قبل ثلاث سنوات من الآن، عُيِّن محمد بن عديو محافظاً لمحافظة "شبوة"، أدى وقتها اليمين الدستوري، كتصرف توقعه الكثيرون على أنه روتيني، ويقوم به المسؤولون عند توليهم مناصب جديدة، ولا يأبه أحد لصدقهم في اليمين الذي أدوه، فالمسؤولون نادراً ما يحظون بثقة الشعب، وخصوصاً في حكم الشرعية المسلوب قرارها.
لكن بن عديو أثبت للجميع أنه كان قاصداً اليمينَ الذي قاله، وكان يَعِي كل كلمة فيه، لم يكن قبلها يعرفه الناس، لكن بعد أن أصبح محافظاً لشبوة، بدأت أعماله تشرحه يوماً بعد يوم، وبدأ الناس يتداولون اسمه بحذر، خوفاً من خيبة الأمل التي قد تصيبهم.
خلال ثلاث سنوات، قام المحافظ بتطوير المدينة بإمكانيات قليلة، ودعم محدود، مما لفت نظر حكومة الشرعية، ودول التحالف، وأدركوا أنهم ارتكبوا غلطاً لم يكن في الحسبان بتعيينهم رجلاً لا يقبل المساومات في المواقف الوطنية، أبى أن يخضع للتدخلات الخارجية، رفض طلبات الإمارات، بل كان الشوكةَ الكبرى أمام تحقيق مصالحها الاستعمارية في المحافظة، أظهر صلابة موقفه، وثبوت خُطاه المناهضة للغزو الإماراتي، والأطماع السعودية، طالب الإماراتيين بإخلاء منشأة "بلحاف" اليمنية، وتشغيلها لتحسين الأوضاع الاقتصادية للبلاد.
كل هذه التصرفات، لم تكن لترضى عنها الإمارات، ولا شريكتها السعودية، حاولَا مراراً تعطيل مشروع بن عديو، لكن ثباته كان أكبر من محاولاتهم، بعدها اقتنعوا أنه لا ملاذ من الرجل الصلب إلا بإبعاده عن الساحة اليمنية.
في منتصف العام الجاري، طالب المحافظ الإمارات بإخلاء منشأة "بلحاف"، لكنها طلبت مهلة 3 أشهر، قامت خلالها بالضغط على الشرعية، لتغيير المحافظ، وما كان للرئيس هادي أن يرفض طلباً مثل هذا، وخصوصاً أن المتحكم بالمشهد اليمني هو السعودية والإمارات.
استخدمت السعودية أوراقها الابتزازية، للضغط على الرئيس لتغيير المحافظ، هددته بإيقاف إسناد الطيران على "مأرب"، واشترطت تغيير المحافظ لتضع وديعة في البنك المركزي اليمني، والتي من شأنها أن تساعد في تحسين الاقتصاد.
انصاع هادي وراء مطالب السعودية والإمارات، وقام يوم 25 ديسمبر 2021 بتغيير المحافظ بن عديو، وتعيين المحافظ العائد من الإمارات قبل أشهر بعد فترة طويلة قضاها هناك عوض العولقي، وبهذا القرار، سلم الرئيس هادي محافظة جديدة للإمارات، كما سلم قبلها عدن، وبقية المدن، وتقدمت الإمارات في هدفها في فصل الشمال عن الجنوب، وأثبتت الشرعية، أن الوفاء عندها للوطنيين هو العزل، وأنها قد باعت الوطن منذ زمن، بثمن بخس، لكنها في الحقيقة حفرت قبرها.
أما بن عديو، فقد كسب شعبية أكبر مما كسب أثناء بقائه في منصب المحافظ، وأعلن انحيازه للوطن برفضه منصب مستشار الرئيس، وأكد وطنيته مجدداً أمام "مسخرة" تعيينات الشرعية.
وأما مستقبل شبوة، المحافظة المهمة في سَيْر المعارك، بسبب موقعها الجغرافي الذي يربط بين الجنوب، ومحافظة "مأرب"، فقد سُلِّمت رسمياً للإمارات، وازداد بتسليمها الضغط على "مأرب"، حيث أصبحت آخِر قلاع الشرعية، بين فكَّيْ كماشة، الحوثي من جهة، والإمارات من جهة أخرى، وأصبح سقوط المحافظة مسألة وقت، بعد أن كانت "شبوة" تشكل رافدَ دفاعٍ قوياً عنها.
لهذا فإن التخلص من رئيس هشّ معدوم القرار، هو الخطوة الأولى لإيقاف العبث الحاصل، قبل فوات الأوان، بعدها يجب التخلص من وجود التحالف، الذي يحرص على استمرار الصراع في اليمن، واستنزاف القوى المتصارعة، لتستمر مصالحه التي دخل البلاد من أجلها، ولا يمكن أن يحدث كل هذا، إلا باصطفاف وطني، يرفده شريك خارجي مخلص، وإلا فإن العبث مستمر، والبقاء فقط للعابثين.