكفي لشن هجمات جديدة في سورية أو في الخارج، فإن القوات الأمريكية على الأرض تمثل المصدر الأساسي لواشنطن في تشكيل مستقبل سورية وتعطيل أنشطة إيران الخبيثة عبر الحدود.
باختصار، إن قاعدة التنف هي امتداد لسياسة أمريكا الشاملة تجاه سورية. فلقد اعتقدت إدارتا أوباما وترامب أن فوائد الوجود العسكري الأمريكي هناك تفوق المخاطر، ولسبب وجيه – على الرغم من أن القاعدة خضعت للتحقيق من قبل الخصوم منذ إنشائها، لم يُقتل أي من أفراد الخدمة الأمريكية هناك.
وطالما أن إدارة بايدن لا تزال ملتزمة بالمهمة العسكرية لمكافحة داعش في سورية، فإن الوجود المستمر في قاعدة التنف يتعبر أمراً منطقياً.
وعلى الرغم من الموارد المطلوبة لتأمين القاعدة البعيدة وتوزويدها بالأمور اللوجستية، إلا أنها تظل عملية نشر منخفضة التكلفة وعالية التأثير نسبيًا تعود بالنفع على المصالح الأمريكية والإقليمية على حدٍ سواء.