نداء بوست- محمد الشيخ
عام مضى على دخول قانون “حماية المدنيين في سوريا”، المعروف باسم “قيصر” الأمريكي حيز التنفيذ، وذلك بعد رحلة طويلة من العمل والعراقيل التي واجهت الفريق الذي عمل على إصداره، دامت أكثر من 3 سنوات.
و”قيصر” هو الاسم الحركي لعسكري منشق عن النظام، سرب حوالي 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل قضوا تحت التعذيب، منذ اندلاع الثورة وحتى منتصف عام 2013، حيث تمكن من الانشقاق والهرب إلى خارج البلاد مصطحباً معه هذه الوثائق والأدلة التي تدين النظام.
ويهدف القانون الذي كان جزءاً من قانون الدفاع الوطني في الولايات المتحدة لعام 2019، إلى معاقبة النظام السوري والأشخاص والكيانات الأجنبية التي تنخرط في التعامل معه، وزيادة عزلته سياسياً، ودفعه للقبول بالحل السياسي وفقاً للقرار 2254.
وبتوقيع الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” على القانون في أواخر عام 2020، تحول الموقف السياسي الأمريكي من مجرد موقف إلى قانون نافذ، من المخطط له أن يحد من حركة النظام السوري سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
وبموجب القانون، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية 6 حزم من العقوبات على النظام السوري، كانت أولها في 17 حزيران/ يونيو 2020، وطالت “بشار الأسد” وزوجته ونجله “حافظ”، إضافة إلى عشرات المؤسسات والشخصيات الداعمة له.
تداعيات القانون
بدأت تداعيات “قيصر” بالظهور على النظام حتى ما قبل تنفيذه، حيث شهدت الليرة السورية في أيار/ مايو العام الماضي، انهياراً كبيراً أمام الدولار الأمريكي الذي وصل سعر صرفه إلى 3000 ليرة سورية للمرة الأولى.
واصطدمت محاولات بعض الدول العربية وعلى رأسها الإمارات والأردن ومصر في إعادة عمليات التبادل التجاري مع النظام بشبح “قيصر”، الذي أثار أيضاً موجة كبيرة من الخوف لدى رجال الأعمال والتجار اللبنانيين الذي يتعاملون مع النظام، والقلق من التعرض للعقوبات بسبب نشاطهم هذا.
ودفع القانون النظام السوري إلى إلغاء مراسيم تنظيمية وعمرانية بهدف إطلاق عملية “إعادة إعمار ذاتية”، كما توقف “الحشد الشعبي” العراقي عن إطلاق الدعوات التي يوجهها إلى حكومة بغداد لتوفير النفط إلى النظام، وعاد نشاطه ليقتصر على عمليات التهريب، وفقاً لما أفاد به الباحث في مركز “جسور” للدراسات “خالد تركاوي”.
وخفضت الشركات الروسية والإيرانية توريداتها للنظام على مختلف الأصعدة، بحسب “تركاوي” الذي أشار في حديثه لموقع “نداء بوست” إلى أن القانون أجبر شركات صينية على تعليق مشاريع في مجال الاتصالات والتكنولوجيا كانت تستعد لتنفيذها في سوريا، كون العقوبات تحد من هامش تحركاتها.
ماذا حقق القانون؟
تتباين الآراء حول جدوى قانون “قيصر”، ومدى إمكانيته في إجبار النظام السوري على وقف العمليات العسكرية والدخول في العملية السياسية المحددة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ودوره في الانهيار الذي تعرض له اقتصاد النظام.
ولا شك أن القانون أسهم في تعزيز أزمة النظام الاقتصادية، إلا أنه ليس السبب الوحيد لها، حيث تعود لعوامل عدة، أبزرها إفلاس البنك المركزي وخلوه من القطع الأجنبي، وتوقف عمليات الإنتاج وخروج حقول النفط والأراضي الزراعية من يد النظام، إضافة إلى العقوبات الغربية وعدم قدرة روسيا وإيران على دعم النظام بشكل أكبر.
ويرى دكتور الاقتصاد والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، “كرم شعّار”، أنه من الضروري التمييز بين قانون “قيصر” والعقوبات الأمريكية التي تم فرضها وفق أوامر تنفيذية، فالأول تم إقراره من “الكونغرس”، أما الثانية فهي تُفرض من الرئيس، وهو من يقرر تفاصيل تلك الأوامر، ومن يستهدف بها ومن يستثني منها.
وأضاف “شعّار” في حديثه لموقع “نداء بوست” أنه بعد 17 حزيران/ يونيو 2020 (تاريخ تطبيق قيصر)، زادت وتيرة العقوبات التنفيذية على النظام السوري وهي ليست وفقاً لقانون “قيصر”، كما يعتقد البعض، موضحاً أن الخزانة الأمريكية أعلنت عن معاقبة 4 أشخاص بموجب القانون فقط.
ويترتب على وزارة الخزانة الأمريكية لإدراج شخص أو مؤسسة ضمن عقوبات “قيصر”، القيام بإجراءات أكثر بكثير من إخضاعه لأوامر تنفيذية، كون القانون هو تشريعاً من “الكونغرس”، وفقاً لـ”شعّار”.
ويعتقد محدثنا أن القانون ألحق ضرراً بالنظام، إلا أنه تسبب بأذى أكبر بالمدنيين، معتبراً أن “قيصر” كان أثره على النظام نفسياً أكثر، حيث شعر المستثمرون ورجال الأعمال بأن العقوبات سيكون أثرها كبيراً جداً، خاصة مع تزامنه مع انهيار سعر صرف الليرة، ما خلق حالة من الذعر لديهم.
وأكد “شعّار” أن التدهور الذي شهده اقتصاد النظام السوري في أواخر عام 2019 وخلال عام 2020، يتجاوزه ما شهده خلال السنوات التسع السابقة، مرجعاً ذلك إلى عدة عوامل أبرزها الخلافات التي ظهرت بين “رامي مخلوف” و”الأسد”، وأزمة المصارف اللبنانية، إضافة إلى تزايد وتيرة العقوبات، وتدهور الوضع الاقتصادي الإيراني.
من جانبه، اعتبر الباحث “خالد تركاوي” في حديثه لموقع “نداء بوست” أن القانون بمثابة خناق حول عنق النظام السوري، تزيد شدته أو رخاؤه بحسب المصالح الأمريكية، مؤكداً أنه ساهم في عزل “الأسد” عن محيطه العربي، ومنع تدفق الاستثمارات الأجنبية له.
وبحسب “تركاوي” فإن القانون أثر بشكل كبير على روسيا وإيران، خاصة وأنه يستهدفهما بالمقام الأول، معتبراً أن الدولتين لا تستطيعان المضي قدماً بدعم النظام السوري إلى ما لا نهاية.
وبخصوص أثره على حياة السوريين، استبعد “تركاوي” أن يكون للقانون أثر كبير، وأشار إلى أن الأزمات التي تشهدها المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، سببها تعطيل الحياة الاقتصادية من قبل النظام ونهب موارد البلاد وتسخيرها في دعم الميليشيات والعمليات العسكرية.
بدوره، يعتقد الإعلامي السوري “أيمن عبد النور” رئيس منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، أن القانون أثر بشكل كبير على النظام، وألحق أضراراً بالنظام وبالشخصيات السياسية والاقتصادية التي تعمل معه.
وأكد “عبد النور” في حديثه لموقع “نداء بوست” أن القانون لا يؤثر على حياة المدنيين كما يسعى النظام لتصويره، وأن سبب الطوابير في دمشق وحمص وحلب هو الفساد المستشري في المؤسسات التابعة للنظام، وسرقة عائلة “الأسد” لموارد البلاد، إضافة إلى انهيار القطاع المصرفي في لبنان.
وعلى الصعيد السياسي، فإن القانون أسهم بشكل ملحوظ في وقف عمليات التطبيع التي كانت تعتزم بعض الدول العربية القيام بها، أو المشاركة في عمليات إعادة الإعمار، خاصة بعد التحذير الذي وجهته الولايات المتحدة الأمريكية إلى دولة الإمارات العربية من تعرضها للعقوبات بسبب إحياء العلاقات الدبلوماسية مع النظام.
ووجه وزير الخارجية الإماراتي، “عبدالله بن زايد”، انتقادات لقانون “قيصر” في آذار/ مارس الماضي، وأكد خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي “سيرغي لافروف”، أن القانون “يعتبر التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا”.
وأكد المبعوث السابق لوزارة الخارجية الأمريكية إلى سوريا “جويل رايبورن” أنه لا يوجد استثناءات لأصدقاء الولايات المتحدة ولا لغيرهم فيما لو فكروا في خرق عقوبات قانون “قيصر”، مشيراً إلى أن العقوبات ستطال كل من يخرق القانون.
وبحسب “رايبورن” فإن واشنطن أرادت توجيه رسائل للعالم من خلال القانون، أبرزها أنها سيطال جميع رموز النظام، وأنه لا نصر عسكري في سوريا، وأن دول المنطقة تخاطر بتعريض نفسها للعقوبات في حال فكرت بالاستثمار في سوريا، وتذكير مرتكبي الفظائع بأن الولايات المتحدة ستحاسبهم.
مستقبل القانون
مع وصول الإدارة الأمريكية الجديدة إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير الماضي، دخل قانون “قيصر” في حالة من الجمود، رغم تأكيد مسؤولين في وزارة الخارجية أنه لن يتم التهاون في تطبيقه، واستمرارية عمله.
وبالرغم من توجيه أعضاء في الكونغرس الأمريكي عدة رسائل إلى إدارة “بايدن” تطالبها بإيضاح سبب هذا الجمود، إلا أن الأخيرة لم تعلق على ذلك، وسط مخاوف من التنازل عن القانون إرضاءً لإيران التي تخوض معها مفاوضات في “فيينا” للعودة إلى الاتفاق النووي.
ومن وجهة نظر الباحث في مركز جسور للدراسات “خالد تركاوي”، فإنه من المرجح أن يستمر القانون ويتوسع، كون الإدارة الأمريكية لديها الكثير في سوريا، وتتخذ من الأدوات الاقتصادية وسيلة للضغط.
الدكتور “كرم شعّار”، اعتبر من جانبه أن حماس إدارة “بايدن” لفرض عقوبات جديدة على النظام أقل بكثير من حماس الإدارة السابقة، لتخوفها من الآثار السلبية للعقوبات على الوضع الإنساني في سوريا، خاصة وأن عدداً من المنظمات الحقوقية والمسيحية وجهت رسائل إلى “بايدن” بعد فترة قصيرة من وصوله إلى الحكم تطالبه بعدم فرض عقوبات ضد النظام.
وأكد الإعلامي “أيمن عبد النور” في حديثه لموقع “نداء بوست” توجيه الجالية السورية في الولايات المتحدة الأمريكية عدة خطابات إلى الإدارة الأمريكية، تطالبها بتوضحيات حول عدم فرض عقوبات جديدة على النظام، مشيراً إلى أنها لم تحصل على جواب رسمي.
وكشف “عبد النور” أن الإدارة الأمريكية قلصت عدد العاملين على ملف قانون “قيصر” في وزارتي الخارجية والخزانة، مضيفاً أنه من “غير المتوقع الحصول على نتائج كبيرة من عدد أقل من الموظفين”.
ولم يستبعد محدثنا أن يكون ذلك مبادرة من الولايات المتحدة لإرضاء إيران في محادثات البرنامج النووي، مشيراً إلى وجود أطراف ومستشارين في الإدارة الأمريكية يسعون لأن يكون الملف السوري ملحقاً بملف إيران.
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة كانت حددت 6 شروط لتعليق قانون “قيصر” ورفع العقوبات التي يتم فرضها بموجبه، وهي وقف العمليات العسكرية وقصف المدن والمنشآت الطبية، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بحرية إلى كافة أنحاء البلاد، وإطلاق سراح المعتقلين، وتأمين عودة كريمة للاجئين والنازحين، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وتقديمهم للعدالة.