مع اعتماد اليونسكو العام 2021 كعام للاحتفال بالذكرى 750 لوفاة حجي بكتاش ولي وهو الشيخ الصوفي الذي عاش في فترة الدولة السلجوقية والعثمانية وذلك للتأكيد على قيمه وأفكاره، أعلنت الرئاسة التركية عبر مرسوم رئاسي تم نشره في الجريدة الرسمية في 11 شباط / فبراير الجاري قبل أيام في تركيا الاحتفال بسنة 2021 تحت اسم سنة حجي بكتاش ولي، كما أعلنت أنه سيتم تنفيذ فعاليات على مدار العام 2021 في تركيا وخارجها بإشراف وزارة الثقافة والسياحة حول أفكار حجي بكتاش ولي والتي ترتبط بالتسامح مع المذاهب والأديان والسلام والتي ساهمت في تكوين الهوية الاجتماعية في منطقة الأناضول.
وعلى إثر المرسوم الرئاسي انتقد بعض المغردين وخاصة من منطقة دول الخليج العربي هذه الخطوة معتبرين أن البكتاشية تدعو إلى الطريقة الاثني عشرية و من ذلك انطلقوا أن إيران وتركيا وجهان لعملة واحدة وماشابه. ولكن هذا يبدو بعيد عن الدقة من عدة أوجه أولها التنافس القائم والمستمر بين تركيا وإيران من جهة وللتعامل بسطحية مع الطريقة البكتاشية وعدم الاطلاع على تاريخها وعلى تناقضها مع المذهبين السني والشيعي.
يعتبر حجي بكتاش ولي شخصية صوفية تركمانية من القرن الثالث الميلادي، وفيما تزعم العديد من المصادر أن حجي بكتاش كان سنيّا فقد اختلطت تعاليم البكتاشية بالمعتقدات الشيعية بل والمغالية منها، ومع التشيع لعلي والأئمة الاثني عشر إلا أن البكتاشيين التزموا بفقه الدولة العثمانية السني الحنفي وهذا ساهم في تعميق الانقسام حول تصنيفهم. وتشير العديد من المصادر أن البكتاشيين لا يغالون في التشيع لعلي بل يؤلهونه مع محمد صلى الله عليه وسلم وفق طريقة التثليث لدى المسيحية كما تسمح الطريقة البكتاشية لأنصارها بشرب الخمر وتسمح بالاختلاط وليس لديهم مساجد للصلاة بل يجتمعون في بيوت تسمى بيوت الجمع، ولا يصلون مثل الصلاة العادية بل يقومون بالوقوف قبالة بعضهم البعض بطريقة تأملية. كما أن الحج لديهم هو حج إلى قبر بكتاش.
وفي الحقيقة هناك جدل حول تصنيف البكتاشية كجماعة صوفية ذات أصول شيعية أو ذات أصول سنية أو حتى جماعة صوفية متأثرة بالمسيحية، وعلى كل الأحوال لم تفرض البكتاشية على أعضائها التقيد بطقوس محددة بل أعطت هامشا لقناعاتهم الفردية.
كانت البكتاشية هي الطريقة الأكثر شيوعا في صفوف الجند الانكشارية في الجيش العثماني ولهذا شاركوا في حروب الدولة العثمانية حتى ضد الدولة الصفوية، وهذا أدى إلى زيادة التناقض حولهم، ولكن مع ذلك أعلنوا العصيان على العديد من السلاطين مما أدى إلى سنوات مد وجزر بين البكتاشية والسلاطين العثمانيين إلى أن أمر السلطان محمود الثاني في 1826 بإغلاق الزوايا البكتاشية في تركيا، وبالرغم من دعم البكتاشية لمصطفى كمال أتاتورك إلا أنه قام بإلغاء كافة الطرقة ومع إلغاء الطرق الصوفية في تركيا بعد ذلك في 1925 انتقلت البكتاشية إلى كل من مصر وألبانيا.
في أيامنا الحالية هناك تماهي بين العلوية الأناضولية والبكتاشية والتي تمثلها العديد من الجمعيات في تركيا حيث تمثل الطائفة العلوية البكتاشية في تركيا حوالي 10 مليون مواطن تركي وتميل البكتاشية سياسيا في الوقت الحالي إلى دعم حزب الشعب الجمهوري المعارض حيث أن نسبة كبيرة من الطبقة القيادية من حزب الشعب الجمهوري هم من العلويين البكتاشيين، كما أنهم يطالبون باستمرار بدعم الدولة لبيوت الجمع التي يجتمعون فيها بدلا من المساجد ولكن الدولة التركية لم تستجب لهم فيه هذه المطالب واعتبرت أن وقف الديانة في تركيا هو المرجعية الأساسية وأن المساجد هي التي تجمع المسلمين.
بعد هذه الإطلالة السريعة على تاريخ البكتاشية يمكننا القول أن الطريقة البكتاشية طريقة معقدة وغامضة وليس من السهل تصنيفها سنية لأنها صوفية أو شيعية لأنها تعلق صور الحسين في كافة أماكنها فبالرغم من أنها انتسبت لحجي بكتاش فقد تنامت وكبرت بعد سنوات طويلة من وفاته وهي في نفس الوقت لديها تعاليم تتناقض مع المذهب السني والشيعي ومع المسيحية. كما أن البكتاشيين الحاليين في تركيا أقرب للمعارضة، وإن اعتبرنا جدلا أنهم طريقة صوفية فليسوا هم من الطرق الصوفية المقربة من الدولة ومن حزب العدالة والتنمية.
على كل الأحوال وبالعودة إلى المرسوم الرئاسي فإن المعاني التي حملها المرسوم الرئاسي والذي اعتمد على اختيار اليونسكو ابتداء للحدث، تركز على نقاط محددة متعلقة بحاجي بكتاش نفسه أكثر من الترويج للبكتاشية ويمكننا أن نجد أولا التركيز على بعض قيم التسامح والتعايش والحب والاحترام والأخلاق التي كان يدعو لها حجي بكتاش ولي، من جهة كما تم التركيز على امتداد دعوته جغرافيا من الأناضول إلى البلقان، وهي معان تخدم القوة الناعمة التركية التي تركز على بعض القيم وعلى الامتداد الجغرافي في البلقان وغيره.