نداء بوست- التحقيقات والمتابعات- كندة الأحمد
“إدلب هي عَقَبة أمام التقارُب التركي مع النظام السوري ونتفهّم حساسية الموقف التركي حِيال التنظيمات الإرهابية شمال سورية” بهذه الكلمات تحدث وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” الأسبوع الماضي عن خُطوات جِدية بين النظام السوري وتركيا مستذكراً الاجتماع الثلاثي الذي جرى في موسكو الشهر الفائت معرباً عن قَلَقه من عَقَبات قد تُواجه مَسار المفاوضات بين الجانبين.
وزعم لافروف أن الروس يتفهمون حسّاسية الموقف التركي حِيال المنظمات “الإرهابية” التي تهدد الأمن القومي للحليفة أنقرة، لكن العقبة التي سببت صراعات سابقة أصبحت الآن عائقاً في المسار الجديد الذي انقطع منذ أكثر من 11 عاماً وحال دون حلول مجدية للأزمة السورية.
الروس يتذرعون بالإرهاب في إدلب
رغم أن التناقضات الروسية في الخطاب السياسي لا تغيب عن ألسنة المسؤولين الروس، يقول وزير الخارجية الروسي بأن “استمرار وجود الإرهابيين في إدلب غير مقبول” لكننا نَفِي بوعودنا تجاه شركائنا الأتراك وما يتناسب مع مصالحهم في المنطقة ونتفهم الانزعاج التركي من رغبة الولايات المتحدة في الاستمرار بدعم الأكراد لإنشاء دولة مستقلة”.
ورقة الحلّ في سورية
تفجرت صراعات كبيرة في آخِر محطة للمعارضة السورية بعد سنوات طوال، من الحرب الطاحنة، إدلب التي وُصفت بورقة الحل في سورية ومستقبل البلاد دون نظام الأسد، حملت مسارات عديدة من المفاوضات السياسية من أستانا إلى سوتشي بعد أن انفردت روسيا لإيجاد حل في حالة الفراغ التي تركتها طاولات المفاوضات بين الدول الضامنة.
شراكة تركية روسية في إدلب
من هنا بدأ يتشكل مستقبل العلاقات التركية الروسية، لتكون معادلةً سياسيةً مُتفَقاً عليها لكنها كانت سبباً أيضاً بتفجير الصراع بينهما، وبالرغم من الدعم الروسي الذي يتلقاه النظام السوري أصرت تركيا على حماية وجودها في إدلب من خلال طرد قوات النظام إلى خلف نقاط المراقبة التركية المتفق عليها في سوتشي، الورقة التي تعتبرها تركيا قوة لتدخل مجال المفاوضات دون الدخول في عملية عسكرية تكلفها الكثير على كافة الأصعدة.
القشّة التي قصمت ظهر البعير
بعد أن أثبتت تركيا وروسيا من خلال مسارَيْ أستانا وسوتشي إستراتيجية “نسيان الماضي” بإسقاط الطائرة الروسية في عام 2015، عاد التوتر أدراجه حين سقط قتلى من الجيش التركي في إدلب وحُوصرت معظم نقاط المراقبة التركية فيها، هذا ما دفع تركيا لتضع هوامش أكثر وضوحاً بالنسبة للروس.
اضطُرّت أنقرة لاتخاذ قرارات مصيرية للحفاظ على إدلب خوفاً من الخطر الأمني الذي قد يتسلل إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون وحتى الداخل التركي الواقع على الحدود.
وعلى هامش اللقاء الأخير الذي جرى الشهر الماضي بين الأطراف الثلاثة لم تتوانَ التصريحات من المسؤولين الأتراك والروس كان آخِرها تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو حول لقائه نظيره وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، وتزامن ذلك مع تغيير واضح في تصريحات المسؤولين الروس فيما يخص التقارب التركي مع نظام الأسد بأن هناك عوائق في وجه الطرفين.
إدلب في أمان
بدوره يؤكد رئيس وفد المعارضة السورية في أستانا د.أحمد طعمة لـ “نداء بوست”: أن “مصير إدلب في أمان ولن تؤثر اللقاءات بين تركيا والنظام السوري على وضع إدلب الآمِن”.
وأضاف طعمة قائلاً: “في جلسات أستانا الأخيرة أصبح الوضع في إدلب ضِمن ما يُطلق عليه “التطبيع المستدام” أي عودة الحياة إلى طبيعتها وبشكل دائم”.
تركيا لن تتخلى عن إدلب
كما لفت طعمة إلى أن تركيا لن تتخلى عن إدلب ولا عن حلفائها في الجبهة الوطنية أو الفصائل الأخرى في الجيش الحر”.
وأشار في حديثه: لا أعتقد أن التفاوض مع دمشق سيؤدي إلى أي نتيجة لأن النظام السوري عُرف بشعاره إما أن يحكم البلاد أو يقتل شعبه”.
ويرى “طعمة” أن الحديث الروسي لن يغير شيئاً على الإطلاق؛ لأن محافظة إدلب والمناطق المحررة ليست مجالاً للنقاش”.
خبراء أتراك وسوريون يتحدثون لـ”نداء بوست” عن التقارُب التركي مع الأسد
إدلب ورقة ضغط سياسي
من جانب آخر يقول المتحدث الرسمي باسم وفد أستانا أيمن العاسمي لـ “نداء بوست”: إن روسيا تستخدم وجود بعض الجماعات الغير مرغوب فيها دولياً كورقة ضغط سياسية على المعارضة وعلى الجانب التركي، هناك اتفاقيات ابتداءً من سوتشي لأستانا مفادها عدم التعرض لهذه المنطقة لغاية الحل السياسي في سورية”.
وأضاف “العاسمي” أن التصريحات الروسية تغيرت نسبياً عما سبق، بما يتعلق بادلب والجماعات المتواجدة فيها وكان ذلك بجهود تركيا، فقد بتنا نسمع تغيراً في التوصيف أثناء المفاوضات في أستانا من تصنيف المقاتلين المتواجدين في إدلب من إرهابيين على حد زعم الروس سابقاً إلى مقاتلين وهذا تغيُّر ملحوظ بالنسبة للخطاب الروسي
وأيضاً هناك مصير لـ 3 ملايين سوري ينتظرون الحل ولا يمكن تجاهل رأي هذه الملايين.
ونوّه العاسمي قائلاً: “هناك معادلة سياسية حتى وإنْ كانت روسيا لا تقبلها ولا تطبقها على نفسها عندما يدور الحديث عن الارهاب فنحن نعتبر والعالم كله يشاركنا هذا الرأي بأن الميليشيات الإيرانية التي تُدعم من قبل روسيا أيضاً مصنفة إرهاب والمجموعات الانفصالية في شمال شرق سورية مصنفة على قوائم الارهاب وقسم من هذه الجماعات مدعوم روسيا غرب الفرات.
كما أوضح العاسمي أن “هذه القضية ليست تقارُباً هي فقط مُقارَبة جديدة تعمل عليها تركيا وروسيا بحيث لا تأخذ فترة زمنية، لتحريك الملف بشكل أو بآخر وهناك خريطة سياسية هي مَا يحدد نجاح هذه العملية السياسية”.
ويرى أن “هذه القضية مرتبطة بحقوق الشعب السوري ومرتبطة بالحل السياسي مقترناً بقضية التهدئة وخفض التصعيد في المنطقة مما يؤثر بشكل سلبي على تركيا ويهدد الأمن القومي ويدفع بموجة نزوح كبيرة إلى الحدود وتتحمل أعباءها مرة أخرى”.
ولفت العاسمي في حديثه إلى أن “إدلب ليست قضية متعلقة بالسوريين فقط فهي الآن قضية شِبه إقليمية أو دولية ومرتبطة بمفاوضات أستانا ولن تعود للنظام السوري ولا بأي شكل من الأشكال وهناك اتفاقيات دولية تمنع النظام من التقدم كما اعترف الأمريكيون سابقاً بأنهم اقترفوا خطأً باتفاق الجنوب السوري”.
وختم بقوله: “إدلب لن يجري عليها شيء ولن تتغير الخريطة السياسية إلا بتوافُق دولي مرتبط في الحل النهائي
أما بالنسبة للمجموعات المصنفة ليست جزءاً من الحل في سورية الحل بيد أبناء الشعب السوري كافة، وهم أصحاب القرار الوحيد في هذه القضية أما بالنسبة للنظام فهو يسعى للسيطرة على كل سورية تحت مسمى “السيادة الوطنية” ولو استعادها فسيمارس هواياته في القتل والتعذيب, فالوجود التركي في المنطقة وتسيير الدوريات المشتركة وإيقاف المشروع الانفصالي وإيقاف عملية اجتياح النظام وحلفائه لمناطق المعارضة قضية متعلقة بالأمن القومي التركي وبأمن السوريين كافة مع الحفاظ على سيادة ووحدة الأراضي السورية وهنا تتقاطع المصالح التركية مع مصالح الشعب السوري”.
إدلب أولوية لتركيا
بدوره يشير الباحث السياسي والأكاديمي “ياسر النجار” إلى أن “مسار التفاوض ما بين تركيا ونظام الأسد سينعكس من الناحية الجغرافية على ثلاث مناطق كل منها على حِدَةٍ وتنقسم هذه المناطق حسب الأهمية لدى الجانب التركي، منطقة الجزيرة السورية الواقعة في شمال شرق نهر الفرات على الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا, لطالما كانت هذه المنطقة تسبب قلقاً على الدولة التركية لأبعاد عديدة أهمها الديموغرافية الخاصة وتكاد تكون هذه السبب الرئيسي للتقارب التركي مع نظام الأسد”.
وأضاف النجار في حديثه أن “المنطقة الثانية هي منطقة شمال حلب ومنطقة النفوذ المباشر للجانب التركي على المستوى الخدمي والأمني والعسكري وتعود أهمية هذه المنطقة إلى تواجُد طريق M4 لمسافات طويلة فيه بالإضافة إلى وجود معبر باب السلامة في أعزاز , ومن المتوقع أن يكون حجم التفاهمات بين فِرَق العمل المشتركة للنظام السوري والحكومة التركية حول هذه المنطقة في المرحلة الأولى”.
وأوضح أنه “بالنسبة للمنطقة الثالثة فهي إدلب في الشمال الغربي من سورية وأهمية هذه المنطقة من خلال الربط بين مناطق الشمال والشرق السوري بمنطقة الساحل السوري عبر طريق M4 وأيضاً تواجُد معبر باب الهوى الدولي وهو أهم معبر يربط سورية مع أوروبا عَبْر تركيا”.
وأشار النجار إلى أنه: “بالنسبة للمنطقة الثالثة إدلب فالتواجد التركي حالياً مقتصر على قواعد عسكرية منتشرة ولديها برنامج معطَّل هو تفعيل الدوريات المشتركة الروسية التركية عَبْر طريق M4 وعدَا ذلك على المنحى الأمني أو الاقتصادي أو الخدمي فلا يوجد تأثير تركي على المنحى العسكري من خلال خطوط التماسّ التي تنتشر فيها قوات تابعة لهيئة تحرير الشام والفصائل التي تتعاون معها”.
ولفت في حديثه إلى أن: “المتوقع سيكون تأجيل التباحث والتأثير في المفاوضات على المنحى القريب المرحلة الأولى بخصوص إدلب، وذلك يحقق مصلحة أيضاً لجانب قوات التحالف الدولي وأمريكا التي ترغب بالمماطلة بخصوص أثر المفاوضات على مناطق الجزيرة السورية وبالتالي تكون هناك منطقتان مؤجلتان على مستوى انعكاس التفاوض التركي ونظام الأسد”.
وذكر النجار : “لكن في المرحلة الثانية سنجد أن النظام ضغط بالتأثير باتجاه منطقة إدلب في حين أن تركيا مهتمة بالمناطق الشمالية الشرقية بشكل أكبر”.
كما أوضح” النجار” أنه ستكون تطوُّرات المشهد في إدلب متدرجة من خلال عدة مسارات ستبدأ في الأثر الاقتصادي وفتح المعابر الداخلية بين إدلب والنظام ومن ثَم سيكون هناك تطوُّرات على المسار الإنساني في حال نجح التطبيع، في المرحلة الأولى وتم التنسيق المشترك لإدارة معبر باب السلامة عندها سيتم إيقاف العمل بآلية إدخال المساعدات عَبْر باب الهوى ويكون البديل معبر باب السلامة من خلال التنسيق مع النظام مما ينعكس على المنحى الإنساني في واردات المساعدات الإنسانية عَبْر خطوط التماسّ بخصوص إدلب، وسيكون هناك تطوّرات على الإدارات المحلية وغيرها من الأمور الخدمية ولكن كل ذلك سيستغرق زمناً طويلاً في حال افترضنا جدلاً أن مسار التفاوض سيكون ناجحاً بين تركيا ونظام الأسد”.
وختم النجار حديثه قائلاً: “ما تحدثنا عنه هو سيناريو يرغب الطرفان في إنجاحه ولكن لا ننسى أن إيران لها دور قوي وفاعل بخصوص إدلب فالميليشيات التي ترعاها إيران في مناطق التماسّ وجبل الزاوية، تستطيع أن تعطل المسار وتفرض أجندتها على النظام السوري، وقد بدأ ترتيب ذلك في زيارة وزير الخارجية الإيراني حسن عبد اللهيان الأخيرة في الأيام الماضية”.
وتبقى مدينة إدلب من أهمّ الملفات السورية من الناحية الميدانية والعسكرية والسياسية، وكانت مكاناً لتفجير الصراعات وتقاسُم المصالح في المنطقة، ولا تزال تحظى باهتمامات الحلفاء على الخارطة السورية، فهي المحافظة التي لا تغيب عنها الخطابات السياسية وطاولة المفاوضات المعنية بإيجاد حل سياسي في سورية العقدة الكبرى في الصراع السوري، التي أصبحت نقطة فاصلة للفاعلين كروسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة.