في ظل التهديدات الكبيرة للإرهاب وظاهرة الحروب المنتشرة والاختلافات السياسية والاقتصادية التي تعيشها دول العالم، كان لابد من العمل الجاد على إبقاء القوات المسلحة لتلك الدول بكافة صنوفها، وأنواعها وفروعها وبدرجات متفاوتة متأهبة وبحالة جاهزية كاملة أو دائمة ولأحد السببين التاليين:
الأول: إما للقيام بعمليات هجومية واسعة، أو محدودة ضد دولة ما ولهدف ما، كاستعادة أراضٍ مغتصبة (كحالة إقليم ناغورني كاراباخ) في الحرب الأذربيجانية الأرمينية، أو لاحتلال أجزاء من أراض دولة ما، كما حدث ولا زال يحدث في الحرب الروسية الأوكرانية، -هذه الحرب- التي سيطرت بموجبها موسكو على إقليم الدونباس و مدن خيرسون وماريوبول وأجزاءً واسعة أخرى من الأراضي الأوكرانية.
الثاني: لخوض معارك دفاعية ناجحة من حالة التماس أو عدم التماس المباشر بهدف صد أي عدوان ومطامع وهجومات معادية.
من كل ماتقدم، فهذا يعني وفي حالات السلم كان لابد من بقاء القوات المسلحة لكافة الدول بحالة جاهزية عالية أو كاملة، وخاصة منها التي تهتم اهتماماً خاصاً بأمن شعبها، وسلامة أراضيها.
وبالتالي ومن أجل تحقيق هذا الهدف السامي، كان لزاماً على قيادات وأركانات الجيوش بشكل دوري ومخطط مسبقاً، القيام بتدريبات ومشاريع ومناورات عسكرية منفردة أو مناورات مشتركة، تحاكي فرضياتٍ قتاليةٍ معينة، وعادة ما تنفذ هذه المشاريع إما مع الرمي الحقيقي ووجود عناصر تمثيل العدو أو بدونهما، وأيضاً إما تكون المناورات منفردة وتقتصر على مجاميع جيش الدولة نفسها، أو بالمشاركة مع جيوش دول عديدة أخرى.
أما الهدف العام من المناورة فهو وضع جميع السياسات والتكتيكات والإستراتيجيات القتالية والأسلحة المتنوعة التي تخاض بها المناورات على المحك، واختبار أداءها ونجاعتها عند إستخدامها.
والأهم من ذلك كله هو قدرة المناورات العسكرية على رصد واكتشاف السلبيات، والثغرات الموجودة في عمليات التخطيط والتنفيذ العسكري، ومحاولة سدها وتلافيها قبل محاولات التوجه مستقبلا إلى ساحات المعارك.
تعريف المناورات سلماً وحرباً:
المناورة العسكرية بشكل عام أو مايسمى (لعبة الحرب) (Maneuver or War Gam) هو تعبير عسكري قتالي، غالباً ما يستخدم لوصف التحركات الميدانية للقوات المسلحة بكامل صنوفها واختصاصاتها في أرض المعارك وفقاً لفرضيات معينة موضوعة ومخطط لها بشكل مسبق .
المناورة في الحرب: هي إستراتيجية عسكرية تقوم على إعلان بدء الحرب والأعمال القتالية، والقيام بهجوم من الحركة يكون سريعاً ومباغتاً ومنفذاً بوتيرة وإيقاعات عالية، ليحدث الإرباك في صفوف العدو ويشل تحركاته، ويوقع به الخسائر الكبيرة الفادحة في العدة والعتاد، وقد تكون المناورات التي تنفذ في ساحات القتال بالقوات أو بالنيران فقط أو بكليهما معاً (حركية ونار) .
المناورة في أوقات السلم: هي كافة التدريبات والفرضيات العسكرية التي تقوم بها عدة دول صديقة متحالفة، لتقوية الروابط العسكرية وتبادل الخبرات بين جيوشها، وقد تقتصر المناورة على جيش دولة منفردة واحدة تكون بين أفرع وصنوف قواتها العسكرية المختلفة، بهدف تطوير أدائها وتعزيز مهاراتها القتالية والميدانية.
في الواقع فإن منطقتنا العربية، بل والأصح أن منطقة الشرق الأوسط بكاملها باتت محفوفة بالتوترات والمخاطر المتزايدة، ولذلك فإن عام 2022، ومنذ بداياته كان مزدحماً ويعج بعدد كبير من التدريبات، والمناورات العسكرية التي تحاكي جملة من السيناريوهات والأعمال والفرضيات القتالية الحقيقية، فعلى سبيل المثال فإن إسرائيل وبشكل مستقل أو بشكل مُشتَركْ كانت مُشتركةً في أضخم المناورات كمناورة (عربات النار) وغيرها من المناورات التي تحاكي فرضيات ميدانية عديدة، “كهجوم جوي على مفاعلات إيران النووية، وإعادة التزود بالوقود في الجو، ومهاجمة هدف بعيد المدى، والتعامل مع صواريخ أرض-جو”، أو لصد هجمات قد تطالها من جبهات عديدة كالجبهة السورية (ميليشيات ايران) والجنوب اللبناني (حزب الله) ، فيما كانت تُعالَجْ في العديد من المناورات الدولية المشتركة الأخرى مشكلة الإرهاب والجماعات الإرهابية، والتهديدات الإيرانية المتصاعدة في المنطقة، بالإضافة إلى المناورات البحرية لتأمين المضائق وحركة الملاحة الدولية، وخاصة في البحر الأحمر والخليج العربي، وغيرها من المسائل العسكرية.
مناورة الأسد المتأهب ونسختها العاشرة:
عملياً ومع تأكيد القيادة المركزية الأمريكية عن التزام واشنطن أمام شركائها في الشرق الأوسط بالدفاع المشترك ضد التهديدات الأمنية المختلفة وخاصة منها الإيرانية، فقد إنتهت وبمشاركة 4300 جندي وألف مدني في المملكة الأردنية الهاشمية مناورات “الأسد المتأهب” في نسختها العاشرة، والتي استمرت أسبوعين وبمشاركة 27 دولة منها (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا والسعودية والإمارات ومصر وباكستان) وغيرها من الدول، وكان على رأس برنامج هذه التدريبات: القيام بعمليات تهتم غالباً بقضايا مهارات مكافحة الإرهاب، والتعاطي مع تهديدات استخدام أسلحة التدمير الشامل( النووي، الكيميائي، الجرثومي)، ومهام القاذفات بعيدة المدى، والتهديدات السيبرانية، وعمليات الإتصالات والتنسيق المتكامل لمنظومات الدفاع الجوي و الصاروخي، والأمن البحري، وحماية الحدود.
وفي هذا الصدد قال الجيش الأردني في بيانٍ أصدره إن الدورة العاشرة من التدريبات التي تنظم وقائعها على أرض المملكة، ستجري اعتباراً من 4 إلى 15 أيلول/ سبتمبر، موضحاً أن هذه المناورات تهدف إلى تعزيز وتقوية “العمل المشترك” في مجال مكافحة الإرهاب وحماية الحدود، وتطوير القدرات الأمنية، والتعاون بين أجهزة ومؤسسات الدول المختلفة للإستجابة للتهديدات والأزمات الدولية.
ألاهداف من إجراء المناورات بشكل عام وأهميتها:
لا شك في أن أية تدريبات ومشاريع ومناورات عسكرية منفردة لدولة ما أو مشتركة بين عدة جيوش ودول لها غايات وأهداف لعل من أبرزها:
1- تبادل المعارف والخبرات العسكرية بين القوات المشاركة، وزيادة خبرات الجنود والضباط والأركانات في قيادة وخوض الأعمال القتالية المستمرة ليلاً ونهاراً وبكافة الظروف.
2- الاطلاع على أحدث أنواع وأجيال التكنولوجيا التي وصلت إليها الأعتدة والأسلحة المختلفة في العالم، والتي ستستخدم في المعارك المشتركة الحديثة بما فيها تكنولوجيا السلاح السيبراني .
3- التدريب المباشر على مسارح العمليات التي ممكن أن تكون ساحات للحروب، أو الشبيهة بها ومعرفة طبيعتها الجغرافية والتكيف مع كل ماتحمله من إيجابيات وسلبيات.
4- حل المشاكل والصعوبات والاخطاء العسكرية، التي قد تظهر في المناورات، والتي قد تواجه القطعات والجيوش أثناء عملها الميداني في مسارح العمليات، وذلك من خلال مايسمى “النقد والتحليل” لمجريات المناورات، والتي عادة ما تجري في نهاية المشاريع أو المناورات.
5- خلق التجانس العملياتي والإنسجام الميداني بين إستراتيجيات العمل لجيوش مختلفة.
ختاماً… لا شك أن المشاريع والمناورات القتالية المشتركة مهمة للغاية من جميع النواحي العسكرية، ولكافة القوات البرية والبحرية والجوية ومايتفرع عنها من إختصاصات كثيرة، فالمناورات والمشاريع تعمل على تبادل الخبرات وتدريب الأفراد المقاتلين بكافة رتبهم واختصاصاتهم، ورفع سويتهم وصقل مهاراتهم الميدانية والقتالية في كافة ظروف ومواقف المعارك، كما أنها ترقى بمستويات الضباط والأركانات وتزيد من خبراتهم في التخطيط والتنفيذ وتنظيم التعاون وقيادة وحداتهم والسيطرة عليها لتنفيذ المهام الموكلة بدقة وكفاءة عاليتين.