نداء بوست – هاني العبد الله – إسطنبول
زادت وتيرة الضربات الجوية الإسرائيلية بشكلٍ كبير خلال الفترة الأخيرة، والتي أصبحت تستهدف المواقع الإيرانية في سورية بشكلٍ شِبه يومي، حتى بدأت تظهر تحليلات تتحدث عن اقتراب اصطدام مباشر ما بين الإيرانيين والإسرائيليين في المنطقة ذاتها، ما طرح تساؤُلات حول سبب تزايُد تلك الضربات، وهل استطاعت إسرائيل عَبْر ذلك القصف إضعاف الوجود الإيراني على الأراضي السورية.
كثفت إسرائيل من غاراتها على عدة مواقع في سورية، وأصبح الاستهداف يطال مواقع للنظام وإيران بشكلٍ شِبه يومي، لدرجة أن تلك الغارات أدت إلى تعطيل العمليات في مطارَيْ حلب ودمشق.
ولا يعلّق الجيش الإسرائيلي عادةً على ضربات محددة في سورية، لكنه اعترف بإجراء مئات الطلعات الجوية ضد الجماعات المدعومة من إيران، التي تحاول الحصول على موطئ قدم في البلاد، وذكر أيضاً أنه يستهدف شحنات أسلحة يعتقد أنها متجهة إلى تلك الجماعات، وعلى رأسها ميليشيا “حزب الله” اللبناني.
أسباب التصعيد الإسرائيلي ضدّ طهران
بحسب تقرير معهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، فإن المؤشر اللافت الذي يفسّر التصعيد العسكري لإسرائيل ضد إيران، هو تعاظُم وتيرة الأعمال العسكرية الإيرانية في سورية خلال الأشهر الماضية، إضافة إلى مناورتها هذه باستمرارها بنقل الأسلحة إلى ميليشيا “حزب الله”.
وأفاد الكاتب والمحلل السياسي، فراس علاوي، بأن “إسرائيل زادت هجماتها مؤخراً ضدّ المواقع الإيرانية في سورية لعدة أسباب أبرزها، التحركات العسكرية الإيرانية لتطوير برامج صواريخ وبرامج مدفعية، وإنشاء قواعد إطلاق طائرات مسيّرة ضد أهداف عسكرية لأمريكا وإسرائيل في سورية، إضافةً إلى تصعيد طهران ضد تل أبيب، سواءً عَبْر التصريحات، أو على الأرض من خلال إدخال معدات عسكرية إلى سورية والعراق”.
وأضاف علاوي لموقع “نداء بوست”، أن “إسرائيل تسعى إلى منع إيران من إقامة قاعدة عسكرية ثابتة في سورية، بغية جعل وجود الإيرانيين هناك في حالة قلق وعدم استقرار، إضافةً إلى اقتراب إيران وأمريكا من الاتفاق على إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ما يضرّ بالمصالح الإسرائيلية، كل هذا دفع المسؤولين الإسرائيليين السياسيين والعسكريين، إلى تكثيف زياراتهم في الفترة الأخيرة إلى واشنطن، وطلبوا منها زيادة العمليات العسكرية ضد إيران في المنطقة”.
بدورها كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، أن الوتيرة الأخيرة المتزايدة للنشاط الإسرائيلي في سورية، تعود بالمرتبة الأولى إلى تراجُع روسيا في سورية، بسبب تعثُّرها في أوكرانيا، ما يعطي حرية أكبر للدور الإيراني في الأراضي السورية، وتصميم إسرائيل على دحر طموحات طهران الإقليمية، إلى جانب التصريحات العدائية الأخيرة التي أدلى بها الأمين العامّ لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، واتجاه إيران نحو توثيق العلاقات مع الحلف المنافس للهيمنة الأمريكية، بما في ذلك حصولها على العضوية الكاملة في منظمة “شنغهاي”.
كيف توغلت إيران في سورية؟
التوغل الإيراني في سورية زاد مؤخراً نتيجة عدة عوامل أبرزها، أن الحرب الأوكرانية ساهمت في تضييق الخناق الدولي الذي تقوده الدول الغربية على روسيا، فأدى هذا كله إلى تغيّر الإستراتيجيات الروسية التي نحت باتجاه الاستعداد للتنسيق مع المصالح التركية والإيرانية داخل سورية، وهذا أفسح المجال أكثر لطهران للتوغل في سورية، مستغلة انشغال موسكو بالحرب مع أوكرانيا.
كما أن عجز روسيا عن الوصول إلى مصادر أسلحة بديلة، دفعها إلى اللجوء إلى إيران للحصول على طائرات مسيرة تستخدمها في الحرب في أوكرانيا، وبالتالي اضطرت روسيا إلى إفساح المجال لطهران للتوغل في سورية، مقابل قيام إيران بدعم موسكو بالطائرات المسيّرة.
أما زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة إلى المنطقة، والتي ركزت على إسرائيل والمملكة العربية السعودية، فقد أثّرت على تعزيز التقارُب بين روسيا وإيران في سورية، وبعد حديثٍ طويل وصاخب عن التصدي لمشروع إيران في المنطقة العربية، وجدت روسيا فرصة مواتية لمنح طهران سلطة أكبر في سورية لتوسيع نفوذها وعملياتها.
كذلك تعمل إيران على التغلغل في المجتمع السوري، من خلال نشر التشيُّع، وتعزيز نفوذها في الأضرحة الموجودة وبناء أضرحة جديدة مثل ضريح السيدة زينب في دمشق.
وفي مناطق مثل دير الزور ذات الغالبية السُّنية المطلقة، فقد عملت على تغيير تركيبة المنطقة من خلال جذب الشباب إلى ميليشياتها، ومحاولة تغيير مذهبهم بواسطة المخصصات الاجتماعية أو الأنشطة الثقافية، علاوةً على استقدامها لعناصر الميليشيات الأفغان والعراقيين وغيرهم من خارج سورية، وإسكانهم في تلك المناطق الحسّاسة التي تستهدف تغيير تركيبتها السكانية.
الوجود الإيراني لم يتأثر
في ظل تزايُد التصعيد العسكري لإسرائيل وأمريكا ضد إيران في سورية، زادت التساؤلات حول مدى تأثير تلك الضربات على الوجود الإيراني على الأرض.
وفي هذا الإطار، قال الصحافي، فراس علاوي: إن “الضربات الإسرائيلية استهدفت الأسلحة والذخائر والبنى التحتية لطهران في سورية، وهذا ألحق بها خسائر كبيرة، خاصةً أن اقتصاد إيران متراجع، وبالتالي فإن تدمير البنى التحتية، يؤثر على طهران أكثر من إلحاق خسائر بشرية في صفوفها، لأن معظم عناصرها هم مرتزقةٌ من الخارج أو تابعون للنظام”.
وفي السياق ذاته، ذكرت صحيفة العرب اللندنية في تقريرها، أن التصعيد الإسرائيلي على إيران لم يؤثر عليها من الناحية البشرية، فهي تحتفظ بأكثر من 20 ألف عنصر من الميليشيات المسلحة في المنطقة، مع تمركز الكثير من هذه القوات في مناطق رئيسية في سورية، وتحديداً في دمشق وحلب ودير الزور.
وأوضحت الصحيفة أنه لا توجد إستراتيجية واضحة لدى الولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهة إيران في سورية، فالضربات لم تعد تجني تكاليفها، لذا يخشى هؤلاء أن كل تلك الجهود المحلية لمواجهة النفوذ الإيراني، ستذهب سُدى إذا لم تحظَ بدعم خارجي، فهم بلا إمدادات، في الوقت الذي تعمل فيه إيران بسياسة النفس الطويل”.
وختمت الصحيفة قولها بأن الجهود المجتمعية لصدّ الهجوم الإيراني، تتمثل الآن في عمل الناشطين والإعلاميين في دير الزور الذين يسعون لفضح أنشطة الميليشيات الإيرانية وأساليب القوة الناعمة التي تستخدمها إيران عَبْر وسائل الإعلام المحلية، والحدّ دون انجرار السوريين إلى الميليشيات الإيرانية.
يُذكر أن عدة تقارير إعلامية أشارت إلى أن موسكو ودمشق، طلبتا من طهران الانسحاب من بعض المواقع، بهدف تخفيف الضربات الإسرائيلية التي تستهدفها على الأراضي السورية.