المصدر: ميديل إيست آي
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: كريستوفر فيليبس
إن الصراع السوري دخل حالة جمود. فبعد أكثر من عقد من القتال، يبدو من غير المرجح تحقيق انتصار صريح لأي طرف من أطراف الصراع. ونظراً للمشاركة العميقة للعديد من القوى الإقليمية والدولية، فإن أي تحوُّل في الديناميكيات يعتمد الآن على الغرباء بدلاً من السوريين.
لكن الجهود الخارجية للوساطة كانت عقيمة لسنوات. فلم تبدأ عملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة على الإطلاق، في حين توقفت الآن عملية أستانا الأكثر نجاحاً في بداياتها والتي جاءت تحت قيادة روسيا. لا يزال الاقتصاد السوري مشلولاً، حيث يعيش 90٪ من السوريين في فقر ويفتقرون إلى الكهرباء والاستثمار والتجارة. لذلك فمن الواضح أن هناك حاجة إلى نهج جديد.
يقدم تقرير صدر مؤخراً عن مركز أبحاث كلينجينديل الهولندي رؤية راديكالية للشروع في عملية السلام. حيث يجادل المؤلفان، مالك العبدة ولارس هوش، بأن صانعي السياسة الغربيين بحاجة إلى إعادة تصوُّر للصراع.
بدلاً من مواصلة جهودهم اليائسة للتوسّط في “الانتقال السياسي بقيادة سورية” وهو الطرح الذي يتّصف بنظرة متفائلة والذي اقترحته الأمم المتحدة في عام 2015، ينبغي عليهم قبول أن هذا هدف مستحيل في الوقت الحالي. بدلاً من ذلك، يجب أن يركّزوا على نتائج أكثر تواضعاً وقابلية للتحقيق: تحسين حياة السوريين العاديين، وكبح نفوذ أمراء الحرب، ومنع تقسيم سورية.
“اتصال عملي”.
وللقيام بذلك، يقترحون أن يتخطى الفاعلون الغربيون تركيزهم الحالي على العقوبات والمساءلة والمساعدات الإنسانية، نحو استعادة “الاتصال العملي” بين مناطق السيطرة المختلفة وعددها ثلاث في سورية: شمال غرب البلاد الواقع تحت سيطرة المعارضة والمدعوم من تركيا، والكردية المدعومة من الولايات المتحدة والمتمثل في شرق سورية، وبقية البلاد الواقع تحت سيطرة بشار الأسد الذي تدعمه كل من روسيا وإيران.
مع القليل من التفاعل بين هذه المناطق، ظهر أمراء الحرب للسيطرة على طرق التهريب، والضغط على اقتصادات المناطق الضعيفة أصلاً، وتسريع الانجراف نحو التقسيم الدائم.
يحثّ تقرير كلينجينديل الحكومات الغربية على تشجيع التجارة الخاضعة للرقابة، وتدفقات السلع والأفراد، والاستثمار، والتعاون في القطاع التعليمي بين المناطق. سيساعد ذلك في استعادة العلاقات الإقليمية، وتعزيز اقتصاداتها، وتقليل المعاناة. وبعد بضع سنوات من إعادة المشاركة الناجحة، يمكن بعد ذلك معالجة المزيد من الأسئلة طويلة المدى.
يجادل المؤلفون بأن هذا لا يعني بالضرورة التخلّي عن الأهداف الأوسع المتمثلة في محاسبة نظام الأسد على جرائمه والعمل من أجل انتقال عادل للسلطة. لكنهم يدركون أن السعي وراء هذا الهدف غير الواقعي حالياً قد أضعف احتياجات السوريين العاديين ويزيد الأمور سوءاً.
هناك حاجة ماسّة لمثل هذه البراغماتية وهناك الكثير من الثناء على التقرير. وهو يُقرّ بأنه مهما كانت أهدافهم سامية، فإن سياسة الدول الغربية لا تؤدي إلى نتيجة وتحتاج إلى أن تتطور إلى وسائل تُضاف إلى التركيز على معاقبة الأسد إذا كان ذلك في سبيل منع سورية من أن تصبح دولة فاشلة ومنقسمة جاثمة على أعتاب أوروبا.
المشاكل المحتملة
هناك مشكلة محتملة في اقتراح التقرير هي أنه سيسمح بخرق العقوبات من الباب الخلفي. فجزء مهم من توصيات “العبدة” و”هوش” وهو أن التجارة، ومعظمها من البضائع التركية، يمكن أن تتدفق من المناطق الشمالية المدعومة من تركيا إلى أجزاء من سورية الواقعة تحت حكم الأسد.
ومن شأن ذلك أن يفيد الاقتصاد التركي المتعثر لأنه سيفتح أسواقاً جديدة، ليس فقط في سورية ولكن خارجها في الأردن والخليج. قد لا ينتهك هذا رسمياً العقوبات الغربية التي تحظر التعامل مع النظام، حيث يمكن لتركيا بيع البضائع إلى حلفائها في شمال سورية الذين سيبيعونها بعد ذلك إلى الأسد، لكن هذا سيكون أقل من إضفاء الشرعية على النظام.
ومع ذلك، ربما يكون هذا النوع من آلية حفظ ماء الوجه هو الكيفية التي يمكن بها للسياسة الغربية أن تخرج من مأزقها الحالي. يمكن للدول الغربية أن تُصرّ على أنها تُبقي على العقوبات وتُبقي على الأسد على مسافة بعيدة عنها قليلاً حتى تتحقق غاية هذه الآلية المقترحة، بينما لا تزال تساعد السوريين الذين يكافحون.
في غضون ذلك، فإن مثل هذه الخطوة ستفيد اقتصادياً ليس فقط أنقرة وحلفاءها في شمال سورية، ولكن مدينة حلب المحاصرة والتي تتمتع بموقع إستراتيجي لتصبح “ميناء” للبضائع القادمة من تركيا. يمكن أن يكون لمدينتَي الرقة ودير الزور الشرقيتين الممزقتين أدوار مماثلة لتحسين التجارة بين مناطق النظام والشرق الذي يسيطر عليه الأكراد.
ولكن مع ذلك، فإن هذا النهج الجديد سيتطلب نوعاً من البصيرة والتطبيق العملي من الجهات الغربية وهو الأمر الذي تفتقر إليه تلك الجهات بشكل كامل في انخراطها بسورية.
فهو سيكون اختراق النظام للاقتصاد السوري لدرجة أنه يكاد يكون من المؤكد أن الأسد وحليفتيْهِ إيران وروسيا سيُكافَؤُون مالياً بأي تحسُّن في الاقتصاد السوري، وقد يكون ذلك عبئاً إضافياً يصعب على الأطراف الغربية تَحمُّله، لا سيما بالنظر إلى التوترات الحالية مع روسيا بما يخصّ أوكرانيا.
تضارُب المصالح
كان منع الرئيس السوري من الاستفادة بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان له تأثير ضارّ على الشعب السوري، هو الأولوية الغربية لبعض الوقت، ويبدو من غير المرجح أن يتغير هذا الهدف الآن. وبالمثل، على الرغم من تقرير مركز كلينجينديل الذي أشار إلى أن هذا الانفتاح سيفيد جميع اللاعبين الخارجيين على المدى الطويل، فمن غير المرجح أن تقبل به روسيا وإيران وتركيا.
على الرغم من أن المؤلفين قد يتأسفون على ذكر ذلك الأمر، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت طهران أو موسكو لديها بالفعل أي مشكلة مع التقسيم الفعلي لسورية طالما أن مصالحهم تتوافق مع ذلك التقسيم. فلقد كانت روسيا، على سبيل المثال، سعيدة تاريخياً بدعم الجمهوريات الانفصالية في جورجيا وأوكرانيا.
مرة أخرى، كما هو الحال مع الغرب، يطلب التقرير منهم إبداء الاهتمام برفاهية الشعب السوري على المدى الطويل وهي الغاية التي لم يظهروها في الصراع حتى الآن ويبدو من غير المرجح أن يكتشفوها الآن. نتيجة لذلك، يبدو من غير المرجح أن يُمهّد هذا التقرير الطريق لإعادة التفكير الجذري الذي يحتاجه الصراع السوري بشدة.
ليس هذا هو أول اقتراح سلام مبتكر يستحق الثناء، لكننا لم نرَ بعدُ قادةً محليين أو دوليين مستعدين لإعطاء الأولوية لاحتياجات الشعب السوري على احتياجاتهم الخاصة ليهتمّوا بأخذها بعين الاعتبار.