نداء بوست-قسم المتابعة والتحقيقات-عمار جلو
جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديداته بتنفيذ عملية عسكرية في شمالي سورية، قائلاً: إنها ستستهدف من تصفهم أنقرة بأنهم “إرهابيون”.
وقال أردوغان أمام البرلمان التركي الأربعاء الفائت: “ننتقل إلى مرحلة جديدة في عملية إقامة منطقة آمنة من 30 كيلومتراً عند حدودنا الجنوبية. سننظف منبج وتل رفعت”، متوعداً بالتقدم خطوة خطوة في مناطق أخرى.
وذكرت قناة “خبر تورك” التركية، الجمعة، أن 90 في المائة من التحضيرات للعملية العسكرية التركية قد اكتملت، موضحة أن مرحلتها الأولى ستنحصر في غرب الفرات وستكون تحديداً في منطقة تل رفعت، وأضافت أن الأهداف اللاحقة هي عين عيسى ومنبج، في ظل الوضع المعقد لمنطقة شرق الفرات, الذي يحتاج لتحضيرات ولقاءات سياسية.
وكان مجلس الأمن القومي التركي قد أكد، إثر اجتماعه برئاسة أردوغان، أن “العمليات العسكرية الجارية حالياً على الحدود الجنوبية للبلاد والأخرى التي ستُنفذ، ضرورة للأمن القومي، وأنها لا تستهدف سيادة دول الجوار”.
وشدد المجلس، على أن “أنقرة التزمت دائماً بروح وقانون التحالفات الدولية، وتنتظر المسؤولية والصدق نفسيهما من حلفائها”.
وحذّر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تركيا، من مغبة تنفيذ هجوم عسكري في سورية، قائلاً: إنه “سيعرّض المنطقة للخطر”, وأننا “لا نريد رؤية أي شيء يعرّض للخطر الجهود التي بذلناها لإبقاء تنظيم الدولة الإسلامية في الصندوق الذي حبسناه فيه”.
وتجنبت موسكو الإعلان عن موقف رسمي حيال التحضيرات التركية. وكانت الإشارة الوحيدة التي صدرت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، تشير إلى أهمية المحافظة على نظام التهدئة، مع التأكيد على عنصرين: الأول أن روسيا تتفهم المصالح الأمنية لتركيا، لكن في الوقت ذاته تريد تنفيذ الاتفاقات المتعلقة بإدلب. والثاني تجديد الإدانة لتشجيع الولايات المتحدة على النزعات الانفصالية في الشمال السوري.
وبحسب الكاتب السياسي والعقيد المنشق, عبدالجبار عكيدي فإن تركيا تحتاج لتوافق مع واشنطن وموسكو أو مع إحداهما لتنفيذ العملية العسكرية, وبدون هذا التوافق لا يمكن تنفيذها, أو أنها ستكون محدودة جداً, في ظل الظروف الدولية الغير مواتية.
ويضيف عكيدي في حديثه لموقع “نداء بوست” أن “تركيا تحاول الاستثمار في الظروف الدولية, الغزو الروسي لأوكرانيا وما استدعاه من حاجة روسية لتركيا, كما تحاول الاستثمار في الناتو أيضاً, في موضوع انضمام فلندا والسويد للحلف, ولكن بالنظر للتصريحات الروسية والأمريكية وحتى الإيرانية, فالجميع يعارض العملية العسكرية التركية في الشمال السوري”.
وكان أردوغان قال الأحد الماضي: إن أنقرة لا تنتظر “إذناً” من الولايات المتحدة لشنّ عملية عسكرية جديدة في سورية، وفق ما نقلت وسائل إعلام تركية. فيما يتزامن إعلان تركيا عن العملية مع معارضتها لانضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو.
وبحسب الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية, طه عودة أوغلو بأنه “يجب البحث عن السبب والتوقيت الذي دفع الرئيس أردوغان إلى التهديد مجدداً بشن عملية عسكرية جديدة في شمالي سورية لتنفيذ المشروع والهدف التركي القديم الذي لم يكتمل بعد بسبب تدخل روسيا هناك، والمتمثل بمسألتي حماية “الأمن القومي التركي، وملف المنطقة الآمنة”.
ويضيف الباحث في حديثه لموقع “نداء بوست” أن “الرئيس أردوغان في تصريحاته الأخيرة أكد أن تركيا ستستكمل الخطوات التي تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأتها لإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً على طول حدودها الجنوبية مع سورية ”.
وشدد على أن أولوية تركيا في العمليات العسكرية سيكون على المناطق التي تعد مركزاً لانطلاق الهجمات على تركيا أو”المناطق الآمنة في سورية”، أي على“عين العرب”، “تل رفعت”، “عين عيسى”، و”منبج” الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة والتي تعتبرها “أنقرة” امتداد لحزب “العمال الكردستاني” الانفصالي.
ومنذ 2016 شنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في سورية منعاً لما تسميه أنقرة “إنشاء ممر إرهابي” على حدودها الجنوبية، وذلك بإبعاد قوات حماية الشعب الكردية الذين تحالفوا مع الولايات المتحدة في حملتها ضد تنظيم داعش عن حدودها الجنوبية.
العقيد عكيدي, يرى أن تل رفعت أكثر احتمالية للعملية العسكرية, في ظل عدم أهمية المدينة لروسيا, التي ساعدت قوات “قسد” بالسيطرة عليها كرد فعل على إسقاط الطائرة الروسية من قبل سلاح الجو التركي عام 2015, لكنها مهمة للجانب التركي, كونها أحد مراكز انطلاق العمليات الإرهابية التي تطال قواتها في سورية أو قوات الجيش الوطني الموالي لها, بالإضافة لإمكانية استيعاب المدينة وريفها قرابة 300-400 ألف لاجئ, مع تنفيذ الوعد التركي القديم بتحرير المدينة, والذي قدمه المسؤولين الأتراك لأهل المدينة قبل بدء عملية درع الفرات.
وأما عن منبج وعين عيسى وعين العرب, فلا يرى العقيد عكيدي إمكانية أن تطالهم العملية العسكرية, لاسيما عين العرب فبالرغم من أهميتها لتركيا, كنقطة وصل بين منطقتي درع الفرات ونبع السلام, إلا أن هناك تفاهمات قديمة بين الجانب التركي والتحالف الدولي بخصوص عين العرب.
وخلال محادثة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين, أخبر الرئيس أردوغان أن الاتفاقية الموقعة عام 2019 بين البلدين تسمح بإقامة منطقة أمنية عازلة على امتداد الحدود السورية التركية، وقال: إنها ستكون ضرورية جداً. وشدد على “ضرورة” إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود السوريّة-التركيّة، وفق ما أعلنت الرئاسة التركيّة.
من المنظور التركي، فإن العملية العسكرية ضرورة لا غنى عنها لسببين, بحسب عودة أوغلو, أولاً، لحماية حدودها الجنوبية المتاخمة لسورية، والتي تنتشر فيها الفصائل الكردية المسلحة خصوصاً “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، والثاني لتنفيذ خطة إعادة مليون لاجئ سوري وتوزيعهم في المنطقة الآمنة التي تسعى لإنشائها هناك, مما سيوسع من نطاق نفوذها على المعارضة السورية، ويضمن السيطرة التركية الكاملة على الشمال السوري.
ويضيف أوغلو, أن الجميع يترقب ما إذا كانت تركيا ستترجم تهديدها على أرض الواقع في ظل حقائق كثيرة لا بد من أخذها بعين الاعتبار, ومنها الطلب الذي قدمته السويد وفنلندا لعضوية حلف “الناتو” والذي يراه البعض أنه منح “أنقرة” ورقة تفاوضية غاية في الأهمية مع الغرب وأوروبا وروسيا، إلا أن البعض الآخر يرى أن مسألة انضمام فنلندا والسويد إلى حلف “الناتو” وضعت تركيا تحت ضغط مزدوج, روسيا التي ترفض بالمطلق هذا الانضمام الذي يعني أن “الناتو” سيتخندق على حدودها، وهو ما حاولت إبعاده من خلال حربها على أوكرانيا، وتعول على “أنقرة” للوقوف كسد مانع في وجه هاتين الدولتين؛ ومن جهة أخرى أوربا والولايات المتحدة الذين يحثون “أنقرة” على الموافقة على عضوية الدولتين ويحاولون إغرائها بمكاسب سياسية وعسكرية وأمنية.
كما أن تجدد الحديث عن إقامة منطقة عازلة شمالي سورية يرتبط بأهداف محددة, قد يكون على رأسها أن جميع الحسابات السياسية في تركيا تدور حالياً حول الانتخابات المقبلة, التي أصبحت فيها شعبية الحزب الحاكم في خطر, نتيجة المشاكل الاقتصادية التي تعيشها البلاد. بالتالي، فإن إعادة مليون سوري إلى بلادهم فكرة تدغدغ مشاعر الشعب التركي, الذي يتصاعد رفضه للوجود السوري. لذا في حال إصرار حكومة أنقرة على العملية، فإنها تستثمر وسطيتها بين روسيا وأمريكا، لإقناعهما في القبول بعمل عسكري خاطف ومحدود النطاق, لإغلاق ملف حساس يتعلق بأمنها القومي من جهة ومكاسبها الانتخابية من جهة أخرى, بحسب عودة أوغلو.